Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Noocyada
اعلم انه قد اختلف الاخبار فى سبب سؤال ابراهيم (ع) ذلك؛ ففى بعضها انه لما رأى ملكوت السماوات والارض رأى جيفة على ساحل البحر نصفها فى البحر ونصفها فى البر تأكلها سباع البحر وسباع البر ثم يحمل بعض السباع على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب ابراهيم (ع) وسأل ذلك، وفى بعض ان الله أوحى الى ابراهيم (ع) انى متخذ من عبادى خليلا ان سألنى احياء الموتى أجبته فوقع فى نفسه أنه ذلك الخليل فسأل ذلك ليطمئن انه ذلك الخليل، وقد مضى وجه آخر ان نمرود قال: هل رأيت احياء الميت برد الروح الى بدنه؟ - فسأل ذلك من الله، واختلفت الاخبار فى تعيين الطيور؛ ففى بعضها أخذ ابراهيم نسرا وبطا وطاووسا وديكا، وفى بعض انه اخذ الهدهد والصرد والطاووس والغراب، وفى بعضها الديك والحمامة والطاووس والغراب، وفى بعضها: الديك والطاووس والوزة والنعامة، وقد اختلف الاخبار ايضا فى كيفية مزجها وتجزيئها؛ وفى بعض الاخبار: هذا تفسيره فى الظاهر وتفسيره فى الباطن: خذ اربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهن علمك ثم ابعثهن فى اطراف الارضين حججا على الناس، واذا اردت ان يأتوك دعوتهم بالاسم الاكبر يأتونك سعيا باذن الله، واختلاف الاخبار فى تعيين الطيور وكيفية قتلها ومزجها وتجزيتها ودعوتها واحيائها، واختلافها فى عدد الجبال واشارتها الى بعض وجوه التأويل يدل على ان ليس المراد من هذه الحكاية ظاهر القصة فقط بل كان ظاهرها مرادا للتنبيه على باطنها وان المقصود من الطيور الاربعة الشيطنة والشهوة؛ والغضب والحرص المتولد منهما، او طول الامل المتولد منها فانهما متلازمان فانها امهات جنود النفس والجهل، والمراد بقتلها اماتتها عن الحياة النفسانية وباحيائها احيائها بالحياة العقلانية حتى تصير من جنود العقل فان الطاووس مظهر للشيطنة المقتضية للانانية الباعثة للتجلى كل آن بلون على نفسه وعلى غيره والداعية لتعجيب نفسه وغيره، والديك للغضب، والحمام للشهوة، والبط للحرص، ولما كانت هذه الصفات تظهر من طيور اخر ايضا اختلف الاخبار فى تعيين الطيور وقد ذكر فى تعيين الصفات وتأويل الطيور نظما ونثرا وجوه غير هذا، والتعبير بالطيور مع ان فى الدواب ما هو مظاهر الصفات بل هى اشد ظهورا فى بعض الدواب من الطيور لان النفس وجنودها لكونها كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض مالها من قرار لا ثبات لها على شيء بل هى كالطير كل آن على غصن فبالشيطنة تعرض نفسها على نفسها وعلى غيرها كل ساعة بلون وصفة، وبالشهوة تتمنى كل آن مشتهى، وبالغضب يعض كل حين على سليم، وبالحرص والامل يتبع كل آن مأمولا، وبعد القتل يتبدل الاوصاف وتصير من جنود العقل منقادة مطيعة كلما دعاها العقل يسرعن فى الاجابة.
{ واعلم } من قبيل عطف المسبب على السبب كأنه قال حتى تعلم بعد احياء الموتى { أن الله عزيز } لا يمنعه شيء من مراده { حكيم } لا يفعل شيئا من الاماتة والاحياء الا لحكم ومصالح ولا يعطى شيئا من القوى والاعضاء جندا للجهل او للعقل الا لمصالح عديدة، او المعنى واعلم ان الله عزيز حكيم حتى لا تقول: لم امر بقتل الحيوان وايذائه؟!
