Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Noocyada
[1 - سورة الفاتحة]
[1.1]
اتفق اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم انه من القرآن وانه آية من كل سورة ذكر التسمية فى اولها وانه يجب الجهر به فيما يجهر به من الصلوات ولا يجوز تركه فى الفرائض وخالف فى ذلك العامة قال البيضاوى فى اول تفسيره: هو من الفاتحة وعليه قراء مكة والكوفة وفقهائهما وابن المبارك والشافعى وخالفهم الشيبانى وقراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها ومالك والاوزاعى ولم ينص ابو حنيفة فيه بشئ فظن انها ليست من السورة عنده وسئل محمد بن الحسن عنها فقال ما بين الدفتين كلام الله تعالى لنا احاديث كثيرة منها ما روى ابو هريرة انه قال فاتحة الكتاب سبع آيات اوليهن بسم الله الرحمن الرحيم وقول ام سلمة
" قرأ رسول الله (ص) وعد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين آية "
ومن اجلهما اختلف فى انها آية برأسها او بما بعدها والاجماع على ان ما بين الدفتين كلام الله والوفاق على اثباتها فى المصاحف مع المبالغة فى تجريد القرآن حتى لم يكتب آمين، الى هاهنا كلام البيضاوى. وعن امير المؤمنين (ع) ان التسمية من الفاتحة وان رسول الله (ص) يقرؤها ويعدها آية منها وعن الصادق (ع) ما لهم قتلهم الله عمدوا الى اعظم آية فى كتاب الله فزعموا انها بدعة اذا اظهروها وعن الباقر (ع) سرقوا اكرم آية من كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم. وورد منهم الترغيب فى الابتداء به عند كل امر صغير او كبير ليبارك فيه فعن الصادق (ع) انه قال لا تدعها ولو كان بعدها شعر وعنه (ع) من تركها من شيعتنا امتحنه الله بمكروه لينبهه على الشكر والثناء ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه. وعن امير المؤمنين (ع) ان رسول الله (ص) حدثنى عن الله عز وجل انه قال
" كل امر ذى بال لم يذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو ابتر "
، وعن طريق العامة عنه
" كل امر ذى بال لم يبدء باسم الله فهو ابتر ".
ولفظ الباء فيه للالصاق باعتبار لصوق ابتداء القراءة باسمه تعالى او للمصاحبة او للاستعانة او للسببية والمتعلق محذوف من مادة الابتداء او من مادة الفعل الذى يقع بعده مثل اقرأ واقوم واقعد وادخل واخرج او من مادة الاسم اى اسم نفسى بسمة من سمات الله كما روى عن الرضا (ع) انه قال يعنى اسم نفسى بسمة من سمات الله وهى العبادة قيل له ما السمة قال العلامة وفى هذا الخبر تنبيه على ان القائل بسم الله الرحمن الرحيم ينبغى ان يجتهد حتى يجد حين هذا القول انموذجا من صفات الله فى وجوده وفى قوله وهى العبادة اشارة الى ان العبد حين هذا القول ينبغى ان يخرج من انانيته التى هى خروج من العبادة والعبودية ويخرج من مالكيته واختياره ويدخل تحت امر ربه ويجد ذلك من نفسه حتى يكون منه هذه الكلمة صادقة ولا يكون هو كاذبا بينه وبين الله سواء اريد بكلمة بسم الله انشاء الاتصاف بسمة من سمات الله او الاخبار به ويجوز تقدير التأخير فى المقدر وتقدير التقديم لكن التأخير ادخل فى التعظيم والاهتمام باسم الله ويفيد الحصر والاسم بكسر همزة الوصل وضمها والسم والسما بتثليث السين مأخوذ من السمو بمعنى الارتفاع او من الوسم بمعنى العلامة، وجمعه على اسماء وتصغيره على سمى يؤيد الاول، وكونه بمعنى العلامة يؤيد الثانى، وحديث الرضا (ع) فى بيان بسم الله ينبه على الثانى واسم الشئ علامته وكل لفظ وضع لجوهر او عرض من غير اعتبار نسبة فيه، واسماء الله عبارة عما يدل عليه تعالى من لفظ او مفهوم او جوهر عينى ولا اختصاص لها بالاسماء اللفظية او المفاهيم الذهنية فان اطلاق الاسم فى الاخبار على الذوات العينية كثير وسيجيئ تحقيق تام للاسم فى اول البقرة عند قوله تعالى
وعلم آدم الأسمآء كلها
Bog aan la aqoon
[البقرة: 31] والفرق بين الاسم والصفة اذا اعتبر فى الاسم معنى من المعانى كالفرق بين المشتق ومبدء الاشتقاق كالعلم والعالم فان الاول مأخوذ بشرط لا ولذلك لا يصدق على الذات الموصوفة به والثانى مأخوذ لا بشرط شيئ ولذلك يصدق على الذات الموصوفة به وليست الذات معتبرة فى المشتق لانه اذا فرض علم مجرد قائم بذاته يصدق عليه العالم بل نقول ذات البارى جلت عظمته علم مجرد قائم بذاته كما انه عالم. وللاسم اعتبار ان اعتبار كونه اسما ومرآة للمسمى، وبهذا الاعتبار لا يكون له نفسية ولا وجود مغاير للمسمى بل يكون وجوده وجود المسمى ورقيقة منه ونفسيته نفسية المسمى ولذلك لا يكون الحكم فى الكلام الا على المسمى ولا يكون النظر الا الى المسمى فان قولك جاء زيد لا يكون النظر فيه ولا الحكم الا على المسمى، والآخر اعتبار كونه موجودا مغايرا للمسمى منظورا اليه محكوما عليه وبهذا الاعتبار يكون هو كالمسمى امرا موجودا مستقلا محكوما عليه مغايرا للمسمى وبهذا الاعتبار يصير الاسم مسمى وله اسماء مثل قولك زيد لفظ مركب من ثلاثة احرف فان زيدا فى هذا القول له اسماء عديدة مثل الاسم واللفظ والكلمة والمركب والموضوع والدال والعلم وغير ذلك وبهذا الاعتبار لا يكون مظهرا ومرآة للمسمى ولا دالا عليه ولما كان جملة العالم برمتها اسماء لله تعالى كان هذان الاعتباران ثابتين لها والى هذين الاعتبارين اشار تعالى بقوله إن هى الا أسماء يعنى ليست هى مسميات ومنظورا اليها ومستقلات مغايرات لله سميتموها انتم يعنى انكم صرتم محجوبين عن المسمى ناظرين الى الاسماء من حيث انها مستقلات فى الوجود جاعلين لها مسميات فصرتم مشركين وكافرين لهذا النظر، و الناس فى النظر الى الاشياء مختلفون فناظر ينظر اليها من حيث انها اسماء لله غافلا عن وجودها وعن النظر اليها او شاعرا بالنظر اليها، وناظر ينظر اليها من حيث انها مسميات غافلا عن المسمى، وناظر ينظر اليها مستقلات والى المسمى والاول وهو الذى ينظر الى الاشياء من حيث انها اسماء غافلا عن النظر اليها او شاعرا بالنظر اليها هو الذى يعبد المسمى بايقاع الاسماء عليه ويكون موحدا، والذى ينظر الى الاسماء من حيث انها مسميات مستقلات غافلا عن المسمى هو الذى يعبد الاسم دون المسمى ويكون كافرا وهذا حال اكثر الناس، والذى ينظر الى الاسماء حالكونها مسميات مستقلات والى المسمى حالكونه مسمى مستقلا مغايرا مباينا عن الاسماء هو الذى يعبد الاسم والمسمى ويكون مشركا، والناظر الى الاسماء من حيث انها اسماء غافلا عن نظره اليها هو المجذوب الذى رفع القلم عنه ولا حكم له فى الكثرات ولا تكليف، والناظر اليها من حيث انها اسماء شاعرا بنظره هو الكامل الجامع للطرفين، وهذا الكامل اما يكون استشعاره بالاسماء غالبا على استشعاره بالمسمى او يكون استشعاره بالمسمى غالبا او يكون استشعاره بالطرفين على السواء والاول هو الواقع فى النشأة الموسوية والثانى هو الواقع فى النشأة العيسوية والثالث هو الذى يراعى حقوق الكثرات والوحدة بحيث لا يهمل من حقوق الطرفين شيئا وهو الواقع فى النشأة المحمدية (ص) الجامعة للكثرة والوحدة بحيث لا يشذ شيئ من حقوقهما، والى النشئات الثلاث أشار تعالى بقوله
محمد رسول الله والذين معه أشدآء على الكفار رحمآء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه
[الفتح: 29]؛ الآية، فاشار بقوله ذلك: مثلهم فى التوراة؛ الى النشأة الموسوية وبقوله { ومثلهم في الإنجيل كزرع }؛ الآية، الى النشأة العيسوية، وبالجمع بين النشأتين الى النشأة المحمدية واعتبر ذلك المذكور من حال الكافر والمشرك والمجذوب والكامل ونشئاته الثلاث بالمرآة والنظر اليها ورؤية الصور فيها فانه قد ينظر الانسان الى المرآة من حيث صفائها واستدارتها وتربيعها وتسديسها وتحديبها او تقعيرها من غير رؤية صورة فيها او من غير شعور برؤية صورة فيها، وقد ينظر اليها من حيث رؤية الصور فيها من غير شعور بالمرآة وبرؤيتها، وقد ينظر الى المرآة من حيث اشكالها وصفائها وينظر الى الصورة التى فيها وقد ينظر الى المرآة حال كونها لا حكم لها فى نظره سوى ارائة الصور شاعرا بنظره الى المرآة وبنظره الى الصور بالاقسام الثلاثة السابقة وما ورد فى جواب من قال هل الله فى الخلق ام الخلق فى الله من قوله (ع) اخبرنى عن المرآة هل انت فى المرآة ام المرآة فيك يشير الى ما ذكرنا ومقامات الكثرة فى الوحدة والوحدة فى الكثرة والجمع بين الوحدة والكثرة الدايرة فى ألسنة الصوفية اشارة الى النشئات الثلاث وللاشارة الى تلك النشئات ورد فى خبر: ما رأيت شيئا الا ورأيت الله فيه وفى آخر: الا ورأيت الله قبله وفى آخر: الا ورأيت الله بعده وما قيل ان الاسم عين المسمى او غيره قد علم جوابه مما ذكرنا فان الاسم اذا كان منظورا اليه من حيث اسميته بحيث يكون الناظر غافلا عن نظره يكون عين المسمى بمعنى انه لا وجود ولا نفسية ولا حكم ولا اثر حينئذ الا للمسمى، واذا كان الناظر حينئذ شاعرا بنظره يكون بوجه غيره وبوجه عينه، واذا كان منظورا اليه بحيث يكون فى نظر الناظر ذا نفسية ووجود وانانية كان غيره سواء نظر الناظر من الاسم الى المسمى او لم ينظر، ولما كان الانسان واقعا بين دارى الرحمن والشيطان وكان دار الشيطان لغاية بعدها من الرحمن وغلبة الاعدام عليها وكونها بتمام اجزائها مظاهر قهره تعالى كأنها لم تكن مظاهر له تعالى وكانت مقابلة لدار الرحمن وكانت النفس الانسانية من حيث تسخره للشيطان كأنها اسم للشيطان لا للرحمن ومن حيث تسخره للعقل اسم للرحمن وكان جميع افعال الانسان صادرة من نفسه اما من جهتها الشيطانية او من جهتها العقلانية امروا العباد بالتسمية عند كل فعل صغير او عظيم حتى يخرجوا بالتسمية من جهة النفس الشيطانية ويدخلوا فى جهتها الرحمانية ويكون الفعل رحمانيا لا شيطانيا، ولما كان اكثر الناس قاصرين غير بالغين الى مقام النظر الى فاعلية الله تعالى بدون وساطة الوسائط ومن بلغ الى ذلك المقام لم تكن الوسائط مرتفعة فى أفعاله بل المرتفع فى حقه النظر الى الوسائط قال تعالى باسم الله بتخلل الاسم بين الباء والله ولم يقل بالله وان كان هذا ايضا صحيحا فى نفس الامر فان الافعال تصدر عن الانسان بتوسط نفسه التى هى اسم لله فما قيل ان الاسم مقحم بين الجار ومجروره ليس بشيئ وكذا ما يترائى من كون المراد من الله لفظه وكون الاضافة بيانية يأتي التوصيف بالرحمن، ولما كان المقصود من التسمية الخروج من الجهة الشيطانية والدخول فى الجهة العقلانية كما سبق عن الرضا (ع) فى تفسيرها من قوله يعنى اسم نفسى بسمة من سمات الله فلو قال القائل بسم الله الرحمن الرحيم كان قوله بسم الله مثل ان قال التجأت من دار الشيطان وتصرفه الى دار الرحمن وتصرفه ودخلت فى داره واتصفت بصفاته فكان يفيد فائدة الاستعاذة مع شيئ زائد ولذلك ورد عن الباقر (ع) اول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم فاذا قرأتها فلا تبال ان لا تستعيذ واذا قرأتها سترتك فيما بين السماء والارض، ولما كان التسمية من القائل اتصافا بسمة من سمات الله وهى بمنزلة السلاح للشيطان والشيطان يفر منها امروا بالجهر ببسم الله بخلاف الاستعاذة والله علم للذات بعنوان مقام ظهوره الذى هو فعله ومشيئة فان الذات غيب مطلق لا اسم له ولا رسم له وان الاسماء والصفات ليست له الا باعتبار ظهوره بفعله ومشيئة ومشيئة لها اعتباران؛ اعتبار وجهها الى مقام الغيب واعبار وجهها الى الخلق، وتسمى باعتبار وجهها الى الغيب عرشا، وباعتبار وجهها الى الخلق كرسيا، وبهذين العنوانين يسمى الحق الاول بالله وبالعلى وباعتبار هذين العنوانين قال تعالى
الرحمن على العرش استوى
[طه: 5] و
وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم
[البقرة: 255] وهل هو مشتق او جامد بمعنى انه من الاوصاف المشتقة من المصادر او ليس اسما مشتقا بل هو مصدر او اسم مصدر او اسم ليس له مادة متصرفة، اقوال؛ فقيل انه من مادة اله الهة والوهة مثل نصر بمعنى عبد واصله اله بكسر الهمزة حذف الهمزة وعوض عنها لام التعريف ولذلك او لمطلوبية التطويل والتفخيم فى نداء المحبوب لم يحذف الفه فى النداء، او من اله كفرح بمعنى تحير او اشتد جزعه عليه او فزع اليه ولاذ به او بمعنى اجاره، وقيل من مادة وله من باب حسب وعلم وضرب بمعنى حزن وتحير وخاف وجزع او من مادة لاه الله الخلق يلوه بمعنى خلقهم او من لاه يليه بمعنى تستر او علا، وقيل: اصله لاها بالسريانية فعرب بحذف الالف الاخيرة ودخل لام التعريف عليه وقيل كان اصله هو لانه موضوع لغائب معهود معروف والغائب عن الابصار مطلقا والمعهود المعروف للقلوب على الاطلاق هو الله ثم ادخل عليه لام الاختصاص للاشعار باختصاص كل ما سواه به، ثم اشبع فتحة اللام تفخيما ثم ادخل لام التعريف عليه لتفخيم آخر فصار الله.
