قوله تعالى: { واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون }؛ أي واشكروا لله على ما رزقكم وأباح لكم من النعم إن كنتم إياه تعبدون؛ أي إن كنتم تقرون أنه إلهكم ورازقكم، وهذا أمر إباحة وتخيير؛ أعني قوله تعالى: { كلوا } لأن تناول المشتهى لا يدخل في التعبد؛ وقد يكون الأكل تعبدا في بعض الأحوال عند دفع ضرر النفس أو تقويتها على الطاعة، وعند مساعدة الضيف إذا امتنع عن الأكل.
فلما نزلت هذه الآية قالت الكفار: إذا لم تكن البحيرة والسائبة والوصيلة محرمة في المحرمات، فأنزل الله تعالى قوله تعالى: { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل به لغير الله }؛ قرأ السلمي: (إنما حرم عليكم) براء مضمومة مخففة (الميتة والدم ولحم الخنزير) رفعا .
وروي عن أبي جعفر أن قرأ: (حرم) بضم الحاء وكسر الراء وتشديدها ورفع ما بعدها. وقرأ إبراهيم بن أبي عبيلة: (إنما حرم عليكم الميتة) بنصب الحاء والراء وتشديد الراء ورفع الميتة وما بعدها، وجعل (ما) بمعنى الذي المنفصلة، ويكون موضع (ما) نصبا باسم إن؛ وما بعدها خبرها. كما قال:
إنما صنعوا كيد ساحر
[طه: 69]. وقرأه الباقون (حرم) بنصب الحاء وتشديد الراء ونصب (الميتة) وما بعدها، وجعلوا (إنما) كلمة واحدة تأكيدا وتحقيقا. والميتة: ما لم يذك، والدم: يعني المسفوح الجاري. وهذه الآية مخصوصة بالسنة؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
" أحلت لنا ميتتان: السمك والجراد، والدمان: الكبد والطحال ".
قوله تعالى: { ولحم الخنزير } أراد جميع أجزائه وكل بدنه، فعبر ذلك باللحم؛ لأنه معظمه وقوامه. وقوله تعالى: { ومآ أهل به لغير الله } أي ما ذكر عليه عند الذبح اسم غير الله، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: (يعني ما ذبح للأصنام والطواغيت كلها) وأصل الإهلال رفع الصوت، ومنه إهلال الحج؛ وهو رفع الصوت بالتلبية، ومنه إهلال الصبي واستهلاله؛ وهو صياحه عند خروجه من بطن أمه.
قوله تعالى: { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه }؛ قرأ عاصم وحمزة ويعقوب وأبو عمرو: (فمن اضطر) بكسر النون فيه وفيما يشابهه مثل (أن اقتلوا) وأمثاله. وقرأ ابن محيصن: (فمن اضطر) بإدغام الضاد في الطاء حتى يكون طاء خالصة.
ومعنى الآية: فمن أحرج فالتجأ إلى ذلك بالمجاعة والإكراه، { غير باغ } أي غير طالب لذلك؛ أي غير طالب تلذذ، { ولا عاد } أي ولا متجاوز قدر ما يسد به رمقه، وقوله عز وجل: { غير باغ } نصب { غير } على الحال، وقيل: على الاستثناء، وإذا رأيت { غير } لا يقع في موضعها (إلا) فهي حال؛ وإذا يقع في موضعها (إلا) فهي استثناء؛ فقس على هذا.
وقال بعض المفسرين: على معنى { غير باغ } أي غير قاطع للطريق، { ولا عاد } أي ولا مفارق للأئمة ولا مشاق للأمة خارج عليهم بسيفه، ومن خرج يخيف السبيل؛ أو يفسد في الأرض؛ أو آبق من سيده؛ أو فر من غريمه؛ أو خرج عاصيا بأي وجه كان فاضطر إلى الميتة؛ لم يجز أكلها، واضطر إلى الخمر عند العطش؛ لم يحل له شربها، وهذا قول مجاهد وابن جبير والكلبي، وبهذا التأويل أخذ الشافعي رحمة الله، وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: ((يجوز ذلك لهم ولو كانوا بغاة خارجين على المسلمين كما يجوز لأهل العدل)).
Bog aan la aqoon