[2.261]
{ مثل الذين ينفقون } جواب لسؤال ناشئ من السابق كأنه قيل: ما لمن قتل الطير التى هى من جنود الجهل سوى احيائها بحياة العقل؟ - فقال: مثل الذين يقتلون جنود الجهل فى ابتغاء العقل وينفقون { أموالهم } الحقيقية التى هى قواهم { في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشآء } اى ما لا حد له والتفاضل فى عوض الانفاق واجره انما هو بالتفاوت فى حال المنفق ونيته وشأنه والمال المنفق وحال المنفق عليه، وفى الخبر اذا احسن العبد المؤمن عمله ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبعمائة ضعف، وذلك قول الله تعالى { والله يضاعف لمن يشاء } ، وفى هذا الخبر دلالة على ان المراد بالاموال فى الآية اعم من الاعراض الدنيوية والقوى والاعضاء البدنية حيث اشهد بها على تضعيف اجر الاعمال من الله وليست الاعمال الا انفاق القوى البدنية والحركات العضوية والاعضاء البدنية وان المراد بقوله: { والله يضاعف لمن يشآء } ، حصر تضعيف الاجر الى سبعمائة فى الله لا تكثير الضعف فوق السبعمائة ولا تقييد التضعيف بمن يشاء وهو وجه من وجوه الآية { والله واسع } عطف فى معنى التعليل ان كان المراد بقوله والله يضاعف لمن يشاء تكثير التضعيف فوق السبعمائة، او المراد به تكثير التضعيف فوق السبعمائة ان كان المراد بذلك حصر التضعيف فى الله او تقييده بمن يشاء { عليم } بانفاقكم وقدر المنفق ونية المنفق وحال المنفق عليه فيضاعف بقدر استعدادكم واستحقاقكم ليس فعله وارادته جزافا من دون نظر الى استحقاقكم فرب منفق يبطل انفاقه او يعذبه الله عليه، ورب منفق يجازيه بالاحسن الى العشرة، الى السبعين، الى السبعمائة، الى السبعة الآلاف، الى السبعين الفا، الى ما شاء الله، الى ما لا نهاية له.
[2.262]
{ الذين ينفقون } جواب سؤال مقدر كأنه قيل: هذا لكل من أنفق او لبعض دون بعض؟ - فقال تعالى تفصيلا للمنفقين: الذين ينفقون { أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون مآ أنفقوا منا } العطف بثم للتفاوت بين الاخبارين، والمن ان تنظر الى المنفق عليه معتدا بانفاقك { ولا أذى } وهو ان تتطاول عليه وتستحقره وتستقدمه وتستقبله بكلام خشن وتعد احسانك عليه، ومن اقبح الخصال الاعتداد باحسانك الى الغير وباساءة الغير اليك ونسيان احسان الغير اليك ونسيان اساءتك الى الغير، ومن اجمل الخصال كمال الاعتداد باحسان الغير اليك والتندم على اساءتك اليه ونسيان احسانك الى الغير ونسيان اساءته اليك، والاعتداد بالاحسان يورث الانانية المخالفة للانفاق والوبال للنفس مع ابطال الاحسان، وفى الاخبار: ان المراد المن والاذى لمحمد (ص) وآله (ع) { لهم أجرهم } لم يأت بالفاء هاهنا وأتى به فى قوله: { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم }؛ الآية لان المقصود هاهنا بيان بطلان الصدقة بالمن والاذى ولذلك بسط بعدا فى الانفاقات الباطلة ولم يكن المقصود ترتب الاجر على الانفاق حتى يأتى بالفاء المؤكد للترتب بخلاف ما يأتى فان المقصود هناك بيان ترتب الاجر وناسبه الاتيان بمؤكدات التلازم واضافة الاجر اليهم لتفخيم الاجر وللاشارة الى اختلاف الاجر بحسب اختلاف المنفقين بحيث لا يمكن تحديد حد له الا بالاضافة الى المنفقين { عند ربهم } تشريف آخر لهم بان امر اجرهم غير موكول الى غيرهم { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } قد مضى وجه اختلاف القرينتين فى اول السورة.
[2.263]
{ قول معروف } جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما يفعل من لا يقدر على ترك المن والاذى فى انفاقه؟ - فقال: قول معروف يعنى ما لا ينكره العرف والعقل مع عدم اجابة السائل وعدم الاحسان اليه { ومغفرة } يعنى اغماض المسؤل عن قبائح السائل وقبائح الحاجة او ستر على السائل وسؤاله، او ادراك مغفرة الله بازاء القول المعروف { خير من صدقة يتبعهآ أذى } اكتفى عن المن بذكر الاذى فانه نحو اذى، وأتى باداة التفضيل بناء على مخاطبات العرف والا فلا فضيلة للصدقة التى يتبعها اذى بل لها وبال كما مضى { والله غني } عن صدقاتكم ليس امره بها لاجل حاجة له الى انفاقكم على عياله وانما افقر بعض عباده لابتلاء بعض آخر لا لعدم قدرته على اغنائه { حليم } لا يعجل بعقوبة من يمن ويؤذى فى انفاقه وهو يدل على وبال المان بالانفاق.