و { الرحمن الرحيم } صفتان لله او للاسم فان اسماء الله العينية كما انها مظاهر لله مظاهر لجميع صفاته تعالى وجعلهما صفتين للاسم اولى من جعلهما صفتين لله للزوم التأكيد على الثانى مع ما بعده دون الاول ولان المنظور الاتسام باسم يكون به قوام الفعل المبتدأ به وينتهى الفعل اليه وهذا معنى كون الاسم متصفا بصفة الرحمانية والرحيمية وهما مأخوذتان من رحم بكسر العين للمبالغة او من رحم بضم العين صفتين مشبهتين وعلى اى تقدير فالرحمن ابلغ من الرحيم لزيادة مبناه ولعدم اختصاص الرحمة الرحمانية بشيئ دون شيئ وبحال دون حال وبجهة دون جهة بخلاف الرحمة الرحيمية فانها مختصة بالانسان ومن كان مثله سالكا الى الرحمن وبحال كونه على رضاه ومن جهة كونه على رضاه واما غير الانسان فان العناصر والمواليد لا توصف بالرحمة الرحيمية ولا بالغضب الذى هو ضدها والارواح العالية وجودهم كما هو رحمة رحمانية رحمة رحيمية ولا تمايز بين الرحمتين فيهم كما لا يتصور جهة غضب فيهم والارواح الخبيثة قد يجوز ان يتصفوا بالرحمة الرحيمية لكن الاغلب انهم متصفون بالغضب وذلك ان الرحمة الرحمانية عبارة عن افاضة الوجود على الاشياء وابقائها واكمالها بالكمالات اللائقة بفطرتها وهذا عام لجميع الاشياء دنيوية كانت او اخروية اناسى كانت او غير اناسى ولذلك قال { الرحمن على العرش استوى } وفسروه باستواء نسبته الى الجليل والحقير وورد:
" يا رحمن الدنيا والآخرة "
، وورد عن الصادق (ع) ان الرحمن اسم خاص لصفة عامة وورد عن امير المؤمنين (ع) ان الرحمن الذى يرحم ببسط الرزق علينا او العاطف على خلقه بالرزق لا يقطع عنهم مواد رزقه وان انقطعوا عن طاعته، ومن المعلوم ان رزق الاعيان الثابتة افاضة الوجود عليها ورزق الموجود افاضة ما به بقاء وجوده والرحمة الرحيمية عبارة عن افاضة الكمالات الاختيارية المرضية على المختارين من الانس والجن ولذلك ورد ان الرحيم اسم عام لصفة خاصة وورد عنهم (ع) الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله وفى رواية ملك الله والله اله كل شيئ، الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة وما ورد انه الرحيم بعباده المؤمنين فى تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين فى الرفق فى دعائهم الى موافقته فتعلق الرحمة الرحيمية بالكافرين انما هو من جهة بقاء فطرتهم واقتضائها فعلية مرضية اختيارية من الفعليات المرضية تقتضى تلك الفعلية الرفق بهم ودعائهم الى الدين والمداراة معهم فى الدنيا والنصيحة لهم فى امر العقبى وفى آخر الخبر المروى عن امير المؤمنين (ع) الرحيم بنا فى ادياننا ودنيانا وآخرتنا خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييزنا من اعدائه فالرحمة الرحيمية بمعنى الرضا مقابل الغضب كالصورة للرحمة الرحمانية وهى مادة للرضا والغضب فان الرحمة الرحمانية وهى افاضة الوجود وكمالات الموجود قد تصير فى بعض الموجودين وهم المختارون العاصون غضبا وفى بعضهم وهم المختارون المطيعون رضا، والرحمة السابقة على الغضب هى الرحمة الرحمانية دون الرحمة الرحيمية او هى الرحمة الرحيمية والمراد بسبقها تعلقها بالمكلفين بحسب اقتضاء فطرتهم ذلك كما سبق وقد علم مما ذكر وجه تخلل الاسم بين الجار والله، ووجه تقديم الله على الرحمن، وتقديم الرحمن على الرحيم، واشار بالله الى جامعيته تعالى وبالرحمن الى مبدئيته وبالرحيم الى مرجعيته وقد جمع جميع اضافاته فيهما ولما كان الحروف اللفظيه بازاء مراتب الوجود العينية كان كل منها اشارة الى مرتبة منه فالالف لبساطتها اشارة الى مرتبة الوجوب والباء لكونها اقرب الى الالف فى البساطة اشارة الى فعله الذى لا فرق بينه وبينه، والنقطة تحت الباء اشارة الى تعين الفعل بالامكان ولذلك ورد: بالباء ظهر الوجود اشارة الى مقام المشيئة، وبالنقطة تحت الباء تميز العابد عن المعبود: اشارة الى تعينها بالامكان الاول العقلانى وقيل ظهرت الموجودات من باء بسم الله، وبلحاظ ان الحروف بازاء مراتب الوجود ولحاظ ان جميع الكتب السماوية لتصحيح النسب الحقية والنسب الخلقية وجميع النسب الحقية والخلقية مجتمعة بحسب الامهات فى فاتحة الكتاب وجميع ما فى الفاتحة مجتمعة فى بسم الله الرحمن الرحيم وجميع ما فى تمام بسم الله الرحمن الرحيم مجتمعة فى باء بسم الله صح ان يقال جميع ما فى القرآن فى سورة فاتحة الكتاب، وجميع ما فى سورة فاتحة الكتاب فى بسم الله الرحمن الرحيم، وجميع ما فى بسم الله فى باء بسم الله، وعلى (ع) باعتبار تعينه الاول هو النقطة تحت الباء وصح ان يقال، لو شاء العالم لاوقر سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب او من تفسير بسم الله الرحمن الرحيم او من تفسير باء بسم الله كما نسب اكثر هذه المضامين الى مولانا امير المؤمنين عليه السلام.
Bog aan la aqoon
[1.2]
{ الحمد لله } قرأ القراء بضم الدال وكسر اللام وقرء فى الشواذ بفتح الدال وكسر اللام وقرء ايضا بكسر الدال واللام لاتباع الدال للام ولام الحمد لتعريف الجنس او الاستغراق وعلى اى تقدير فالكلام للحصر وهو على تقدير الاستغراق واضح وعلى تقدير الجنسية فالحصر يستفاد من لام لله لانه للاختصاص والحمد اما بمعنى ما يحمد عليه وصح الحصر حينئذ مع ما يترائى من صفات الكمال لغيره تعالى لان ما للغير من صفات الكمال انما هى له تعالى حقيقة واتصاف الغير بها باعتبار مظهريته لها لا باعتبار انها من نفسه او بمعناه المصدرى وفاعله الله واصله حمدا لله حمدا ثم حذف الفعل ونقل المصدر الى الرفع وادخل عليه لام التعريف وجعل الله خبره بتوسط اللام للدلالة على الثبات والاستغراق والحصر وحصر الحمد بهذا المعنى فى الله مع تعدد الحامدين وكثرتهم لما سيأتى فى سورة البقرة عند قوله
ولكن الله يفعل ما يريد
[البقرة: 253] من انه تعالى فاعل كل فعل ظاهر من كل فاعل وانه لا فاعل فى الوجود الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله ولان كل مادح اذا كان مدحه حمدا يعنى ثناء على جميل واقعى اختيارى لا يكون مادحا الا اذا صار عقلانيا ناظرا بنظر العقل ومتكلما بلسان العقل لا بنظر الجهل ونظر نفسه ولا بلسان الجهل ولسانه، ونظر العقل ولسانه نظر الله ولسانه فحمده يكون حينئذ حمدا لله لا حمد غير الله، او بمعناه المصدرى والله مفعوله والاصل حمدت الله حمدا فحذف الفعل واقيم المصدر مقامه وادخل عليه اللام وعدل به الى الرفع وجعل مفعوله بتوسط اللام خبرا له هذا باعتبار الحدوث والصدور للمعنى المصدرى ويجوز ان يعتبر المصدر مبنيا للفاعل او المفعول بمعنى اعتبار ثبوت الحدث للفاعل او المفعول واتصافه به من غير اعتبار الحدوث والصدور فيه، ويكون المعنى الحامدية لله او المحمودية لله.
اعلم ان ما يحمد عليه من صفاته الجمالية عين ما يسبح تعالى به من صفاته الجلالية لان اصل جميع صفاته الثبوتية الجمالية التى يحمد تعالى عليها هو سعة وجوده واحاطته لكل وجود وعدم وكل موجود ومعدوم لان العدم ثابت له نفسه التى هى عدم النفسية بالوجود والمعدوم محكوم عليه بالعدم بسبب الوجود وسعة وجوده ليست الا سعة جملة صفاته واصل جميع صفاته السلبية الجلالية التى يسبح تعالى بها هو سلب الحدود عنه تعالى وسلب الحدود راجع الى سلب السلوب ومصداق سلب السلوب ليس الا الوجود وهذا بخلاف الممكنات المحدودات فان السلوب الراجعة اليها هى سلوب الوجودات التى هى منتزعة من حدود وجوداتها لا من نفس وجوداتها فسبحان من لا يحمد الا على ما يسبح به ولا يسبح الا بما يحمد عليه ولذلك كان قلما ينفك ذكر التسبيح عن صريح الحمد او معناه فى الكتاب والسنة والمراد انشاء الحمد بهذه الكلمة او الاخبار بمحموديته تعالى ولما كان الله اسما للذات باعتبار ظهوره والذات متحدة مع جميع الصفات الحقيقية وظهور الذات ظهور لتلك الصفات كان الكلام فى قوة ان يقال: الحمد للذات الجامعة لجميع صفات الكمال لجمعها جميع صفات الكمال.
{ رب العالمين } قرء بكسر الباء وفتحها من ربه بمعنى ملكه او جمعه او رباه او اصلحه او صاحبه او لزمه والكل مناسب، والرب صفة مشبهة او اسم فاعل مخفف راب او مصدر اقيم مقام اسم الفاعل، والعالم من العلم او من العلامة مثل الخاتم بمعنى ما يعلم به ويطلق على ما سوى الله جملة وعلى كل مرتبة من مراتب ما سوى الله، وعلى كل نوع من انواع الموجودات، وعلى كل فرد من افراد الانسان كأنه اعتبر فى اطلاقه اجتماع امور مع نحو اتحاد بينها وجمعه بالواو والنون على خلاف القياس وربوبيته تعالى ليست كربوبية الملاك للاملاك ولا كربوبية الاباء للاولاد، ولا كربوبية النفس للاعضاء، بل كربوبية النفس للقوى من حيث انها تكون محصلة للقوى ومقومة لها وحافظة ومبلغة لها الى كمالاتها الاولية والثانوية فان الله تعالى مفيض الوجود على العالمين وحافظ ومقوم لها ومبلغ لها الى كمالاتها الاولية والثانوية ولذلك عقبها بقوله { الرحمن الرحيم }.
[1.3]
ليكون تفضيلا لها وقد مضى تحقيق الصفتين وجعلهما هاهنا صفتين لله يشعر بجعلهما فى التسمية صفتين لاسم الله ليكون تأسيسا واشارة الى ان القارى ينبغى ان يكون فى قرائته مرتقيا من النظر الى الاسماء والاتسام بها وتوصيفها بصفات الله الى النظر الى الذات وتوصيفها بصفاتها حتى يتحقق فى حقه امتثال امر: اقرء وارق.
[1.4]
قرء مالك على وزن الفاعل بالجر والاضافة وبالنصب والاضافة وبالرفع والاضافة وبالرفع منونا، وقرء ملك بفتح الميم وكسر اللام بالجر والنصب والرفع والاضافة، وقرء ملك باسكان اللام تخفيفا، وقرء ملك على لفظ الفعل، ومالكيته تعالى للاشياء ليست كمالكية الملاك لاملاكهم ولا كمالكية الملوك لممالكهم ولا كمالكية النفوس لاعضائها بل كمالكية النفوس لقويها وصورها العلمية الحاصلة الحاضرة عندها يفنى ما شاء منها ويوجد ما شاء ويمحو ويثبت، وتخصيص مالكيته تعالى بيوم الدين للاشارة الى الارتقاء الذى ذكرنا فان الانسان ما بقى فى عالم الطبع والبشرية لم يظهر عليه مالكيته تعالى واذا ارتقى الى اول عالم الجزاء وهو عالم المثال ظهر عليه انه تعالى مالك للاشياء كمالكيته لصوره العلمية وقواه النفسية فالمعنى ظاهر مالكيته يوم الدين سواء كان المراد ظاهر مالكيته للاشياء او لنفس يوم الدين ولما كان الواصل الى يوم الجزاء حاضرا بوجه عند مالكه قال تعالى بطريق التعليم { إياك نعبد }.
Bog aan la aqoon
[1.5]
{ إياك نعبد } يعنى ينبغى للقارى ان يرتقى الى مقام الحضور ويشاهد الحق تعالى فى مظاهره تعالى فيرى انه ما كان مالكا لشيىء من امواله وافعاله واوصافه وذاته وان الله كان هو المالك للكل بالاستحقاق فيقع فى مقام الالتجاء ويخاطبه بلسان حاله وقاله ولسان ذاته وجميع جنوده وقواه ويظهر عبوديته ورقيته له تعالى بنحو حصر العبودية فيه فان مقام الحضور يقتضى التضييق فى العبودية بحيث لا يبقى للحاضر مجال النظر الى غير المعبود الم تنظر الى قوله تعالى
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
[النساء: 97] من غير ذكر عبادة فيه فضلا عن حصر العبادة فيه تعالى، والى قوله تعالى
يعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون
[العنكبوت: 56] بذكر العبادة وحصرها فيه تعالى، فان مقام الغيبة لا يكون فيه عبادة ولو فرض عبادة لم يكن الا للاسم لا لله فضلا عن الحصر فيه تعالى، وفى مقام الحضور لا يكون غير العبادة ولا تكون العبادة الا لمن حضر لديه ولذلك قال تعالى فى موضع آخر { واعبدوا الله } { واعبدوا ربكم } ويكون المقصود من اظهار العبادة والحصر فى الله تعالى تمهيدا لطلب الاعانة منه ويقول بطريق الحصر نفعل فعل العبيد لك لا لغيرك او نصير عبيدا لك لا لغيرك { وإياك نستعين } فى دوام الحضور عندك وعدم الخروج من هذا المقام والبقاء على عبوديتك وفى جملة الامور سوى هذا، واذا بلغ السالك فى قراءته الى مقام الحضور عند ربه يكون لا محالة يتجاذبه كثرات وجوده ورعايا مملكته وتتقاضى منه قضاء حاجاتها واحقاق حقوقها فيضطر الى الالتفات اليها والى كثرات خارجة من مملكته لاضطرار الحاجة اليها فى قضاء حقوق رعاياه ويرى انه قلما ينفك فى معاملة الكثرات عن الافراط والتفريط وهما مانعان عن مقام الحضور ولذة الوصال فيتضرع على ربه ويسأله الابقاء على لذة الوصال عن الاشتغال بالاغيار ويقول { اهدنا الصراط المستقيم }.
