Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
أما أولا: فلأن قوله: إماما، مفعول ثان لعامله الذي هو قوله: جاعلك واسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى الماضي، وإنما يعمل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال فقوله، إني جاعلك للناس إماما، وعد له (عليه السلام) بالإمامة في ما سيأتي، مع أنه وحي لا يكون إلا مع نبوة، فقد كان (عليه السلام) نبيا قبل تقلده الإمامة، فليست الإمامة في الآية بمعنى النبوة ذكره بعض المفسرين.
وأما ثانيا: فلأنا بينا في صدر الكلام: أن قصة الإمامة، إنما كانت في أواخر عهد إبراهيم (عليه السلام) بعد مجيء البشارة له بإسحق وإسماعيل، وإنما جاءت الملائكة بالبشارة في مسيرهم إلى قوم لوط وإهلاكهم، وقد كان إبراهيم حينئذ نبيا مرسلا، فقد كان نبيا قبل أن يكون إماما فإمامته غير نبوته.
ومنشأ هذا التفسير وما يشابهه الابتذال الطارىء على معاني الألفاظ الواقعة في القرآن الشريف في أنظار الناس من تكرر الاستعمال بمرور الزمن ومن جملة تلك الألفاظ لفظ الإمامة، ففسره قوم: بالنبوة والتقدم والمطاعية مطلقا، وفسره آخرون بمعنى الخلافة أو الوصاية، أو الرئاسة في أمور الدين والدنيا - وكل ذلك لم يكن - فإن النبوة معناها: تحمل النبإ من جانب الله والرسالة معناها تحمل التبليغ، والمطاعية والإطاعة قبول الإنسان ما يراه أو يأمره غيره وهو من لوازم النبوة والرسالة، والخلافة نحو من النيابة، وكذلك والوصاية، والرئاسة نحو من المطاعية وهو مصدرية الحكم في الاجتماع وكل هذه المعاني غير معنى الإمامة التي هي كون الإنسان بحيث يقتدي به غيره بأن يطبق أفعاله وأقواله على أفعاله وأقواله بنحو التبعية، ولا معنى لأن يقال لنبي من الأنبياء مفترض الطاعة إني جاعلك للناس نبيا، أو مطاعا فيما تبلغه بنبوتك، أو رئيسا تأمر وتنهى في الدين، أو وصيا ، أو خليفة في الأرض تقضي بين الناس في مرافعاتهم بحكم الله.
وليست الإمامة تخالف الكلمات السابقة وتختص بموردها بمجرد العناية اللفظية فقط، إذ لا يصح أن يقال لنبي - من لوازم نبوته كونه مطاعا بعد نبوته - إني جاعلك مطاعا للناس بعد ما جعلتك كذلك، ولا يصح أن يقال له ما يئول إليه معناه وإن اختلف بمجرد عناية لفظية، فإن المحذور هو المحذور، وهذه المواهب الإلهية ليست مقصورة على مجرد المفاهيم اللفظية، بل دونها حقائق من المعارف الحقيقية، فلمعنى الإمامة حقيقة وراء هذه الحقائق.
والذي نجده في كلامه تعالى: أنه كلما تعرض لمعنى الإمامة تعرض معها للهداية تعرض التفسير، قال تعالى في قصص إبراهيم (عليه السلام): "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا": الأنبياء - 73، وقال سبحانه: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون": السجدة - 24، فوصفها بالهداية وصف تعريف، ثم قيدها بالأمر، فبين أن الإمامة ليست مطلق الهداية، بل هي الهداية التي تقع بأمر الله، وهذا الأمر هو الذي بين حقيقته في قوله: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء": يس - 83، وقوله: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر": القمر - 50، وسنبين في الآيتين أن الأمر الإلهي وهو الذي تسميه الآية المذكورة بالملكوت وجه آخر للخلق، يواجهون به الله سبحانه، طاهر مطهر من قيود الزمان والمكان خال من التغير والتبدل وهو المراد بكلمة - كن - الذي ليس إلا وجود الشيء العيني، وهو قبال الخلق الذي هو وجه آخر من وجهي الأشياء، فيه التغير والتدريج والانطباق على قوانين الحركة والزمان، وليكن هذا عندك على إجماله حتى يأتيك تفصيله إن شاء الله العزيز.
Bogga 156