[2.264]
{ يأيها الذين آمنوا } اى اسلموا بالبيعة العامة وقبول الدعوة الظاهرة بعد ما مدح الانفاق وذم المن والاذى عليه نادى المؤمنين خاصة تلطفا بهم واعتناء بشأنهم ثم نهاهم عن الانفاق المذموم كأن غيرهم ليسوا مكلفين حتى يتوجه النهى اليهم فقال: { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } اعلم ان الانفاق اذا كان الداعى اليه صدق المنفق فى امتثال الامر الالهى من دون شراكة أغراض النفس كان صدقة، وابطالها من حيث انها صدقة بان لم يكن هذا الصدق فى الانفاق او كان لكن يذهب به بعده فقوله: { لا تبطلوا صدقاتكم } معناه: لا تذهبوا بصدقكم فى انفاقكم، والاتيان بعنوان الصدقات مقام الانفاق للتنبيه على ان المؤمن ينبغى ان يكون انفاقه قرينا للصدق لكن قد يطرؤ عليه ما يذهب بصدقه { كالذي ينفق ماله رئآء الناس } مفعول له او حال. اعلم ان العبادات اذا كان الداعى اليها قرب العابد من الله بمعنى ان القرب المستلزم لشدة الحب المستلزم لخدمة المحبوب صار سببا للعبادة والقيام بخدمة المعبود وامتثال أمر المحبوب كانت عبادة، واذا كان الداعى انتفاع النفس من الله ولو بقرب الله لم تكن عبادة حقيقة، واذا كان الداعى انتفاع النفس من الغير لم تكن عبادة لا حقيقة ولا صورة بل كانت محرمة ووبالا ولذلك قالوا: ان المراءاة فى الصلاة مبطلة لها بل المرائى اشر من تارك الصلاة بمراتب فانه مستهزء بالله ومنافق ومشرك او كافر ويحسب انه محسن ويعجب بنفسه بخلاف التارك فانه متوان فى أمره تعالى ويعلم انه تارك؛ وكثيرا ما يتنبه ويلوم نفسه { ولا يؤمن } لا يذعن { بالله واليوم الآخر } حين المراءاة او مطلقا { فمثله كمثل صفوان } اعلم ان التشبيهات التمثيلية المركبة لا يلزم ان يكون جميع اجزاء المشبه والمشبه به مذكورة ولا يلزم الترتيب بين اجازئهما فى الذكر ولا ذكر تمام اجزائهما فقوله فمثله يحتمل ان يكون المراد به مثل المنفق المرائى فى صلابة قلبه وقساوته وعدم انبات النبات فيه واستتار قلبه تحت صورة الانفاق الذى هو من وجوه الخير الذى يدل على صلاح قلبه وصلاحيته لبذر الآخرة وانباته ونموه كمثل صفوان { عليه تراب } صالح للزرع ونموه وابطال المرائاة الصلاحية المتراياة من ظاهر الانفاق كابطال المطر العظيم القطر الصلاحية المتراياة من ظاهر تراب الصفوان وان يكون المراد به مثل المال المنفق فى ذهابه عن المنفق وعدم الانتفاع به بشيء من وجوه الانتفاع لابطال الرياء له مع انه بحسب صورة الانفاق يترائى ان المنفق ينتفع به كمثل بذر وقع على صفوان عليه تراب { فأصابه وابل فتركه صلدا } عن التراب والبذر جميعا { لا يقدرون } حال عن فاعل ينفق او عن الضمير المضاف اليه للمثل فان المثل يصح حذفه وجمع الضمير مع افراد الضمير الذى هو ذو الحال باعتبار لفظ، الذى، ومعناه فان معناه الجنس العام الشامل لكل فرد، او جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ما حال المنفق المرائى فى انفاقه؟ - او لم قلت كمثل صفوان؟ - او كأنه قيل: ما حال المبطل انفاقه بالمن والمرائى فى انفاقه؟ - فقال: لا يقدرون { على شيء مما كسبوا } فلا اشكال حينئذ فى جمع الضمير وهذا يدل على ان المراد بالانفاق مطلق الاعمال فان الكسب اعم مما يكسب بالانفاق { والله لا يهدي القوم الكافرين } عطف على لا يقدرون والاهتمام بالله منع من مراعاة التناسب بين المتعاطفين او حال والمعنى انهم بأنفسهم لا يقدرون ولا معين لهم سوى الله والله لا يهديهم ووضع الظاهر موضع المضمر للتصريح بانهم كافرون ولتعليل الحكم.
Bog aan la aqoon