[1.6]
فى معاملاتنا مع اهل مملكتنا والكثرات الخارجة من مملكتنا بالتوسط بين افراط التنصر وتفريط التهود فان الافراط وهو التجاوز عن الطريق بعد الوصول اليه يمنعنا عن مشاهدة جمالك بعد ما منحتنا بها، والتفريط ايضا يقصر بنا عن الحضور لديك. والهداية هى ارائة الطريق سواء كانت مع الايصال الى المطلوب او الى الطريق او مجردة عنهما، وسواء عديت بنفسها او بالى او باللام، والصراط بالصاد والسراط بالسين والزراط بالزاء الطريق وقرء هاهنا بالصاد والسين والصراط الظاهر ظاهر ومستقيمه معلوم والمستوى منه ما كان فى حاق الوسط او مستقيما وقد يقال المستقيم للطريق الذى يكون على اقرب الخطوط الى المقصود وهكذا المستوى والطريق فى الحركات الاينية هو المسافة بين مبدء الحركة ومنتهاها سواء صارت جادة وطريقا فى الارض او لم تصر، وهكذا الحال فى الحركات الوضعية ويكون المسافة وحدودها فى هاتين الحركتين موجودة قبل الحركة واما الحركات الكيفية والكمية والجوهرية فالطريق فيها وهى مراتب الكيف والكم الطارئة على الجسم المتحرك ومراتب الصور الجوهرية المتعاقبة على الجوهر المتحرك غير موجود لا قبل الحركة ولا بعدها بل هو كالحركة القطعية التى لا وجود لها لا قبل الحركة ولا بعدها بل وجودها يكون فى الذهن بسبب رسم وصول المتحرك الى حدود المراتب امرا متصلا وحدانيا فيه والموجود من الطريق فيها هو مرتبة من الكيف او الكم او الجوهر التى وجودها كالحركة التوسطية عين قوة عدمها وتكونها عين قوة تصرفها ولذلك اشكل الامر على كثير من اهل النظر فى بقاء موضوع محفوظ فى هذه الحركات خصوصا فى الحركات الكمية والجوهرية بناء على ان الجسم التعليمى منتزع عن الجسم الطبيعى وبتبدله يتبدل الجسم الطبيعى وبتبدله يتبدل الموضوع وهكذا الحال فى توارد الصور الجوهرية فى الحركات الجوهرية والحق ان الموضوع محفوظ بكم ما وصورة ما محفوظين فى ضمن الكميات والصور الواردة بحافظ شخصى غيبى ومادة باقية بكم ما وصورة ما فان الاتصال الوحدانى مساو للوحدة الشخصية وكل مكون من الجماد والنبات والحيوان متحرك من اول تكونه فى الكيف والكم بل فى الصور الجوهرية حتى ينتهى الى كماله اللائق بنوعه او شخصه وهذا معنى كون الكون فى الترقى فان الحركة خروج تدريجا من القوة الى الفعل والخروج من القوة الى الفعل معنى الترقى وكل من هذه خروجه من القوة الى الفعل من اول تكونه الى كماله اللائق به يكون على الصراط المستقيم والفعليات اللائقة به ان لم يمنعه مانع ولم يعقه عائق سوى الانسان من افراد الحيوان فانه بحسب استكمال بدنه يخرج على الصراط المستقيم اللائق بنوعه وشخصه ان لم يعقه عائق وبحسب استكمال نفسه ايضا يخرج من القوة الى الفعل على الصراط اللائق بنوعه وشخصه ما لم يحصل له استقلال فى اختياره فاذا حصل له استقلال فى اختياره وحان اوان تمرينه وتكليفه فقد يخرج من القوى الى الفعليات اللائقة بنوع الانسان من دون حصول فعلية مخالفة لنوعه متخللة بين تلك الفعليات حتى يصل الى آخرة فعلياته وهى مقام الاطلاق والولاية الكلية وعلوية على (ع) وهذا نادر وكثيرا ما يخرج من القوى الى الفعليات اللائقة به بتخلل فعليات غير لائقة به فيكون خروجه الى الفعليات لا على الصراط المستقيم الانسانى بل قد يعود صراطه الى غير الفعليات اللائقة به وقوله تعالى
ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال
اشارة الى هؤلاء السلاك، وقد يخرج الانسان الى الطرق المعوجة والفعليات الغير اللائقة به من دون فعلية لائقة به فقد ينتهى فى تلك الفعليات فيصير أخس من البهائم او السباع او الشيطان وقد يقف فيمسخ بصورة الفعلية التى وقف عليها ولما كان الصراط المستقيم الانسانى ادق الامور بحيث لا يمكن لكل بصير تمييزه، وأحد الامور بحيث لا يمكن لكل سالك سلوكه من غير زلة الى احد الطرفين، وأخفى الامور بحيث لا يمكن لكل مدرك ادراكه وكان الاشخاص مختلفين فى السير عليه بحسب فطرتهم وبحسب الاسباب والمعاونات الخارجة وصف بأنه أدق من الشعر وأحد من السيف وانه مظلم يسعى الناس عليه على قدر انوارهم ولكون تلك الفعليات اللائقة بالانسان صور مراتب انسانية الانسان ومحفوفة بفعليات الافراط والتفريط التى هى انموذجات الجحيم ومخرجة للانسان فى كل مرتبة وفعلية من صورة من صور مراتب النيران وموصلة الى صورة مرتبة من مراتب الجنان ورد ان الصورة الانسانية هى الطريق المستقيم الى كل خير والجسر الممدود بين الجنة والنار؛ وان الصراط ممدود على متن جهنم، ولما كان السلوك على الصراط الانسانى والخروج من القوى الى الفعليات الانسانية مستلزما للتوسط بين الافراط والتفريط فى الاعمال البدنية والاحكام الشرعية وفى الاعمال القلبية يعنى الاخلاق النفسية والاحوال الطارئة وفى الاوصاف العقلية والعقائد الدينية وكان التوسط فى ذلك مستلزما للسلوك على الصراط الانسانى فسر الصراط بالتوسط فى الاعمال والاحوال والاخلاق والعقائد والتوسط فى الاعمال مثل التوسط فى الاكل والشرب المشار اليه بقوله تعالى { كلوا واشربوا } فانه اباحة للاكل والشرب او استحباب او وجوب ومنع عن الامساك { ولا تسرفوا } فانه منع صريحا عن الافراط، ومثل التوسط فى الانفاقات المشار اليه بقوله تعالى
Bog aan la aqoon
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط
[الإسراء: 29]، ومثل قوله تعالى فى الصدقات الواجبة او المستحبة
وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا
[الأنعام: 141]، ومثل قوله تعالى فى الصلاة او فى مطلق العبادات البدنية
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا
[الإسراء: 110]، والتوسط فى الاحوال كالتوسط بين الجذب والسلوك الصرف، والتوسط بين القبض والبسط، والتوسط بين الخوف والرجاء، والتوسط فى الاخلاق كالتوسط بين الشره والخمود المسمى بالعفة، والتوسط بين التهور والجبن المسمى بالشجاعة، والتوسط بين الجزبرة والبلاهة المسمى بالحكمة، والتوسط بين الظلم والانظلام المسمى بالعدالة، والتوسط فى العقائد كالتوسط بين التنزيه المحدد والتشبيه المجسم فى الحق الاول تعالى شأنه، والتوسط بين حصر النبى (ص) والامام (ع) على المرتبة الجسمانية واعلائهما الى مرتبة الآلهة فى اعتقاد النبوة والامامة، والتوسط بين الجسمانية الطبيعية والروحانية الصرفة فى اعتقاد المعاد وطبقات الجنان ولذاتها ودركات النيران وآلامها، ولما كان الخارج الى الفعليات الانسانية والسالك على الصراط المستقيم يصير متحققا بتلك الفعليات فاذا بلغ الى مقام من مقامات الآلهه وصار به نبيا او خليفة وصار بنفسه طريقا وصراطا مستقيما من مقام بشريته ومقامات روحانيته وصار ولايته التى هى البيعة معه والاتصال به بنحو مخصوص وكيفية خاصة طريقا انسانيا لانها طريق الى روحانيته وروحانيته طريق حقيقة الى الله صح ما ورد عن الصادق (ع) من انها الطريق الى معرفة الله وهما صراطان صراط فى الدنيا وصراط فى الآخرة فاما الصراط فى الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة؛ من عرفه فى الدنيا واقتدى بهديه مر على الصراط الذى هو جسر جهنم فى الآخرة، ومن لم يعرفه فى الدنيا زلت قدمه عن الصراط فى الآخرة فتردى فى نار جهنم، وما ورد عنه ان الصراط امير المؤمنين (ع) وزيد فى خبر: ومعرفته، وما ورد انه معرفة الامام (ع) وما ورد من قولهم: نحن الصراط المستقيم وصح ان يقال ان بشرية الامام ومعرفة بشريته من دون معرفة نورانيته والاتصال ببشريته والبيعة معه طريق الى الطريق الى الله وان الطريق الى الله هو نورانية الامام (ع) ومعرفتها والاتصال بها ويسمى الاتصال بالامام (ع) ومعرفته بحسب نورانيته عند الصوفية بالحضور والفكر واول مرتبة ذلك الاتصال والمعرفة هو ظهور الامام بحسب مقام مثاله على صدر السالك الى الله وليس المراد بهذا الفكر والحضور ما اشتهر بين مرتاضى العجم من جعل صورة الشيخ نصب العين بالتعمل وان كان ورد عن ائمتنا (ع) الاشعار بمثل هذا المعنى فانه ورد عن الصادق (ع) وقت تكبيرة الاحرام تذكر رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمة (ع) نصب عينيك، فانه تقيد بالصورة وشبيه بعبادة الاصنام بل المراد ان السالك ينبغى ان يجلو مرآة قلبه بالذكر والاعمال المأخوذة من شيخه، فاذا اجتلى الذهن وقوى الذكر وخلا القلب من الاغيار ظهر الشيخ بمثاله على السالك فان الذكر المأخوذ منه نازلة وجوده فاذا قوى تمثل بصورته واذا ظهر الشيخ بمثاله على السالك فان الذكر المأخوذ منه نازلة وجوده فاذا قوى تمثل بصورته واذا ظهر الشيخ بمثاله رفع كلفة التكليف عنه والتذ بحضوره عند محبوبه ورأى ان كل ما يرد عليه انما هو من محبوبه فيلتذ بها ولو لم يكن ملائما لانه يراها من محبوبه وحينئذ قد يكون ظهور الشيخ بنحو ظهور المباين الخارج على المباين، وقد يكون بنحو الحلول فى وجوده، وقد يكون بنحو الاتحاد، وقد يكون بنحو فناء السالك وبقاء الشيخ وحده وللسالك فى كل من المراتب مراتب ودرجات وحالات وورطات مهلكات اذا اغتر وخرج من تصرف الشيخ ومن عرض حاله عليه فانه كثيرا يغتر بما يشاهده من غير تميز ويعتقد ما عاينه من غير عرض على بصير حتى يبين له سالمه عن سقيمه فيظهر منه ما لا يرضيه الشرع من مثل انى انا الله، وليس فى جبتى سوى الله ويظهر منه اعتقاد الحلول والاتحاد والوحدة الممنوعة والاباحة والالحاد فى الشريعة المطهرة، ولما كان السالك على الفعليات الانسانية يصير الفعلية الاخيرة صورة له وسائر الفعليات تصير كالمادة وشيئية الشيئ بصورته لا بمادته صح اضافة الطريق اليه باعتبار انه الفعلية الاخيرة وصح تفسيره به باعتبار انه متحقق بجميع الفعليات، ولما كانت السورة تعليما للعباد كيف يحمدونه ويلتجؤن اليه ويدعونه فقوله تعالى اهدنا تلقين لكل العباد ان يدعوه للهداية فمعنى اهدنا بالنسبة الى غير المسلم دلنا على الطريق الذى هو النبى الذى هو الطريق اليك او اوصلنا اليه وبالنسبة الى المسلم دلنا على الطريق الذى هو الولى الذى يؤمن به او اوصلنا او ابقنا على الصراط الذى هو الاسلام باختلاف نظره فانه ان كان ناظرا الى اسلامه وراضيا به فالمعنى أدمنا، وان كان ملتفتا الى ان الاسلام طريق الى الايمان فالمعنى دلنا او أوصلنا الى الايمان، وبالنسبة الى المؤمن الغير الحاضر عند شيخه بحسب نورانيته أدمنا على الطريق او أوصلنا او دلنا بحسب اختلاف نظره وبالنسبة الى الحاضر عند شيخه بحسب نورانيته أدمنا او اذهب بنا على الطريق، وبهذه الاعتبارات اختلفت الاخبار فى تفسير " اهدنا " ولما كان السلوك على الصراط المستقيم الانسانى لا يحصل الا بالولاية والولاية هى النعمة الحقيقية وبها يصير الاسلام نعمة ابدل تعالى عنه قوله تعالى { صراط الذين أنعمت عليهم }.
[1.7]
{ صراط الذين أنعمت عليهم } فان الانعام للانسان ايتائه ما يلائم انسانيته والملايم لانسانيته هى الولاية المخرجة له الى فعلياته الانسانية، والفعليات الانسانية من مراتب الولاية والآثار الصادرة واللازمة من فعلياته الانسانية من التوسط فى الامور المذكورة وهكذا الاعمال المعينة على الخروج المذكور انما هى نعمة باعتبار اتصالها بالنعمة التى هى الولاية ولذلك ورد عن مولينا امير المؤمنين (ع) فى تفسيره انه قال: قولوا اهدنا صراط الذين انعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصحة فانهم قد يكونون كفارا او فساقا قال وهم الذين قال الله تعالى
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم
[النساء: 69] الى قوله
Bog aan la aqoon
وحسن أولئك رفيقا
[النساء: 69]. والنعم الصورية ان كانت مرتبطة بالولاية كانت نعمة والا صارت نقمة اذا كانت معينة على الخروج الى الفعليات الغير الانسانية وهكذا كان حال الفعليات الانسانية بعد ما حصلت بالولاية يعنى اذا صارت مسخرة للشيطان بعد ما كانت مسخرة للرحمن صارت نقمة بعد ما كانت نعمة، ولما كان المنعم عليهم بالولاية هم المتوسطين بين التفريط والتقصير فى ترك الولاية والافراط المخرج عن حد الولاية وصراطهم كان متوسطا بين التفريط والافراط فى جملة الامور وصفهم بقوله { غير المغضوب عليهم ولا الضآلين } فانه قد فسر المغضوب عليهم بالمفرطين المقصرين والضالون بالمفرطين المتجاوزين لان المفرط المقصر لما لم يبلغ الى الولاية لم يصر مرضيا اصلا والمفرط فى امر الولاية لما صار بالوصول الى حد الولاية مرضيا خرج من المغضوبية لكنه بتجاوزه عن حد الولاية ضل عن طريق الانسانية وعن طريق الرضا فان المعيار للرضا والغضب وللافراط والتفريط هو الولاية لا غير لانها حد استقامة الانسان وسبب ارتضائه وقد يفسر " المغضوب " عليهم بمن لم يبلغ فى وصفه مقام النبى (ص) او الامام (ع) والضال بمن وصفهما بما هو فوق ادراكه او فوق مقامهما وبهذا المعنى فسرا باليهود والنصارى وان كان يجوز ان يكون تفسيرهما باليهود والنصارى باعتبار المعنى الاول ويجوز ان يجعل عطف الضالين من قبيل عطف الاوصاف المتعددة لذات واحدة فان المفرط والمفرط كليهما مغضوب عليهما وضالان بمعنى انهما فاقدان للطريق سواء كان الفقدان بعد الوجدان او قبل الوجدان، وقد يفسر " المغضوب عليهم " بالنصاب لشدة غضب الله عليهم " والضالون " بمن لم يعرف الامام وبمن كان شاكا فيه.
اعلم ان السورة المباركة تعليم للعباد كيف يحمدون ويثنون على الله تعالى وكيف يقرؤن ويرتقون فى قراءتهم وكيف يخاطبون ويسألون فالامر بالاستعاذة فى اول القراءة للاشارة الى ان الانسان واقع بين تصرف الرحمن والشيطان الا من عصمه الله فاذا اراد القرائة او الثناء على الله والمناجاة له ينبغى ان يستعيذ من تصرف الشيطان ويلتجئ الى حفظ الله وامانه حتى لا يكمن الشيطان خلف قلبه ولا يخلى الفاظ ثنائه ومقرؤاته من معانيها المقصودة لله ولا يدخل فيها المعانى الشيطانية فيصير الحامد حامدا للشيطان وقاريا لكتاب الشيطان وهو يحسب انه حامد لله وقار لكتاب الله ويكون داخلا فى مصداق قوله تعالى
يلوون ألسنتهم
[آل عمران: 78] يعنى لا لسان الله
بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب
[آل عمران: 78] فلا بد للمستعيذ ان يكون ملتفتا الى ما يقول ويجعل حاله حال الاستعاذة من الشيطان والا كان استعاذته كقراءته بتصرف الشيطان واستعاذة من الرحمن لا الى الرحمن وجعل التسمية جزء من اول كل سورة والامر بها فى اول كل امر اشارة الى ان الفاعل لكل فعل وخصوصا عند تلاوة القرآن الذى هو كلام الله ينبغى ان يسم نفسه بسمة من سمات الله حتى يصير لسانه وسائر اعضائه آلات لتلك السمة وكلامه وافعاله كلاما وافعالا لذلك الاسم فيصبح جعلها لله فانها ان لم تكن من الله لم تكن لله ولم يسم نفسه بسمة من سمات الله صار متسما بسمة من سمات نفسه وسمات الشيطان فصارت اعضاؤه آلات للشيطان فكان افعالها افعالا صادرة من الشيطان وراجعة اليه وصار القارى والفاعل ممن يلوون السنتهم بالكتاب وممن قال الله فيهم
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم
[البقرة: 79] لا بيد الله ثم ينظر الى سعة ظهوره تعالى بصفاته فى كل سمة من سماته فينظر الى جملة اضافاته تعالى الظاهرة من تلك السمة بالنسبة الى اهل مملكته ان كان قاصرا عن رؤية اضافاته بالنسبة الى خارج مملكته فيصفها بأمهات اضافاته تعالى وهى رحمته الرحمانية الدالة على الابداء والابقاء ورحمته الرحيمية الدالة على الاعادة وافاضة الكمالات الاختيارية الانسانية حتى يستعد بذلك التوصيف للنظر الى الله تعالى وتوصيفه بصفاته فى حمده وثنائه بدون وساطة سماته وتختلف السمات بحسب اختلاف حال القارى والمتسم فتلك السمة بالنسبة الى المنقادين القابلين للولاية الغائبين عن الله وعن امامهم هى جهة النفس المنقادة لولى امرها وهى المقومة والرازقة المبقية بالنسبة الى اهل مملكتها والمفيضة لكمالاتها الاختيارية وبالنسبة الى من عرف ووجد انموذجات اسمائه تعالى فى وجوده تلك الانموذجات وبالنسبة الى من حضر عند شيخه ووجد مثال شيخه فى مملكته هى صورة شيخه وهو اول مقامات المعرفة بالنورانية، وبالنسبة الى من خرج من مقام التقدر وعاين الاشياء مجردة عن التقدر روحانية شيخه مجردة عن التقدر، وبالنسبة الى من خرج عن مقام التحدد والتقييدات الامكانية مقام الاطلاق المعبر عنه بالمشية وبالنسبة الى الجامع لجميع المقامات سمات تمام المقامات وبعد الاستعداد للنظر الى الذات من غير احتجاب بحجب السمات ينبغى للقارى ان يجرد النظر عن الاسماء وينظر الى الله فى كل شيئ وفيئ، ولا يرى من الاشياء الا الحدود والنقائص ولا يرى صفات الكمال الا من الله، ويطلق لسانه بصيغة الحمد انشاء او اخبارا بنحو حصر المحامد او الحامدية او المحمودية فيه تعالى، ويصفه بربوبيته التى هى حفظ الاشياء بكمالاتها الموجودة وتبليغها الى كمالاتها المفقودة وهكذا الى آخر السورة بنحو ما ذكر سابقا.
ثم اعلم ان للسالكين الى الله اسفارا ومنازل ومقامات ومراحل لا يحصيها الا الله وقد قالوا انها بحسب الامهات منحصرة فى أربعة اسفار، الاول، السفر من الخلق الى الحق وهو السير من حدود الكثرات والنظر اليها الى الحق الاول، ومنتهى هذا السفر الوصول الى حدود القلب ومشاهدة الحق الاول فى مظاهره بصفاته واسمائه، ولا ينفك السالك فى هذا السفر من العنا وكلفة التكليف وفى حق هذا السالك قال المولوى قدس سره:
Bog aan la aqoon
جملة دانسته كه اين هستى فخ است
ذكرو فكر اختيارى دوزخ است
والثاني، السفر من الحق فى مظاهره الى الحق المطلق وفى هذا السفر يتبدل الكلفة راحة والمرارة لذة والخوف أمنا، وفى هذا السفر ورطات مهلكات كما سيجيئ. والثالث، السفر بالحق فى الحق، وفى هذا السفر يسير السالك بتسيير الحق من غير شعور منه بسيره ولا بذاته، والسلاك فى هذا السفر احد مصاديق قوله تعالى
" ان اوليائى تحت قبابى لا يعرفهم غيرى "
والرابع، السفر الحق فى الخلق وابتداء هذا السفر ابتداء الربوبية وانتهاء العبودية ومقامات هذا السفر لا يحصيها الا الله وتحديد عدد الانبياء (ع) والاوصياء (ع) بمأئة واربعة وعشرين الفا اشارة الى امهات تلك المقامات وسيجيئ تحقيق تام لبيان الاسفار ومراتب الانسان عند قوله تعالى
وإثمهمآ أكبر من نفعهما
[البقرة: 219] فى سورة البقرة. اذا تنبهت بذلك فاعلم ان السورة المباركة اشارة اجمالا الى الاسفار الاربعة المذكورة فان الاستعاذة اشارة الى السفر من الخلق الى الحق لان هذا السفر فرار من الكثرات ومظاهر الشيطان الى عالم التوحيد ومظاهر الحق تعالى، و الاستعاذة القولية اخبار بهذا الالتجاء والاستعاذة الفعلية نفس ذلك الالتجاء والفرار، والتسمية الى قوله مالك يوم الدين اشارة الى السفر من الحق الى الحق فان التسمية اخبار بالاتصاف بصفاته تعالى وما بعده الى مالك يوم الدين اعلام بحركة السالك فى صفات الحق تعالى الى ظهور مالكيته وفناء العبد من ذاته وهذا السفر حركة فى صفات الحق تعالى الى فناء العبد، وقوله { إياك نعبد وإياك نستعين } اشارة الى السفر بالحق في الحق لان مالكيته تعالى لا يظهر الا اذا صار العبد فانيا من فعله ووصفه وذاته وبفناء ذاته يتم عبوديته وبعد كمال عبوديته لا يكون سيره الا فى الحق المطلق ولا يكون الا بالحق لعدم ذات له، وقوله تعالى { اهدنا الصراط المستقيم } اشارة الى السفر بالحق فى الخلق وهذا هو الرجعة الاختيارية فى العالم الصغير والبقاء بعد الفناء والصحو بعد المحو، وينبغى ان يكون هذا السفر بحفظ الوحدة فى الكثرات والصراط المستقيم فى هذا السفر هو محفوظية الوحدة فى الكثرة بحيث لا يغلب احديهما على الاخرى ولا يختفى احديهما تحت الاخرى وهذه الاحوال قد تطرؤ على السلاك سواء استشعروا بها او لم يستشعروا.
اذاقنا الله وجميع المؤمنين منها ومكننا فيها والحمد لله اولا وآخرا ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
[2 - سورة البقرة]
[2.1-2]
Bog aan la aqoon
تحقيق مراتب الوجود وانه حقيقة واحدة مشككة
{ الم } ، اعلم ان الوجود حقيقة واحدة متأصلة فى التحقق ظاهرة فى مراتب كثيرة متفاوتة بالشدة والضعف والتقدم والتأخر متكثرة بحسب تكثر التعينات التى نشأت من تنزلاتها والتعينات تابعة لها فى التحقق مجعولة بمجعوليتها معلولة بمعلوليتها لا حكم لها فى انفسها لانها من حيث هى ليست الا هى لا معدومة ولا موجودة ولا موصوفة بشيء من توابعهما، والمدارك الحيوانية لتقيدها بالتعينات الكثيرة لا تدرك الا الموجودات المقيدة بالتعينات من حيث هى مقيدة ولذا تتوهم ان الاصل فى التحقق والمجعول بالذات والمحكوم عليه هى التعينات وان الوجودات امور اعتبارية لا حقيقة لها ولا علية ولا معلولية فيها.
واعلم ايضا ان مرتبة من تلك الحقيقة غيب مطلق لا خبر عنها ولا اسم لها ولا رسم والاخبار عنها بأن لا خبر عنها من قبيل الأخبار عن المعدوم المطلق بأنه لا خبر عنه والاسم الذى استأثره الله تعالى لنفسه ولم يظهره لغيره هو فى تلك المرتبة، ومرتبة منها ظهور المرتبة الاولى وتجليه تعالى بأسمائه وصفاته وذلك الظهور يسمى باعتبار بالواحدية وباعتبار بالمشيئة كما يسمى باعتبار بالعرش وباعتبار بالكرسى وباعتبار بالله وباعتبار بالعلى وهى كلمة الله وفعل الله واضافته الاشراقية ونور الله فى السماوات والارض وتسمى بنفس الرحمن للتشبيه بنفس الانسان وهى البرزخ بين الوجوب والامكان والجامع بين الاضداد كلها وفى تلك المرتبة يجئ الكثرة كما شئت بحسب كثرة الاسماء والصفات وبحسب كثرة التعينات:
تحقيق معنى بسيط الحقيقة كل الاشياء
وما قيل ان بسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشئ منها، اشارة الى تلك المرتبة؛ والا فمرتبة الوجوب الذاتى لا خبر عنه كما مر ووجه كونها كل الاشياء انها ماخوذة لا بشرط والمأخوذ لا بشرط لا ينافى المأخوذ بشرط بل هو مقطوع النظر عن الشرط وما ورد فى الايات والاخبار فى بيان هذا الاتحاد مشيرا الى بقاء المغايرة بين هذه المرتبة وبين الاشياء مثل قوله تعالى
وهو معكم
[الحديد: 4] وقوله تعالى
فأينما تولوا فثم وجه الله
[البقرة: 115] وقوله
ألا إنه بكل شيء محيط
Bog aan la aqoon
[فصلت: 54] وقوله
الله نور السماوات والأرض
[النور: 35] وقول المعصوم (ع) داخل فى الاشياء لا بالممازجة وقوله (ع) ما رأيت شيئا الا ورأيت الله فيه وغير ذلك مما يدل على الاتحاد والمغايرة اجود من قولهم بسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيئ من الاشياء، حيث يحتاج الى هذا القيد ويوهم اتحاده مع الاشياء ومن حيث انها مقيدة بقيودها ومراتب منها ظهورات تلك المرتبة بحسب تنزلاتها وترقياتها وتكثراتها بحسب التعينات وتلك المراتب هى التى تسمى باعتبار بالملائكة الذين هم قيام لا ينظرون والصافات صفا والمدبرات امرا والركع والسجد وعالم الكون المنقسم الى السماويات والارضيات، وباعتبار بالاقلام العالية واللوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات وعالم العين المنقسم الى الاباء العلوية والامهات السفلية ودار الجنة وكل تلك المراتب نازلها مثال وظهور لعاليها وعاليها حقيقة لنازلها والانسان الذى هو خلاصة جملة الموجودات ايضا له مراتب كمراتب العالم وكل مرتبة منه حقيقة او رقيقة لما سواه فكلما يجرى على لسان بشريته رقيقة وتنزل وظهور لما يجرى على لسان مرتبة مثاله، وما يجرى على لسان مثاله رقيقة لما يجرى على لسان قلبه، وهكذا وكل تلك رقائق لما ثبت فى المشية وفضل الانسان بقدر الاستشعار بتلك المراتب والاتصال بها، ومن لا يدرك من الانسان سوى البشرية فقدره قدر البهيمة واكثر الناس غافلون عن تلك المراتب لا يدركون من الانسان سوى ما فى ظاهره والمستشعر بتلك المراتب والمتحقق بها اذا تكلم هو او غيره بكلمة يستشعر بحقائق تلك الكلمة وصور حروفها فى المراتب العالية او يتحقق بها.
تحقيق جريان الحروف المقطعة على لسان المنسلخ عن هذا البنيان
وما قيل: ان كل حرف من القرآن فى الالواح العالية اعظم من جبل احد؛ صحيح عند هذا الاستشعار او التحقق، وقد يتحقق الانسان بالمراتب العالية او يستشعر بها اولا ثم ينزل من تلك المراتب على بشريته الكلمات التى هى رقائق ما يظهر عليه من الحقائق فى تلك المراتب، وقد نقل عن بعض انه كان اذا سمع كلمة دالة على المعانى العالية او ذكر كلمة كذلك يأخذه الغشى وينسلخ من بشريته وربما كان يتكلم حين الغشى بالحقائق الالهية وقد كان رسول الله (ص) يأخذه حالة شبيهة بالغشى حين نزول الوحى وكان (ص) قد يظهر عليه الحقائق حينئذ فى تلك المراتب بنحو التفصيل وتنزل على بشريته ايضا بنحو التفصيل وتسمى النازلة بكلام الله وبالحديث القدسى، وقد يظهر الحقائق بنحو الاجمال والبساطة وتنزل على بشريته كذلك فيعبر عنها بطريق الاجمال وبالحروف المقطعة مثل فواتح السور.
معنى تأويل القرآن وبطونه
وتأويل القرآن عبارة عن ارجاع الفاظه الى حقائقها الثابتة فى تلك المراتب، وبطون القرآن عبارة عن الحقائق الثابتة فى تلك المراتب ولكن المراتب باعتبار كلياتها سبعا وباعتبار جزئياتها ترتقى الى سبعمائة الف اختلف الاخبار فى تحديد البطون ولعدم امكان التعبير عن تلك الحقايق للراقدين فى مراقد الطبع الا بالامثال كما يظهر الحقائق العينية للنائمين عن هذا العالم بالامثال اختلف الاخبار فى تفسر فواتح السور وما ورد فى تفسيرها صريحا او تلويحا تبلغ اثنى عشر وجها فنقول: { الم } ، اما بعض حروف الاسم الاعظم القى اليه (ص) تنبيها له (ص) حتى يؤلفه ويدعو به او هو من الأسرار التى لا يطلع عليها احدا او هو مأخوذ من حروف الكلمات التى هي اشارة اليها مثل انا الله المجيد او هو مأخوذ من حروف الاسماء التى هي اشارة اليها مثل الله، جبرئيل (ع) محمد (ص) او هو اسم للسورة او للقرآن كما قيل او هو اسم لله أو لمحمد (ص) او هى اسماء للحروف البسيطة المركب منها الكلمات، والمقصود ان المؤلف، من مسمياتها هذا القرآن او السورة وهى لغتكم وانتم عاجزون عن مثله او هو اشارة الى مراتب وجود العالم او مراتب وجوده (ص) او هو اشارة الى بد وظهور اقوام وآجالهم.
فى الوجوه المحتملة فى اعراب فواتح السور وعدم اعرابها
وقد ذكر اكثر هذه الوجوه فى الاخبار صريحا وما لم يذكر صريحا يستفاد منها تلويحا وسائر ما قيل فيها ضعيف جدا وما يترتب عليها من جهة خواصها ومزاجها واعدادها فخارج عن اسلوب العربية، فإن كان حروف الاسم الاعظم فاما ان يكون له محل من الاعراب اولا، فان كان ذا محل من الاعراب فاما ان يكون مبتدء محذوف الخبر او خبرا محذوف المبتدأ او مفعولا لمحذوف مثل اذكر او ادع او الف مما يناسب المقام او هو مقسم به منصوب بفعل القسم او مبتدأ لما بعده او خبر لما بعده او منادى بتقدير حرف النداء فهذه ثمانية اوجه تجرى بأعيانها او بامثالها فى جميع الوجوه المحتملة فى { الم } التى هى اثنا عشر ويحصل من ضرب الثمانية فى الاثنى عشر ستة وتسعون وجها ويجرى فى كل وجوه عديدة من الاعراب بحسب تركيبه مع ما بعده ونذكر وجوه الاعراب فى واحد من الستة والتسعين لتكون ميزانا للباقى فنقول اذا كان { الم } مأخوذا من حروف الاسم الاعظم وكان مبتدء محذوف الخبر تقديره { الم } حروف الاسم الاعظم مثلا فذلك بدل منه او عطف بيان والكتاب صفة لذلك او بدل منه ولا ريب على قراءة الفتح والرفع " لا " فيه لنفى الجنس او عاملة عمل ليس او ملغاة عن العمل فتلك اثنى عشر والجملة حال او مستأنفة فتلك اربعة وعشرون وخبر " لا " محذوف لشيوع حذف خبر لا حتى قيل انه لا خبر لها وفيه صفة لريب او حال عنه لوقوعه فى سياق النفى او حال عن { الم } فتلك اثنان وسبعون وهدى حال من الريب او من { الم } او صفة لريب او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف بالوجوه الثلثة فى حمل المصدر على الذات او تمييز فتلك ستة عشر وجها مضروبة فى الاثنين والسبعين فيحصل الف ومئة واثنان وخمسون 1152 و { للمتقين } صفة لهدى او لريب او حال عن الم او عن ريب او خبر مبتدء محذوف او ظرف لغو متعلق بهدى او بفيه فتلك سبعة مضروبة فى سابقتها تحصل ثمانية آلاف واربعة وستون 8064، او على الوجوه الاربعة والعشرين الحاصلة عند تركيب لا ريب، لفظ فيه خبر مقدم { وهدى } مبتدء مؤخر والجملة صفة لريب او حال منه او حال من الم او مستأنفة فتلك ستة وتسعون و { للمتقين } على الوجوه الثمانية باضافة وجه كونه خبرا بعد خبر الى الوجوه السبعة السابقة فتلك بعد الضرب سبعمائة وثمانية وستون تجمع مع الوجوه السابقة تحصل ثمانية آلاف وثمانمائة واثنان وثلثون 8832، او على الوجوه الاربعة والعشرين { هدى } مبتدء وللمتقين خبره والمسوغ تقديم فيه وفيه حال عن هدى او ظرف لغو متعلق بالخبر او متعلق بهدى على ضعف والجملة على الوجوه الاربعة فتلك اثنا عشر تضرب فى الاربعة والعشرين وتحصل مئتان وثمانية وثمانون وتجمع مع السابقة حتى تحصل تسعة آلاف ومائة وعشرون 9120، أو نقول على الوجوه الاربعة والعشرين " فيه " خبر لا وهدى صفة للريب او حال عنه او عن الم او خبر بعد خبر او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف بالاوجه الثلاثة فى حمل المصدر او هدى تميز وللمتقين صفة بالوجهين او حال بالوجهين او خبر مبتدء محذوف او خبر بعد خبر او لغو بالوجهين فهذه ثلاثة آلاف وستمائة وثمانية واربعون 3648 أو نقول على الوجوه الاربعة والعشرين فيه صفة لريب او حال عنه او عن " الم " وهدى على الوجوه الثلاثة فى حمل المصدر خبر لا وللمتقين على الوجوه الثمانية وبعد الضرب تحصل الف وسبعمائة وثمانية وعشرون 1728، أو نقول على الاربعة والعشرين فيه على الوجوه الثلاثة وهدى على التسعة عشر وللمتقين خبر لا تحصل بعد الضرب الف وثلاث مئة وتسعة وستون 1369، أو نقول على الوجوه الاربعة والعشرين فيه هدى جملة معترضة او صفة او حال بالوجهين وللمتقين خبر لا فهذه بعد الضرب ستة وتسعون 96، أو نقول على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا وللمتقين على الوجوه التسعة باضافة كونه خبرا بعد خبر لهدى الى الثمانية السابقة فهذه مأتان وستة عشر 216، أو نقول على الاربعة والعشرين فيه هدى للمتقين جملة واحدة خبر لا وفيه لغو متعلق بقوله للمتقين او بهدى او حال عن هدى فهذه اثنان وسبعون 72 تجمع وتضاف الى مجموع الحاصل السابق تحصل ستة عشر الفا ومائان وتسعة واربعون 16249 او نقول ذلك بدل او عطف بيان على تقدير كون " الم " مبتدء محذوف الخبر والكتاب مبتدء وما بعده خبره والجملة حال او مستأنفة والخبر لا ريب محذوف الخبر على الثلاثة في لفظ لا وفيه صفة الريب او حال منه واما كونه خبرا بعد خبر او حالا عن " الم " او عن الكتاب فضعيف جدا لاحتياج لا ريب حينئذ الى تقدير عائد للمبتدء وهدى صفة للريب او حال عنه او عن " الم " او عن الكتاب او خبر بعد خبر للكتاب او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف بالاوجه الثلاثة فى حمل المصدر او هدى تميز وللمتقين صفة لهدى او لريب او حال عن " الم " او عن الكتاب او عن الريب او خبر بعد خبر او خبر مبتدء محذوف او ظرف لغو متعلق بهدى او بفيه فهذه بعد الضرب اربعة آلاف وسبعمائة واثنان وخمسون 4752، او نقول على الوجوه الاثنى عشر حين كون لا ريب محذوف الخبر خبرا للكتاب فيه هدى صفة لريب او حال منه او من الكتاب او من " الم " او خبر بعد خبر او جملة مستأنفة وللمتقين على العشرة باضافة كونه خبرا بعد خبر لهدى الى التسعة السابقة تحصل بعد الضرب سبعمائة وعشرون 720 او نقول على الاثنى عشر هدى للمتقين جملة على الستة وفيه حال من هدى او لغو متعلق بقوله للمتقين او بهدى فهذه مأتان وستة عشر 216، او نقول على الاثنى عشر خبر لا ريب لفظة فيه وهدى صفة للريب او حال منه او من " الم " او من الكتاب او خبر بعد خبر للكتاب او خبر بعد خبر للا ريب او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف بثلاثة اوجه فى حمل المصدر او تميز وللمتقين صفة هدى او صفة ريب او حال عن الريب او عن " الم " او عن الكتاب او خبر بعد خبر للكتاب او للا ريب او خبر مبتدء محذوف او لغو متعلق بهدى او بفيه فهذه ثلثة آلاف 3000، او نقول على الوجوه الاثنى عشر فيه صفة لريب او حال عنه او عن الكتاب وهدى خبر لا ريب على الوجوه الثلاثة فى المصدر وللمتقين على العشرة فهذه الف وثمانون 1080، او نقول على الاثنى عشر فيه على الثلاثة وهدى على الاثنين والعشرين وللمتقين خبر لا او على الاثنى عشر فيه هدى صفة او حال عن الريب او عن الكتاب او خبر بعد خبر وللمتقين خبر لا او على الاثنى عشر فيه هدى خبر لا وللمتقين على العشرة او فيه هدى للمتقين خبر لا فهذه تسعمائة واثنان وسبعون يجمع مع سابقتها فتصير عشرة آلاف وسبعمائة وستين 10760 تضاف عليها المجموع السابق فتصير سبعة وعشرين الفا وتسعة 27009، او نقول ذلك بدل او عطف بيان والكتاب مبتدء والجملة حال او مستأنفة ولا ريب محذوف الخبر على الثلاثة حال او معترضة وفيه خبر الكتاب وهدى على الاثنين والعشرين وللمتقين على التسعة فهذه بعد الضرب تصير اربعة آلاف وسبعمائة واثنين وخمسين 4752، او نقول ذلك بدل او عطف بيان والكتاب معطوف مبتدء والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر على الستة وفيه صفة لريب او حال عنه او عن الكتاب وهدى على الثلاثة خبر الكتاب وللمتقين على التسعة فهذه الف وتسعمائة واربعة واربعون 1944، او نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب لفظ فيه خبر لا وهدى على الثلاثة خبر الكتاب وللمتقين على التسعة فهذه ستمائة وثمانية واربعون 648، او نقول ذلك بدل او عطف بيان والكتاب مبتدء والجملة على الوجهين والخبر للمتقين ولا ريب محذوف الخبر على الستة وفيه على الثلاثة وهدى صفة لريب او حال منه او من الكتاب او خبر مبتدء محذوف بالاوجه الثلاثة فى المصدر او تميز فهذه الف ومائة واثنان وخمسون 1152، او نقول على الاربعة والعشرين عند تركيب لا ريب حين كون للمتقين خبر الكتاب فيه خبر لا وهدى خبر بعد خبر او صفة للريب او حال عنه او عن الكتاب او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف على الثلاثة فى حمل المصدر او تميز فهذه اربعمائة وستة وخمسون 456، او نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب حين كون خبر الكتاب للمتقين فيه على الثلاثة وهدى خبر لا على الثلاثة او على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا فهذه مئتان واربعون 240، او نقول ذلك بدل او عطف بيان والكتاب مبتدء والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر على الستة وخبر الكتاب فيه هدى وللمتقين على التسعة او على الاربعة والعشرين فيه هدى للمتقين خبر الكتاب فهذه مئتان واربعون تجمع مع سابقتها وتضاف الى المجموع فتصير ستة وثلثين الفا واربعمائة وواحدا واربعين 36441، او نقول " الم " محذوف الخبر وذلك مبتدء والكتاب خبره والجملة حال او مستأنفة ولا ريب محذوف الخبر على الثلاثة فى لفظ لا خبر بعد خبر او حال عن " الم " او عن ذلك او مستأنفة وفيه خبر بعد خبر او صفة للريب او حال عنه او عن ذلك او عن " الم " وهدى صفة للريب او حال عنه او عن ذلك او عن " الم " او خبر بعد خبر او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف بالاوجه الثلاثة فى حمل المصدر او تميز وللمتقين صفة هدى او صفة ريب او حال عن الريب او عن ذلك او عن " الم " او خبر بعد خبر او خبر مبتدء محذوف او ظرف لغو بالوجهين فهذه ثلاثة وعشرون الفا وسبعمائة وستون 23760، او نقول ذلك مبتدء والكتاب خبره والجملة على الوجهين ولا ريب على الاثنى عشر وجملة فيه هدى على الخمسة وللمتقين على التسعة او على الاربعة والعشرين الحاصلة عند تركيب لا ريب جملة فيه هدى للمتقين على الخمسة وفيه على الاربعة بجعله حالا عن هدى او ظرفا للخبر او لهدى او خبرا مقدما فهذه الف وخمسمائة وستون 1560، او نقول جملة ذلك الكتاب على الوجهين ولا ريب على الاثنى عشر وفيه خبر لا وهدى خبر بعد خبر للا ريب او لذلك او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف او صفة ريب او حال عنه او عن ذلك او عن " الم " بثلاثة اوجه فى المصدر او تميز وللمتقين خبر بعد خبر بالوجهين او خبر مبتدء محذوف او صفة هدى او صفة ريب او حال عن الريب او عن ذلك او عن " الم " او ظرف لغو متعلق بهدى او بفيه فهذه ستة آلاف 6000، او نقول جملة ذلك الكتاب على الوجهين ولا ريب على الاثنى عشر وفيه صفة ريب او حال عنه او عن " الم " او عن ذلك وهدى على الثلاثة خبر لا وللمتقين على العشرة فهذه الفان وثمان مئة وثمانون 2880، او نقول على الاربعة والعشرين عند تركيب لا ريب فيه على الاربعة وهدى على التسعة عشر وللمتقين خبر لا فهذه الف وثمانمائة واربعة وعشرون 1824 او نقول على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا وللمتقين على العشرة او فيه هدى للمتقين بالوجوه الاربعة فى لفظ فيه خبر لا فهذه ثلاثمائة وستة وثلاثون 336، تجمع مع سابقتها وتضاف الى المجموع الحاصل السابق فتصير اثنين وسبعين الفا وثمانمائة وواحدا 72801، او نقول ذلك مبتدء والجملة على الوجهين والكتاب بدل او عطف بيان ولا ريب محذوف الخبر على الثلاثة خبر ذلك وفيه على الخمسة وهدى على الاثنين والعشرين وللمتقين على التسعة فهذه احد عشر الفا وثمانمائة وثمانون 11880، او نقول على الاثنى عشر عند تركيب لا ريب لفظ فيه خبر لا وهدى على الخمسة والعشرين وللمتقين على العشرة فهذه ثلاثة آلاف 3000، او نقول على الوجوه الاثنى عشر عند لا ريب جملة فيه خبر لا وللمتقين على العشرة او جملة فيه هدى للمتقين بالوجوه الاربعة فى لفظ فيه خبر لا فهذه مائة وثمانية وستون 168، او نقول على الوجوه الاثنى عشر عند لا ريب لفظ فيه على الاربعة وهدى خبر لا بالثلاثة وللمتقين على العشرة فهذه الف واربعمائة واربعون 1440، او نقول على الاثنى عشر عند لا ريب لفظ فيه على الاربعة وهدى على التسعة عشر وللمتقين خبر لا فهذه تسعمائة واثنا عشر 912، او نقول على الاثنى عشر عند لا ريب للمتقين خبر لا وفيه هدى على الخمسة باضافة كونها جملة معترضة فهذه ستون 60 تجمع مع سابقتها وتضاف الى مجموع الحاصل السابق فتصير تسعين الفا وتسعمائة وثلاثة وخمسين 90953، او نقول ذلك مبتدء والجملة على الوجهين والكتاب بدل او عطف بيان ولا ريب محذوف الخبر على الستة وفيه خبر ذلك وهدى على الاثنين والعشرين وللمتقين على التسعة فهذه اربعة آلاف وسبعمائة واثنان وخمسون 4752، او نقول على الاربعة والعشرين عند تركيب لا ريب محذوف الخبر لفظ فيه على الاربعة وهدى على الثلاثة خبر ذلك وللمتقين على التسعة او على الاربعة والعشرين فيه خبر لا وهدى على الثلاثة خبر ذلك وللمتقين على العشرة او فيه على الاربعة وهدى على الثلاثة خبر ذلك وللمتقين خبر لا على ضعف فهذه ثلاثة آلاف وستمائة 3600 او نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر لفظ فيه على الاربعة وهدى على التسعة عشر وللمتقين خبر ذلك او فيه هدى على الاربعة او على الاربعة والعشرين للمتقين خبر ذلك وفيه خبر لا وهدى على الاثنين والعشرين او على الاربعة والعشرين للمتقين خبر ذلك وفيه على الاربعة وهدى خبر لا بالثلاثة او على الاربعة والعشرين للمتقين خبر ذلك وفيه هدى خبر لا فهذه الفان وسبعمائة وستون 2760، او نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر فيه هدى خبر ذلك وللمتقين على التسعة او للمتقين خبر لا او فيه هدى للمتقين بالوجوه الاربعة فى لفظ فيه خبر ذلك فهذه ثلاثمائة وستة وثلاثون 336 تجمع مع سابقتها وتضاف الى مجموع الحاصل السابق فتصير مائة الف والفين واربعمائة وواحدا 102401، او نقول على تقدير كون " الم " محذوف الخبر ذلك مبتدء والكتاب مبتدئان والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر بالثلاثة خبر المبتدء الثانى وفيه صفة للريب او حال منه او من الكتاب او من ذلك او " الم " او خبر بعد خبر لذلك او للكتاب وهدى خبر بعد خبر بالوجهين او صفة الريب او حال منه او من الكتاب او من ذلك او من " الم " او خبر مبتدأ محذوف او مفعول فعل محذوف بالثلاثة فى حمل المصدر او تميز وللمتقين صفة لهدى او لريب او حال بالوجوه الاربعة او خبر بعد خبر بالوجهين او خبر مبتدء محذوف او ظرف لغو بالوجهين فهذه اثنا عشر الفا وتسعمائة وستة وثلاثون 12936، او نقول على الستة عند لا ريب لفظ فيه خبر لا وهدى خبر بعد خبر للا ريب او للكتاب او لذلك او صفة لريب او حال بالوجوه الاربعة او خبر مبتدأ محذوف او مفعول فعل محذوف بالوجوه الثلاثة فى المصدر او تميز وللمتقين صفة لهدى او لريب او حال بالاربعة او خبر بعد خبر بالثلاثة او خبر مبتدأ محذوف او ظرف لغو بالوجهين فهذه الفان ومائتان واثنان وثلاثون 2232، او نقول على الستة عند لا ريب لفظ فيه على السبعة وهدى على الثلاثة خبر لا وللمتقين على الاثنى عشر فهذه الف وخمسمائة واثنا عشر 1512، او نقول على الستة عند لا ريب لفظ فيه على السبعة وهدى على الاحد والثلاثين وللمتقين خبر لا او على الستة عند لا ريب فيه هدى على السبعة وللمتقين خبر لا او فيه هدى للمتقين بالاربعة فى لفظ فيه خبر لا او فيه هدى خبر لا وللمتقين على الاثنى عشر فهذه الف واربعمائة واربعون 1440، او نقول ذلك مبتدء والكتاب مبتدئان والجملة على الوجهين ولا ريب محذوف الخبر بالثلاثة فى لفظ لا معترضة او حال عن الكتاب او عن ذلك او عن " الم " وفيه خبر الكتاب وهدى صفة ريب او خبر بعد خبر بالوجهين او حال بالوجوه الاربعة او خبر مبتدأ محذوف او مفعول فعل محذوف بالثلاثة فى لفظ المصدر او تميز وللمتقين صفة بالوجهين او حال بالاربعة او خبر بعد خبر بالوجهين او خبر مبتدأ محذوف او ظرف لغو بالوجهين فهذه سبعة آلاف وثلاثمائة واثنان وتسعون 7392، او نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب لفظ فيه صفة او حال بالاربعة وهدى بالثلاثة خبر الكتاب وللمتقين بالاحد عشر فهذه ثلاثة آلاف وتسعمائة وستون 3960، او نقول على الاربعة والعشرين فيه خبر لا وهدى بالثلاثة خبر الكتاب وللمتقين على الاحد عشر فهذه سبعمائة واثنان وتسعون 792، او نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب لفظ فيه على الخمسة وهدى صفة او حال بالاربعة او خبر مبتدأ محذوف او مفعول فعل محذوف بالثلاثة فى لفظ المصدر او تميز وللمتقين خبر الكتاب او على الاربعة والعشرين فيه خبر لا وهدى على الخمسة والعشرين بزيادة كونه خبرا بعد خبر للا ريب على الوجوه السابقة وللمتقين خبر الكتاب او على الاربعة والعشرين فيه هدى خبر لا وللمتقين خبر الكتاب او فيه على الخمسة وهدى خبر لا بالثلاثة او على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر فيه هدى على الخمسة وللمتقين خبر الكتاب فهذه ثلاثة آلاف وسبعمائة واربعة واربعون 3744، او نقول على الاربعة والعشرين عند لا ريب محذوف الخبر فيه هدى خبر الكتاب وللمتقين على الاحد عشر او فيه هدى للمتقين بالاربعة فى لفظ فيه خبر الكتاب فهذه مئتان واربعة وستون 264 تجمع مع سابقتها وتضاف الى مجموع الحاصل السابق فتصير مائة وستة وثلاثين الفا وستمائة وثلاثة وسبعين 136673.
وهذه وجوه الوجه الواحد من الوجوه الستة والتسعين واذا ضرب هذه فى الستة والتسعين تحصل ثلاثة عشر الف الف ومائة وعشرون الفا وستمائة وثمانية 13120608، وعلى الوجوه المندرجة السابقة.
Bog aan la aqoon
[2.3-5]
فقوله تعالى { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } يحتمل وجوها عديدة من الاعراب فنقول فى بيانها { الذين يؤمنون بالغيب } اما صفة للمتقين او بدل او عطف بيان او خبر مبتدء محذوف او مفعول فعل محذوف فهذه خمسة { ومما رزقناهم ينفقون } جملة فعلية معطوفة على الصلة او جملة اسمية معطوفة على الصلة او مستأنفة او حالية فهذه اربعة مضروبة فى الخمسة { والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك } عطف على المتقين او على الذين يؤمنون بالغيب وما فى " ما انزل اليك " موصولة اسمية او موصوفة او مصدرية وما انزل من قبلك بثلاثة اوجه فى لفظ ما معطوفة على ما انزل اليك او ما انزل من قبلك جملة حالية او مستأنفة ولفظ " ما " نافية او استفهامية فهذه احد وعشرون مضروبة فى الاربعين و " بالاخرة " عطف على ما انزل اليك وجملة { هم يوقنون } حال او مستأنفة او بالاخرة متعلق بيوقنون والجملة حال او مستأنفة او معطوفة على الصلة فهذه خمسة مضروبة فى الثمانمائة والاربعين الحاصلة من ضرب الاحد والعشرين فى الاربعين والحاصل من الضرب اربعة آلاف ومائان 4200 وعليها فاولئك الاولى بدل او عطف بيان للذين الاول او الثانى و { على هدى من ربهم } حال مفردا او جملة مستأنفة بتقدير مبتدء { وأولئك } الثانية عطف على { أولئك } الاولى و { هم المفلحون } جملة حالية او مستأنفة او { أولئك هم المفلحون } جملة معطوفة على على { هدى من ربهم } او حالية او مستأنفة وهم ضمير الفصل او مبتدء فهذه اربعة وستون مضروبة فى الاربعة الالاف والمأتين والحاصل من الضرب مأتان وثمانية وستون الفا وثمانمائة 268800، او على الاربعة الالاف والمئتين { أولئك } الاولى مبتدء والجملة حال او مستأنفة وعلى هدى خبره { وأولئك } الثانية عطف عليها عطف المفرد وهم المفلحون جملة حالية او مستأنفة او اولئك هم المفلحون جملة معطوفة على جملة اولئك على هدى او حال او مستأنفة والضمير للفصل او مبتدئان فهذه ستة عشر مضروبة فى الاربعة الالاف والمئتين والحاصل من الضرب سبعة وستون الفا ومائتان 67200 او على الاربعة الالاف والمئتين اولئك الاولى مبتدأ والجملة حال او مستأنفة وعلى هدى من ربهم حال { وأولئك } الثانية عطف عليه وهم المفلحون خبره والضمير للفصل او مبتدأ ثان فهذه اربعة مضروبة فى السابق والحاصل ستة عشر الفا وثمانمائة 16800، او نقول الذين يؤمنون بالغيب على الخمسة ومما رزقناهم ينفقون على الاربعة والذين الثانى مبتدأ والجملة حال او مستأنفة وبما انزل اليك وما انزل من قبلك على الاحد والعشرين { وبالآخرة هم يوقنون } على الخمسة فهذه ايضا اربعة آلاف ومائتان 4200، وعليها فاولئك الاولى خبره وعلى هدى خبر بعد خبر او حال او مستأنف بتقدير مبتدأ واولئك الثانية عطف على الاولى عطف المفرد وهم المفلحون حال او مستأنفة او اولئك الثانية مبتدأ والجملة معطوفة على جملة { الذين يؤمنون بمآ أنزل } او على، { على هدى } او حال او مستأنفة والضمير على الوجهين فهذه ثلاثون وجها مضروبة والحاصل مائة وستة وعشرون الفا 126000 او على الاربعة الالاف والمأتين اولئك الاولى بدل او عطف بيان للذين الثانى و { على هدى } خبر الذين الثانى { وأولئك } الثانى عطف على { أولئك } الاول او على { الذين } الثانى وهم المفلحون على الوجهين او اولئك الثانى مبتدأ وهم المفلحون بالوجهين فى الضمير خبره والجملة معطوفة على جملة الذين يؤمنون بما انزل او على على هدى او حال او مستأنفة فهذه اربعة وعشرون والحاصل من الضرب مائة الف وثمن مئة 100800، او على الاربعة الالاف والمئتين اولئك الاولى بدل او عطف بيان و { على هدى } حال او مستأنف { وأولئك } الثانية عطف عليها عطف المفرد وهم المفلحون خبر { الذين } الثانى والضمير بالوجهين فهذه ثمانية مضروبة والحاصل ثلاثة وثلاثون الفا وستمائة 33600، او على الاربعة الالاف والمئتين { أولئك } الاولى مبتدء ثان و { على هدى } خبره والجملة خبر الذين الثانى واولئك الثانية عطف على الذين الثانى او على اولئك او على على هدى عطف المفرد وهم المفلحون بالوجهين او { اولئك هم المفلحون } بالوجهين فى الضمير جملة معطوفة على جملة الذين وخبره او على جملة { أولئك على هدى } او على، على هدى او حال او مستأنفة او اولئك الاولى مبتدأ ثان وعلى هدى بالوجهين واولئك الثانية عطف على اولئك الاولى او على الذين الثانى وهم المفلحون بالوجهين فى الضمير خبر اولئك الاولى والجملة خبر الذين الثانى فهذه اربعة وعشرون مضروبة والحاصل مائة الف وثمانمائة 100800، او نقول الذين الاول مبتدء والجملة حال او مستأنفة { ومما رزقناهم ينفقون } على الاربعة والذين الثانى عطف على الاول و { بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك } على الاحد والعشرين { وبالآخرة هم يوقنون } على الخمسة فهذه ثمانمائة واربعون 840 وعليها فاولئك الاولى خبره وعلى هدى على الثلاثة واولئك الثانية عطف على المتقين او على الذين او على اولئك الاولى عطف المفرد وهم المفلحون على الوجهين او اولئك الثانية مبتدأ وهم المفلحون بالوجهين فى الضمير خبره والجملة عطف على جملة الذين وخبره او على { اولئك على هدى } او على { على هدى } او حال او مستأنفة فهذه ثمانية واربعون مضروبة فى الثمانمائة والاربعين والحاصل اربعون الفا وثلاثمائة وعشرون 40320، او على الثمانمائة والاربعين اولئك الاولى بدل او عطف بيان وعلى هدى خبر الذين واولئك الثانية عطف على الذين او على اولئك او على، على هدى وهم المفلحون على الوجهين او اولئك الثانية مبتدأ وهم المفلحون بالوجهين فى الضمير خبره والجملة عطف على جملة الذين وخبره او على { على هدى } او حال او مستأنفة فهذه ثمانية وعشرون مضروبة والحاصل ثلاثة وعشرون الفا وخمسمائة وعشرون 23520، او على الثمانمائة والاربعين اولئك الاولى بدل او عطف بيان وعلى هدى حال او مستأنف او اولئك على هدى مبتدأ وخبر وحال او مستأنف واولئك الثانية عطف على الذين او على اولئك الاولى وهم المفلحون بالوجهين فى الضمير خبره فهذه اربعة وعشرون مضروبة والحاصل عشرون الفا ومائة وستون 20160، او نقول الذين الاول مبتدأ والجملة حال او مستأنفة { ومما رزقناهم ينفقون } على الاربعة والذين الثانى مبتدء والجملة حال او معترضة { بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك } على الاحد والعشرين { وبالآخرة هم يوقنون } على الخمسة فهذه الف وستمائة وثمانون 1680، وعليها فاولئك الاولى خبر المبتدأ الثانى وعلى هدى خبر الاول واولئك مفردا عطف على المبتدء الاول او الثانى او الخبر الاول او الثانى وهم المفلحون بالوجهين، او اولئك هم المفلحون بالوجهين فى الضمير جملة معطوفة على الجملة الاولى او الثانية او الخبر الاول او الثانى او حال او مستأنفة فهذه ثلاثة وثلاثون الفا وستمائة 33600 او على الالف والستمائة والثمانين اولئك الاولى بدل او عطف بيان للذين الثانى وعلى هدى خبر الذين الثانى واولئك الثانى عطف على الذين الاول او الثانى او على اولئك الاولى او على على هدى وهم المفلحون بالوجهين فى الضمير خبر الاول فهذه ستة وعشرون الفا وثمانمائة وثمانون 26880، او على الالف والستمائة والثمانين اولئك مبتدأ ثان وعلى هدى خبره والجملة خبر الذين الثانى واولئك الثانية عطف على الذين الاول والثانى او على جملة اولئك على هدى او على على هدى او على اولئك نفسه وهم المفلحون بالوجهين فى الضمير خبر الذين الاول فهذه ستة عشر الفا وثمانمائة 16800، واذا جمعت المجموعات الحاصلات حصل ثمانمائة وخمسة وسبعون الفا ومائتان وثمانون 875280، ويجرى كل فى مجموع الوجوه المحتملة فى { الم } الى قوله للمتقين وهى ثلاثة عشر الف الف ومائة وعشرون الفا وستمائة وثمانية 13120608، واذا ضرب ذلك المجموع فى هذا المجموع يحصل احد عشر الف الف الف الف واربعمائة واربعة وثمانون الف الف الف ومئتان وخمسة آلاف الف وسبعمائة وسبعون الفا ومئتان واربعون وهذه ارقامه، 11484205770240.
وهذه هى الوجوه الشايعة التى لا شذوذ لها ولا ندور ولا غلق فيها، واما الوجوه الضعيفة التى فيها اما ضعف بحسب المعنى او غلق بحسب اللفظ او يورث التباسا فى المعنى وقد رأيت بعض من تعرض لوجوه الاعراب ذكر اكثرها وترك اكثر هذه الوجوه القوية الشائعة فهى ايضا كثيرة تركناها وكذا تركنا الوجوه التى فيها شوب تكرار مثل كون الاحوال مترادفة ومتداخلة وقد ذكرنا هذه الوجوه فى الآية الشريفة مع التزامنا فى هذا التفسير الاختصار وعدم التعرض لتصريف الكلمات ووجوه الاعراب والقراءات تنبيها على سعة وجوه القرآن بحسب اللفظ، الدالة على سعة وجوهه بحسب المعنى التى تدل على سعة بطون القرآن وتأويله، وبعد ما عرفت ان الانسان حين الانسلاخ من هذا البنيان يشاهد او يتحقق بمراتب العالم التى هى بوجه حقائق القرآن وبوجه مراتب الانسان، ويظهر من تلك الحقائق بحكم اتباع الدانى للعالى واقتضائه من حظوظ العالى وافاضة العالى على الدانى واجابته لاقتضاء الدانى واستدعائه على بشريته ومداركها اجمالا او تفصيلا صور مناسبة لتلك الحقائق وتلك المدارك وكلمات وحروف كذلك منقوشة على الواح او مسموعة مدركة بآلة السمع او البصر الخياليتين او الجسمانيتين وان " الم " وكذا سائر فواتح السور اشارة الى تلك الحقائق ولا يمكن التعبير عما يشار بها اليه الا بالامثال، وما ورد فى تفسيرها ليس الا امثالا مناسبة لتلك الحقائق موافقة لشاكلة المخاطب سهل عليك معرفة ان:
تحقيق كون جميع الكتب المدونة حقه وباطله صور الكتاب الحقيقى الذى هو حقيقة القرآن
قوله تعالى { ذلك الكتاب } اشارة الى تلك الحقائق وان الاتيان باسم الاشارة البعيدة لعظمة تلك الحقائق وبعدها غاية البعد عن ادراك الابصار والبصائر وان الحصر المستفاد من تعريف المسند على تقدير كون ذلك الكتاب مبتدأ وخبرا انما هو باعتبار ان تلك الحقائق حقيقة الكتاب الذى كتبه الرحمن بالاقلام الالهية على الالواح السماوية او الأرضية العينية وان سائر الكتب المدونة الالهية او غير الالهية صور شؤن ذلك الكتاب ونازلته لكن الكتب الحقة المدونة فى العلوم الشائعة الشرعية وغير الشرعية وفى العلوم الغير الشائعة من العلوم الغريبة بأنواعها صور شؤن تلك الحقائق التى تترائى فى المرآة المستقيمة الصافية والكتب الغير الحقة المدونة فى العلوم الباطلة الشيطانية بأنواعها وفنونها شؤنها المتراءاة فى المرايا المعوجة الكدرة التى لا تترائى الصور فيها الا بخلاف ما هى عليه وتفسير ذلك الكتاب بالقرآن كما ورد عن الامام (ع) انه قال يعنى القرآن الذى افتتح ب " الم " هو ذلك الكتاب الذى أخبرت به موسى (ع) ومن بعده من الانبياء (ع) وهم أخبروا بنى اسرائيل انى سأنزله عليك يا محمد (ص) باعتبار ان القرآن هو الكتاب الجامع لصور جميع شؤن تلك الحقائق، وهذا الخبر يدل على جعل ذلك الكتاب خبرا ل " الم " وقد سبق، او خبرا لمحذوف ولم نذكره فى الوجوه السابقة؛ وتفسيره بمحمد (ص) او على (ع) باعتبار انهما متحققان بتلك الحقائق، وتفسيره بالرسالة او النبوة او الولاية باعتبار ظهور تلك الحقائق بجميع شؤنها او ببعضها فيها وكذلك تفسيره بالصدر والقلب والروح من حيث انتقاشها بصور تلك الحقائق، وما ورد من تفسيره بكتاب على (ع) يمكن ان يراد به مكتوب كتبه على (ع) بعلويته فان جملة ما سوى الله مكتوب علوية على (ع)، وان يراد به كتاب نزل من الله على محمد (ص) فى على (ع) وخلافته، وان يراد كتاب هو على (ع) على ان يكون الاضافة بيانية.
وروى عن الصادق (ع) ان الكتاب على (ع) لا شك فيه.
تحقيق الكتاب ومصاديقه
ولفظ الكتاب مصدر يطلق على ما من شأنه ان ينطبع بنفسه كالصور المنطبعة فى المواد او بصورته كالالفاظ المنطبعة بصورها الكتبية فى شئ آخر وعلى الصورة المنطبعة وعلى ما يرتسم فيه الصور باعتبار ارتسام الصور فيه فالالفاظ الموضوعة لارتسام صورها فى الصحائف والصور المكتوبة والصحائف المرتسمة فيها الصور تسمى كتابا، والصور الطبيعية والمواد المنطبعة فيها الصور تسمى ايضا كتابا، والنفوس الحيوانية والنفوس الانسانية والفلكية ومحالها كتاب، والنفوس المتعلقة بالاجساد المثالية والاجساد المثالية كتاب، والصور العلمية الحاصلة فى النفوس السفلية او العلوية ونفس تلك النفوس من حيث حصول العلوم فيها كتاب، والرذائل والخصائل الحاصلة فى النفوس؛ ونفس تلك النفوس من حيث حصول الاخلاق فيها كتاب، والعلوم الفائضة على العقول والعقول كتاب، والاسماء الالهية ولوازمها الظاهرة فى مقام الواحدية والفيض المنبسط الذى هو محل ظهور الاسماء والصفات كتاب، والتعينات الامكانية والوجودات المتعينة بتلك التعينات كتاب، كما قيل بالفارسية:
بنزد آنكه جانش درتجلى است
همه عالم كتاب حق تعالى است
Bog aan la aqoon
وقد كثر اطلاق الكتاب فى الآيات والاخبار على مراتب وجود العالم، وعلى بنى آدم، وعلى الصدر المستنير بنور الرسالة، وعلى أحكام الرسالة، وعلى القلب المستنير بنور النبوة، وعلى احكام النبوة، وعلى الروح المستنير بنور الولاية، وعلى آثار الولاية.
تحقيق معنى الكلام
والكلام مصدر لم يستعمل فعله لان الكلام مجردا لم يستعمل فى معنى التكلم بل استعمل من باب قتل وضرب بمعنى جرح والمستعمل بمعنى التكلم كلم من باب التفعيل وتكلم من باب التفعل وكالم من المفاعلة وتكالم من التفاعل، وقيل هو اسم مصدر بمعنى التكلم لكنه فى العرف العام صار اسما للحاصل بالتكلم وفى عرف النحاة صار اسما للمركب المفيد من الكلمات.
الفرق بين الكتاب والكلام
والفرق بين الكتاب والكلام بالنسبة الى ما صدر من المبادئ العالية اعتبارى محض فان الفيض المقدس المسمى بفعل الحق تعالى واضافته الاشراقية ونفس الرحمن ومشيئة باعتبار ظهور الصفات والاسماء ولوازم الاسماء به اذا لوحظ نسبته الى الحق الاول تعالى وقيامه به قيام الفعل بالفاعل كان كلاما ومتكلمية له تعالى، واذا لوحظ شيئيته فى نفسه ومغايرته له تعالى وبينونته منه كان كتابا له تعالى، وهكذا الحال فى العقول والنفوس وعالم المثال وعالم الطبع فانها بالنسبة اليه تعالى كلام وكتاب بتوسط المشيئة التى هى من الله كنفس الانسان من الانسان، ومن مراتب الممكنات كنفس الانسان من مخارج الحروف ولذا سميت بنفس الرحمن، وكل مرتبة من مراتب الوجود بالنسبة الى عاليها كلام وكتاب بالاعتبارين، والانسان بمراتبه العالية نظير المراتب العالية للعالم، واما بمقامه البشرى فنفسه المتكيف بكيفية الحروف بتوسط تقطيعه بمخارج الحروف بسبب عدم ظهور استقلاله ونفسيته كلاميته ظاهرة وكتابيته خفية، ومكتوبه لظهور بينونته واستقلاله كتابيته ظاهرة وكلاميته خفية، ونظير هذين عالم الارواح وعالم الطبع بالنسبة الى الله تعالى لاختفاء البينونة هناك وظهورها هاهنا.
{ لا ريب فيه } لا لنفى الجنس او لنفى الفرد الشائع على اختلاف القراءتين والريب والريبة القلق والاضطراب فى النفس عن الانقياد لامر معلوم او مظنون او مشكوك وتبادر معنى الشك واستعماله فيه لكونه فى الاغلب مع الشك، ولانه اذا كان مع العلم والظن يستعقب الشك كما ورد:
" لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا "
، والمراد منه هاهنا معناه الحقيقى، او الشك والضمير المجرور راجع الى الكتاب او الى " الم ".
اعلم ان الكتاب هنا كما مرت الاشارة اليه عبارة عن الحقائق المشهودة له (ص) حين الانسلاخ عن البشرية والاتصال بالعوالم العالية المشار اليها ب " الم " او المأخوذ منها " الم " وتفسيره بالقرآن المفتتح ب " الم " وبعلى (ع) او بما نزل فى على (ع) يعنى بالولاية وآثارها او بالنبوة او الرسالة وأحكامهما لكون المذكورات نازلة تلك الحقائق وظهورها.
تحقيق ان الانسان ما لم يخرج من اسر نفسه لا يدرك من القرآن الا اللفظ والعبارة
Bog aan la aqoon
والانسان ما لم يخرج من اسر نفسه وهواها ولم يبلغ حد التسليم والاستماع الذى هو اولى درجات العلم بوجه، وثانيتها بوجه، اوحد التحقيق والغنى عن التقليد مشار اليهما بقوله تعالى
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
[ق: 37] لا يمكن له ادراك تلك الحقائق ولا ادراك نازلتها وظهورها فلا يمكن له ادراك القرآن ولا النبوات والرسالات والولايات من حيث انها ظهور تلك الحقائق ونازلتها، بل لا يدرك من القرآن الا الصوت والعبارة او النقش والكتابة ولا يتصور من معانيه الا ما هو الموافق لشأنه المناسب لمقامه لا ما هو العناوين الالهية للحقائق العالية كما قال تعالى
لا يمسه إلا المطهرون
[الواقعة: 79] ولا يدرك من خلفاء الله الا مقامهم البشرى ولا من دعاويهم الا ما هو الموافق لادراكاته الشيطانية وشؤنها البهيمية والسبعية لا مقاماتهم العالية وأخلاقهم الملكوتية وأوصافهم الالهية ولهذا نسبوا الانبياء الى ما نسبوهم فاللفظ المسموع من القرآن والنقش المبصر منه ان كان لفظ القرآن ونقشه بان لا يكون المتكلم بالقرآن متكلما بلسانه ولم يكن الكاتب كاتبا بيده فالشيطان يخليهما من معانيهما ويجعل فيهما معانى اخر موافقة له حين السماع والابصار؛ وهذا احد وجوه تحريف الكلم عن مواضعه، وهؤلاء هم الذين يقال فيهم: { فويل للذين يكتبون الكتاب } ويسمعونه ويبصرونه { بأيديهم } وأسماعهم وأبصارهم { فويل لهم مما كتبت أيديهم } وسمعت اذانهم وابصرت عيونهم { وويل لهم مما يكسبون }.
والشك والارتياب من جنود الجهل والنفس، والعلم والانقياد من جنود العقل والقلب، اذا تمهد هذا فنقول: من لم يخرج من أسر نفيه لا يدرك الكتاب فى مرتبة من مراتبه، ومن خرج من أسر نفسه لا يقع منه شك وارتياب فيما أدرك من الكتاب، فالشاكون فى الكتاب شكهم راجع الى مدركاتهم لا الى الكتاب، فما وقع فيه الشك غير الكتاب، وما هو الكتاب لا يقع فيه شك وريبة، فصح نفى جنس الريب او جميع افراده من الكتاب من غير حاجة الى ارتكاب تضمين او تقدير او تقييد بمعنى لا ينبغي الريب بتضمين الابتغاء او تقديره، او لا ريب للعاقل بالتقدير، او للمتقين بتقييده بالظرف.
تحقيق معنى الهداية
{ هدى } الهدى كالتقى مصدر بمعنى اراءة الطريق مصاحبة للايصال اليه او الى المقصود، او غير مصاحبة سواء عدى الى المفعول الثانى بنفسه او باللام او بلفظ الى، وسواء كانت الهداية من الله او من الخلق، وسواء تعلقت بنفس الطريق او بالمقصود، واما الهداية من الله اذا تعلقت بشئ اى شيئ كان مطلقة عن المهدى اليه فالمراد هدايته الى طريق كماله المطلوب منه، والكمال المطلوب من الانسان هو حصول الولاية المطلقة ثم النبوة المطلقة ثم الرسالة المطلقة، وطريقه الى هذا الكمال هو طريقه من نفسه الانسانية التى يعبر عنها بالصدر منشرحا بالكفر او بالاسلام، او غير منشرح بشئ منهما الى قلبه ومنه الى روحه وهكذا الى الولاية المطلقة، ولما كان هذا الطريق مختفيا عن الابصار مسدودا بالتعينات النفسية وكان المرور عليه اختياريا والانسان فى بيداء النفس ضالا فى بدو حاله ظانا ان الكمال المطلوب منه هو الوصول الى المشتهيات النفسية واستكال القوى الحيوانية والشيطانية مبغضا لما سوى مظنونه اقتضت الحكمة البالغة الالهية والرحمة التامة الربوبية ان يبعث الى النوع من ينبههم عن ضلالهم، وان ما وراء مظنونهم هو الكمال المطلوب منهم، وان ما ظنوه كمالا سموم مهلكة وشباك الشيطان، وان فى الوادى سباعا مترصدة ضلالهم مغتنمة ضياعهم، ويحذرهم عن الوقوف فيه وعن ترصد السباع لهم وعن حبائل الشيطان حتى يتنبهوا ويأخذوا حذرهم ويتأهبوا للخروج منه ويطلبوا الطريق ومن يدلهم عليه؛ حتى يبعث بعد ذلك عليهم من يرفع موانعهم بالرفق ويريهم طريق كمالاتهم ويذهب بهم الى غاياتهم، وتلك الاراءة وهذا الاذهاب تسمى هداية، والرسول وخليفته لما كان كل منهما ذا شأنين شأن الرسالة وبه يقع التنبيه والانذار المذكوران، وشأن الولاية وبه يقع الاذهاب والاراءة المزبوران كان كل منهما بوجه منذرا وبوجه هاديا، وحصر شأن الرسول فى الانذار فى قوله تعالى:
انما انت منذر
؛ مع انه امام الكل فى الكل للاشارة الى شأن الرسالة وان المخاطب هو الرسول بما هو رسول لا بما هو ولى او نبى، والا فهو بولايته صاحب الهداية المطلقة وكل الهادين مقتبسون منه، وبنبوته صاحب الشأنين فالرسول بما هو رسول منذر والولى بما هو ولى هاد، والنبى صاحب الشأنين والهداية من الله لا تتعلق الا بمن أنذر واتقى فاذا أخذ هدى هاهنا مطلقا بحسب اللفظ او مقيدا بقوله للمتقين كان المقصود واحدا.
Bog aan la aqoon
تحقيق معنى التقوى ومراتبها
والتقوى والتقى والتقاة مصادر من الوقاية واذا نسبت الى الله او الى سخطه او الى المحرمات او اطلقت فالمراد منها التحفظ عما ينافى او يضر حصول الكمالات او الكمالات الحاصلة الانسانية؛ ولها مراتب عديدة بعضها قبل الاسلام، وبعضها بعد الاسلام وقبل الايمان، وبعضها بعد الايمان بمراتبها الى الفناء التام الذاتى، فأول مراتبها الانزجار عن مساوى النفس ودواعيها المنافية للعاقلة وهى مقام الاستغفار، وثانيها الانصراف عنها وطلب الخلاص منها بالفرار وهى مقام التوبة، وثالثها الرجوع فى الفرار الى خلفاء الله ووسائله بينه وبين خلقه وهى مقام الانابة؛ وهذه الثلاثة مقدمة على الاسلام واليها اشار تعالى بقوله حكاية عن قول بعض أنبيائه مع أممهم:
ويقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه
[هود: 52]؛ وتقييد التوبة بقوله " اليه " اشارة الى المرتبة الثالثة، واذا اسلم الانسان على يد نبى (ص) او خليفته (ع) وقبل منه احكامه القلبية من أوامره ونواهيه حصل له مرتبة رابعة من التقوى التى هى التحفظ عن مخالفة قوله بامتثال اوامره ونواهيه، والخامسة الانزجار عن الوقوف على ظاهر الاوامر وطلب بواطنها وروحها وطلب من يدله على بواطنها، وهاتان بعد الاسلام وقبل الايمان؛ وهذه التقوى هى تقوى العوام وتنقسم بوجه الى تقوى العوام من الحرام، وتقوى الخواص من الشبهات، وتقوى الاخص من المباح، واذا وجد الطالب من يدله على روح الاعمال وتاب على يده توبة خاصة وآمن بالبيعة الخاصة الولاية واستبصر بباطنه وبرذائله وخصائله حصل له مرتبة أخرى من التقوى وهى التحفظ من الرذائل باستكمال الخصائل، واذا تطهر قلبه من الرذائل وتحلى بالخصائل تمثل امامه ودخل بيت قلبه وحينئذ يشاهد فى وجوده فاعلا الهيا وفاعلا شيطانيا فيظن ان فى الوجود الاهين فيقع فى ورطة الاشراك والثنوية ويرى وجودا لنفسه ووجودا لشيخه داخلا فى مملكته فيظن انه حال فى وجوده فيقع فى ورطة الحلول، او يرى وجودا واحدا هو ذاته وامامه فيقع فى ورطة الاتحاد، وان ساعده التوفيق واتقى نسبة الافعال الى الشيطان ورأى الفعل مطلقا من الرحمن فى المظهر الالهى او الشيطانى وحصل ووجد معنى لا حول ولا قوة الا بالله والتذ به حصل له مرتبة أخرى من التقوى هى التحفظ من نسبة الافعال الى غير الله والخروج من الاشراك الفعلى الى التوحيد الفعلى، واذا تفطن بان الاوصاف الوجودية كالافعال نسبتها الى الله بالصدور والوجوب والى غيره تعالى بالظهور والقبول؛ وان الكل مظاهر اوصاف الله وحصل ووجد معنى الحمد لله والتذ به حصل له مرتبة أخرى من التقوى هى التحفظ عن رؤية نسبة الاوصاف الى غيره تعالى.
بيان سر ظهور بعض الشطحات من السلاك
وفي هذه المرتبة قد يتجلى الله على المؤمن بصفة الواحدية فلا يرى لشيئ ذاتا ولا صفة مع بقاء انانية ما لنفسه فيقع فى ورطة الوحدة الممنوعة، ويظن ان الوجود واحد والموجود واحد وبعد الافاقة يعتقد ذلك ويتفوه به ويقع فى الاباحة والالحاد لو لم يكن له شيخ او لم يرجع الى شيخه ولا يعد الرسل وشرائعهم حينئذ فى شيئ بل يستهزء بهم وبها، وقد يتجلى بصفة الصمدية عليه فيظهر الانانية منه والاستغناء من كل شيئ حتى من الله وهكذا، ففى هذه المرتبة من التقوى والمرتبة السابقة ورطات مهلكة وعقبات موبقة ان لم يكن المؤمن فى تربية شيخ او لم يرجع اليه واستغنى منه أعاذنا الله وجميع المؤمنين منها وفى هاتين المرتبتين يظهر جميع ما يظهر من السلاك من الشطحات الممنوعة؛ واكثر الغالين نشأ غلوهم من هاتين المرتبتين، واكثر المتشيخة المغرورين من هاتين استدرجوا وهلكوا من حيث ظنوا انهم وصلوا واستغنوا عن الشيخ المكمل والحال انهم فى هذه الاحوال أشد احتياجا منهم الى الشيخ فى غير هذه الاحوال، وبالجملة مهالك مراتب التوحيد الفعلى والوصفى الى الخروج الى التوحيد الذاتى اكثر من ان يحيط بها البيان او يحصيها تحرير الاقلام، واذا تفطن بأن المتحقق بالذات هو الحق الاول تعالى شأنه وان سائر مراتب الوجود اعتبارات محضة وتعينات اعتبارية ناشئة من مراتب سعة تلك الحقيقة وانقلب بصره فلا يرى فى دار الوجود الا الوجود الحق المنزه عن كل تعين واعتبار وحصل ووجد معنى لا اله الا الله بل معنى لا هو الا هو، والتذ به حصل له مرتبة أخرى من التقوى وهى آخر مراتب التقوى فانه لا يبقى للسالك بعد هذه عين ولا اثر حتى يتصور له فعل ووصف وتقوى، فان ادركته العناية الالهية بموهبة البقاء بعد الفناء والصحو بعد المحو وشهود الحق فى الخلق والتشبه بالرحمن باعطاء الله له فضيلة الاحسان لتكميل العباد وتكثير جنوده عوضا لما اقرض الله من الجنود والاعوان فى جهاد الاعداء فى سبيله تم له السلوك وصار نبيا او خليفته، ولما لم يكن مراتب التقوى التى قبل الاسلام من مراتب حقيقة التقوى لان الانسان ما لم يدخل فى دين الاسلام ولم يتعلم ما يضره فى تحصيل كما له من عالم وقته لا يدرى اى شيئ يضره حتى يتقى منه، ولما كان المراتب الباقية منقسمة الى ثلاثة اقسام؛ التقوى التى بعد الاسلام وقبل الايمان، والتى بعد الايمان وقبل التقوى عن نسبة الصفات الى غير الله تعالى، والتقوى عن رؤية صفة وذات غيره تعالى اسقط التقوى التى قبل الاسلام وذكر الاقسام الثلاثة الباقية فى قوله تعالى: { ليس على الذين آمنوا }
تحقيق قوله تعالى { ليس على الذين آمنوا }
ليس على الذين آمنوا
[المائدة: 93] اى اسلموا فان المراد بالايمان هنا الايمان العام الذى هو الاسلام كما سيجيئ تحقيقه وتفصيله، ولم يقل { ليس على الذين اتقوا وآمنوا } للاشارة الى ان التى قبل هذا الايمان ليست من التقوى { وعملوا الصالحات } والمراد بعمل الصالحات العمل بالاحكام الشرعية القالبية جناح فيما طعموا { اذا ما اتقوا } اى اتقوا بالتقوى التى بعد الاسلام وقبل الايمان وآمنوا بالايمان الخاص الذى يحصل بالبيعة الخاصة الولاية ويدخل به بذر الايمان فى القلب وبه يتمسك بالعروة الوثقى التى هى حبل من الناس مضافا الى التمسك بالعروة التكوينية التى هى حبل من الله { وعملوا الصالحات } التى هى اعمالهم القلبية مضافة الى اعمالهم القالبية { ثم اتقوا } بمراتب التقوى التى بعد الايمان وقبل التقوى عن نسبة الصفات الى غير الله { وآمنوا } شهودا اى أيقنوا عين اليقين بان الافعال كلها منه جارية على مظاهره اللطفية والقهرية ولم يقل وعملوا الصالحات لما ذكر من ان هذه التقوى تطهير عن الرذائل وتحفظ عن نسبة الافعال الى غير الله فلا يرون فعلا لانفسهم حتى ينسب الاعمال اليهم لكن بقى بعد نسبة الصفات الى الذوات الامكانية ونفس الذوات الامكانية فى انظارهم { ثم اتقوا } عن نسبة الصفات الى غيره تعالى وعن رؤية الذوات الامكانية فى جنب ذاته حتى عن رؤية ذواتهم وعن رؤية اتقائهم ويعبر عن الاتقاء عن رؤية التقوى بفناء الفناء فلا يبقى حينئذ عنهم فعل ولا صفة ولا ذات فلا يبقى ايمان ولا عمل لهم ولذا لم يأت بهما بعد هذه التقوى وقال { احسنوا } اشارة الى البقاء بعد الفناء فان الباقى بعد الفناء فعله على الاطلاق احسان لا غير، وفى الخبر: المتقون شيعتنا؛ والمراد بالتقوى فى الخبر التقوى عما يخرج من الطريق الانسانى او ينافى السلوك عليه، وغير المؤمن بالايمان الخاص لما لم يكن على الطريق لا يتصور له تقوى بهذا المعنى ولما لم يكن لغير الشيعة بهذا المعنى تقوى صح حصر المتقى فى الشيعة. ونعم ما قيل:
هرجه كيرد علتى علت شود
Bog aan la aqoon
كفر كيرد سلتى ملت شود
تحقيق الايمان ومراتبه
{ الذين يؤمنون بالغيب } الايمان لغة التصديق والاذعان واعطاء الامان وانفاذ الامان وجعله آمنا من الخوف والايتمان، وشرعا يطلق على البيعة الاسلامية وقبول الدعوة الظاهرة وعلى ما بعد التوبة من اجزاء البيعة وعلى الحالة الحاصلة بالبيعة العامة من كون البائع مقرا بالاصول الاسلامية قابلا للفروع وعلى الحالة الشبيهة بالحالة الحاصلة بالبيعة الاسلامية من كون الانسان مقرا وقابلا كالبايع حين عدم الوصول الى البيعة، ويطلق على ارادة البيعة والاشراف عليها وهذه بعينها معانى الاسلام الذى هو مقابل الايمان الحقيقى ومقدمته، ويطلق على البيعة الخاصة الايمانية وقبول الدعوة الباطنة، وعلى ما بعد التوبة من اجزاء البيعة وعلى الحالة الحاصلة بالبيعة الخاصة الولوية من كون البائع مقرا بالتوحيد والرسالة والولاية وقابلا للاحكام القلبية مضافة الى الاحكام القالبية، وعلى الحالة الشبيهة بالحالة المزبورة من الاقرار والقبول المذكورين من دون بيعة حين عدم الوصول الى البيعة، ويشبه ان يكون اطلاقه على معانى الاسلام مجازا لسلبه عنها فى قوله تعالى
قالت الأعراب آمنا
[الحجرات: 14]؛ من حيث انهم بايعوا البيعة العامة الاسلامية قل لهم يا محمد لم تؤمنوا حتى تنبههم على ان الايمان امر آخر يقتضى بيعة أخرى فلم يقفوا على ظاهر الاسلام وحتى يطلبوا ويجدوا من يدلهم على الايمان ولكن قولوا اسلمنا لان البيعة العامة والاقرار بالاصول الاسلامية وقبول الاحكام القالبية ان كانت موافقة لما فى القلب كانت اسلاما وان لم تكن موافقة للقلب لم تكن اسلاما ايضا ولذا قال { قولوا أسلمنا } ولم يقل ولكن اسلمتم، { ولما يدخل الإيمان } اى البذر الذى يدخل بسبب البيعة الايمانية فى القلوب { في قلوبكم } وما لم يدخل فى قلب الانسان بذر الايمان الذى بسببه يصدق اسم الايمان وان لم يكن الموصوف باسم الايمان متصفا بحقيقته التى هى شأن من حقيقة الانسان لم يصدق عليه أنه مؤمن، { وإن تطيعوا الله ورسوله } بالوفاء بالعهد الذى أخذه رسوله (ص ) فى البيعة الاسلامية وامتثال اوامره ونواهيه بظاهرهما لا يلتكم من اعمالكم شيئا وهذا يدل على كفاية البيعة العامة فى النجاة ان كان البايع صادقا فى بيعته، وعلى ان من مات فى زمان الرسول على البيعة العامة كان مغفورا لا محالة، وفى قوله تعالى
يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان
[الحجرات:17] تصريح بان المسمى بالاسلام غير الايمان وان الاسلام مقدمة للايمان وبه يرى طريق الايمان وفى الاخبار تصريحات بمغايرة الاسلام للايمان وان الاسلام قبل الايمان وان الثواب على الايمان، والاسلام لا يفيد الا حفظ الدماء وجواز المناكحة وصحة التوارث، والايمان بمعناه الشرعى يناسب كلا من معانيه اللغوية والمراد به هاهنا ان كان الظرف صلة له معنى التصديق او الاذعان وفيما روى عن مولانا الصادق (ع) ان المراد بالغيب هنا ثلاثة اشياء يوم قيام القائم (ع) ويوم الكرة ويوم القيامة من آمن بها فقد آمن بالغيب وهذا بعينه هو معنى قوله تعالى
وذكرهم بأيام الله
[إبراهيم: 5] دلالة على كونه صلة ليؤمنون، وان كان مستقرا حالا من الفاعل والمعنى الذين يؤمنون حال كونهم فى الغياب من الله او الآخرة او متلبسا بالغيب يمكن ان يراد معناه الشرعى او كل واحد من معانيه اللغوية سوى اعطاء الامان وانفاذ الامان.
تحقيق الصلاة ومراتبها
Bog aan la aqoon
{ ويقيمون الصلاة } اعلم ان الانسان كما مر ذو مراتب كثيرة وادنى مراتبه مرتبة القالب الجسمانى وبعدها مرتبة نفسه التى يعبر عنها بالصدر وبالقلب ايضا وبعدها مرتبة قلبه التى هى بين النفس والروح، وبعدها مراتب الاخر، وفى كل مرتبة له صلاة وصلاته القالبية فى الشريعة المحمدية (ص) الافعال والاذكار والهيئات المخصوصة المعلومة لكل من دخل فى هذا الدين بالضرورة وصلاة قلبه الذى هو صدره الذكر المخصوص المأخوذ من صاحب الاجازة، والفكر المخصوص المأخوذ من قوة الذكر او من تعمل المفكرة، والمراد بالفكر ما هو مصطلح الصوفية زمن التوجه الى الامام كما ورد وقت تكبيرة الاحرام تذكر رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمة نصب عينيك وصلاة القلب الذى هو بين النفس والروح مشاهدة معانى اذكار الصلاة ومشاهدة الاحوال والشؤن المشار اليها بأطوار الصلاة وصلاة الروح معاينة هذه وهكذا، ومعنى اقامة الصلاة جعل صلاة القالب متصلة بصلاة الصدر وصلاة الصدر متصلة بصلاة القلب، وهكذا سواء كان الاقامة بمعنى الاقامة عن اعوجاج او عن قعود، او بمعنى اقامة حدود الصلاة فان اعظم حدودهما حدودها الطولية فانها بالنسبة الى الحدود العرضية كالروح بالنسبة الى القالب فصلاة القالب كقالب الانسان والصلاة الذكرية القلبية الجسمانية كالروح البخار من الانسان الذى هو مركب القوى والمدارك الحيوانية، والصلوة الفكرية الصدرية كالبدن المثالى من الانسان، والصلاة القلبية الروحانية كروح الانسان، فكما ان الانسان بدون المراتب الباطنة ميتة عفنة تؤذى قرينها كذلك الصلاة القالبية بدون مراتبها الباطنة جيفة عفنة مؤذية؛ وقد ورد
" رب مصل والصلاة تلعنه ".
تحقيق استمرار الصلاة والزكاة للانسان تكوينا
واعلم ايضا ان الانسان خلق ذا قوة وفعلية من اول خلقة مادته الى مرتبته الاخيرة التى هى بالفعل من كل جهة وليس فيها قوة فالنطفة لها فعلية النطفة وقوة العلقة قريبة وقوة المضغة والجنين والطفل الانسانى وهكذا بعيدة، وما لم ينقص من فعلية النطفة شيئ لم يحصل من فعلية العلقة شيئ ويحصل بالاتصال والاستمرار فعلية العلقة بقدر نقصان فعلية النطفة الى ان صار العلقة بالفعل من جهة كونها علقة ثم يصير فعلية العلقة فى النقصان وفعلية المضغة فى الحصول والازدياد وهكذا جميع المراتب فان فعلية كل مرتبة موقوفة على نقصان سابقتها او فنائها، وهذا النقصان والفناء زكاة الانسان تكوينا، وذلك الحصول والازدياد صلاته تكوينا لان الزكاة اعطاء فضول المال وتطهير باقيه، وهذا ايضا كذلك والصلاة جلب الرحمة وطلبها والازدياد المذكور جلب للرحمة التى هى كمالات الانسان واستجماع لها، ولما كان التكليف موافقا للتكوين وحسن الاعمال الاختيارية بكونها مطابقة للافعال التكوينية لم يبعث نبى قط الا بتشريع الصلاة والزكاة وجعلهما اصلا وعمادا لتمام الاعمال الشرعية الفرعية لكن وضعهما وصورتهما فى الشرائع مختلفة غير متوافقة، وتقديم الصلاة فى هذه الآية وفى سائر الآيات على الزكاة اما لتقدمها طبعا لان اسقاط ما فى اليد موقوف على وجدان غيره او طلب الافضل منه والصلوة كما علمت وجدان او طلب للكمال المفقود بعد الاتصاف بكمال موجود، فما لم يطلب الانسان كمالا آخر لا يترك كمالا حاصلا وقيل بالفارسية:
تا نبيند كود كى كه سيب هست
او بياز كنده را ندهد زدست
او لان الصلاة اشرف والاهتمام بها اتم لانها طلب ووجدان، والزكاة ترك وفقدان.
{ ومما رزقناهم ينفقون } انفق من باب الافعال من نفق ماله اى نفد لكن خصص بانفاق المال فيما ينتفع به وتقديم الظرف للاهتمام ومراعاة رؤس الاى وللحصر كأنه اراد ان يشير الى ان الاموال قد تحصل بامرنا ومن الوجه الذى قررناه لتحصيلها، وقد تحصل بأمر الشيطان ومن الوجه الذى نهينا عنه، وقد تحصل بشركة الشيطان، وكذا العلوم والقوى والشؤن والنيات والخيالات المتولدة فى عالم الانسان وان المؤمن لا يوجد فى ملكه الا ما رزقناه لانه لو أراد الشيطان ان يداخله فى تحصيل ما له تذكر فاذا هو يبصر ويتقى فلا ينفق الا ما رزقناه، ولهذا الوجه عدل عن قوله يؤتون الزكاة وكأنك تفطنت مما اسلفنا بتعميم ما رزقهم الله وتعميم الانفاق فان الانفاق الاختيارى للانسان من اول بلوغه بل من اول زمان تمرينه الى آخر مقام الاطلاق والخروج من التعينات، وروى عن الصادق (ع) ان معناه ومما علمناهم يبثون، وهذا بيان لاحد وجوه المرزوق والانفاق بحسب اقتضاء المقام، وادخال من التبعيضية للاشعار الى التوسط فى الانفاق وانه لا ينبغى انفاق الجميع كما لا ينبغى التقتير وعدم الانفاق.
{ والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك } ان كانت الباء للسببية صح ارادة كل من المعانى الشرعية واللغوية من الايمان وان كانت صلة للايمان فمعناه التصديق او الاذعان والمراد بما انزل اليه جملة ما نزل اليه من القرآن والاحكام، او خصوص ما نزل فى ولاية على (ع) من القرآن، او خصوص ما نزل من حقيقة الولاية على قلبه؛ هذا اذا كان ما موصولة او موصوفة، واذا كانت مصدرية فالمعنى الايمان بنفس الوحى وانزال الكتاب من دون اعتبار المنزل.
{ ومآ أنزل من قبلك } من الشرايع والكتب او من التنصيص على ولاية الاوصياء او من الولايات النازلة على الانبياء من علوية على (ع) هذا ان كان ما انزل من قبلك معطوفا على ما انزل اليك، وان كان جملة حالية ولفظة ما نافية او استفهامية فالمعنى وما أنزل، ما أنزل اليك من الشرايع والقرآن او الولاية من قبلك، او اى شيئ أنزل من قبلك على معنى الانكار اى ليس ما أنزل اليهم بشيئ فى جنب ما أنزل اليك.
Bog aan la aqoon
{ وبالآخرة هم يوقنون } الايقان اتقان العلم بحيث لا يعتريه شك وارتياب ولا يشوبه تقليد واعتياد والحصر المستفاد من تقديم الضمير سواء كان مسندا اليه او للفصل اشعار بان الايقان الذى هو من صفات العقلاء مختص بهؤلاء الموصوفين بما ذكر دون غيرهم فانهم أصحاب النفوس التى ليس من شأنها الا الظن والشك والريبة، وعلومهم ان كانت برهانية فهى ظنون ولا يخلو من شوب ريبة وتقليد وعادة، وتقديم الظرف على تقدير كونه معمولا ليوقنون لا على تقدير جعله عطفا على بما أنزل لمراعاة رؤس الاى وللحصر مشارا به الى ان هؤلاء الموصوفين بالاوصاف السابقة المختص بهم اليقين ليس علمهم وايقانهم الا متعلقا بالآخرة لانهم جعلوا الآخرة نصب أعينهم وغاية هممهم فلا يلتفتون الى غيرها حتى يتعلق يقينهم به بخلاف غيرهم فانهم جعلوا الدنيا نصب أعينهم ونبذوا الآخرة وراء ظهورهم فلا تعلق لعلمهم النفسانى بالآخرة لان علومهم مقصورة على الدنيا وعلى ما يلزم العيش فيها فتكون نفسانية غير ايقانية يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، ذلك مبلغهم من العلم؛ وقد قيل بالفارسية:
اندر اين سوراخ بنائى كرفت
در خور سوراخ دانائى كرفت
جون بى دانش نه بهرروشنى است
همجو طالب علم دنياى دنيست
طالب علم است بهرعام وخاص
نى كه تايابد ازاين عالم خلاص
همجو موشى هرطرف سوراخ كرد
جونكه نورش راند ازدركشت سرد
والآخرة تأنيث الآخر كان فى الاصل وصفا والتأنيث باعتبار الموصوف الذى هى الدار ثم غلب عليه الاسمية، واطلاق الآخرة على عالم الغيب باعتبار انها للانسان بعد الدار الدنيا ومتأخرة عنها، فان كان المراد بالغيب المبدء والعوالم العالية فى سلسلة النزول؛ وبالآخرة العوالم المتأخرة فى سلسلة الصعود يعنى المعاد فالكلام تأسيس، وان كان المراد بالغيب مطلق العوالم العالية مبدء ومعادا فالكلام مبتن على ذكر الخاص بعد العام وكان الكلام باعتبار ذكر الايقان بعد الاسمان تأسيسا ايضا.
Bog aan la aqoon
{ أولئك } العظماء المذكورون بالاوصاف العظام { على هدى من ربهم } بحيث انهم حاكمون على وصف الهدى لا أنهم محكومون به فالاتيان باسم الاشارة البعيدة لاحضار المسند اليه بأوصافه المذكورة ليكون كالعلة للحكم وللاشارة الى بعد مرتبتهم لعظمتهم، وان كان { الذين } الاولى او الثانية مبتدأ فتكرير المبتدأ باسم الاشارة يفيد الحصر، وان كانتا تابعتين للمتقين فكون الجملة جوابا لسؤال ناشئ عن المقام يقتضى الحصر فانه بعد ذكر المتقين وكون الكتاب هاديا لهم وذكر اوصافهم الجميلة صار المقام مقام ان يقال: ما لهم من الله، وبما امتازوا من غيرهم فقال: اولئك امتازوا عن غيرهم بكونهم على هدى اهدى اليهم من ربهم دون غيرهم، والحصر فى القرين الثانى قرينة للحصر هاهنا.
{ وأولئك هم المفلحون } تكرار المبتدأ للاشارة الى امتيازهم بكل من الصفتين على حيالهما لا بجمعهم بينهما، وتوسيط العاطف للاشارة الى ان كلا من الوصفين غير الآخر، ولو اتى بالجملة الثانية مجردة عن العاطف لتوهم ان الثانية تأكيد للاولى وان الوصفين متحدان او متلازمان.
[2.6]
بيان الكفر واقسامه
{ إن الذين كفروا } بالله لا بالشيطان فان الكفر كفران؛ كفر بالله وكفر بالشيطان وإذا اطلق فى الآيات والاخبار كان المراد الكفر بالله؛ والكفر بالله ينقسم الى كفر الوجوب الذاتى وكفر الآلهة وكفر التوحيد وكفر الرسالة وكفر الولاية وكفر المعاد وكفر النعماء؛ فان القائلين بالبخت والاتفاق كافرون بالوجوب الذاتى، واليهود القائلين بالوجوب الذاتى وانه قد فرغ من الامر، والمعتزلة القائلين بأن العباد فاعلون بالاستقلال كافرون بالآلهة، والقائلون بمبدأين واجبين او بمبدء واحد واجب وفاعلين الاهين كافرون بالتوحيد، ومنكر الرسالة المطلقة او رسالة رسول خاص كافر بالرسالة، ومنكر بقاء الولاية بعد انقطاع الرسالة مطلقا او منكر ولاية ولى خاص كالعامة، والفرق المنحرفة من الشيعة كافرون بالولاية، ومنكر المعاد كافر بالمعاد، ومنكر انعام المنعم كافر بالنعم، وكل واحد من ذلك اما كفر قولي او جنانى او حالى او شهودى او تحققى، والمنفصلة مانعة الخلو فان الكافر بالنعمة اما كافر لسانا كقارون حين قال: انما اوتيته على علم عندى، او اعتقادا كمن لا يعتقد مبدء ولا انعاما منه، او حالا كاكثر المقرين بالله وبانعامه الغافلين عنه، او شهودا وقل من لا يكفر بهذا الكفر، او تحققا ولا ينفك عنه الا الانبياء وبعض الاولياء، وينقسم بقسمة أخرى الى الكفر الفطرى وهو الكفر الذاتى الذى لا ينفع لصاحبه الانذار، والى الكفر العرضى الذى ينتفع صاحبه بالانذار بل الانذار لهذا الكافر والا فالمؤمن بجهة ايمانه ليس له الا البشارة، والمراد بالكفر فى الآية الكفر الذاتى الذى لا ينتفع صاحبه بالانذار ولذا حمل على الذين كفروا قوله { سوآء } مصدر بمعنى مستو سواء فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث { عليهم } لا عليك فان الانذار طاعة ونافع لك سواء اثر ام لم يؤثر فانما عليك البلاغ وهم المذمومون بعدم التأثر والكلام فى ذمهم عكس قوله تعالى { سواء عليكم ادعوتموهم ام انتم صامتون } فان المراد ذم المخاطبين على ارتكاب امر لا ينفعهم { أأنذرتهم أم لم تنذرهم } الفعل الذى بعد همزة التسوية اما مؤول بالمصدر او ملحوظ فيه معنى المصدر مقطوع النظر عن النسبة التى هى جزء من معناه ولذا يحكم عليه وسواء هاهنا خبر ان وما بعد الهمزة فاعله او سواء مبتدأ لما بعده او خبر عنه والجملة خبر ان او فاعل سواء مستتر وما بعد الهمزة مفسر له { لا يؤمنون } خبر بعد خبر او مستأنف جواب للسؤال عن حالهم او دعاء عليهم او خبر ان { لا يؤمنون } و { سواء عليهم } الى الآخر حالية او معترضة.
[2.7]
{ ختم الله } خبر بعد خبر او حال او استئناف فى مقام التعليل او فى مقام الدعاء والختم الطبع ختم الكتاب والاناء وختم على الكتاب طبع عليه بخاتمه او بشيئ مثل الخاتم بحيث اذا فتح لا يمكن ختمه الا بمثل ذلك وختم الكتاب بلغ آخره فى قراءته.
تحقيق مراتب القلب واطلاقاته وتحقيق ختم القلب والبصر
{ على قلوبهم } جمع القلب والقلب يطلق على القلب الصنوبرى اللحمى وعلى النفس الانسانية التى هى برزخ بين عالم الجنة والشياطين وبين عالم الملائكة وهى التى يعبر عنها بالصدر منشرحا بالكفر او الاسلام او غير منشرح بشيئ منهما ويعبر عنها بالاعتبارات بالنفس الامارة واللوامة والمطمئنة ويطلق على المرتبة التى بين هذه النفس والعقل ويدرك الانسان فى تلك المرتبة شيئا من حقائق علومه وثمرات اعماله ويتشأن بشؤنات علومه وأعماله ولذا قيل ان القلب معدن المشاهدة اى مشاهدة شيئ جزئى من حقائق العلوم والاعمال، والى هذا اشار تعالى بقوله:
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
Bog aan la aqoon
[ق:37] فان المراد بمن كان له قلب من كان متحققا ومشاهدا لشيء يسير من حقائق علمه وعمله وخارجا من التقليد الصرف داخلا فى تحقيق ما، ويطلق على اللطيفة السيارة الانسانية وعلى المرتبة الروحانية من الانسان من دون اعتبار مرتبة خاصة، ويسمى القلب قلبا لتقلبه بين عالمى الملائكة والشياطين وتقلبه فى العلوم والاحوال وفى الشؤن والاطوار، والمراد بالقلوب هاهنا هى النفوس الانسانية، وجمع القلوب اما باعتبار جمعية المضاف اليه او باعتبار كل واحد من المضاف اليه اى ختم الله على قلب كل منهم او على قلوب كل منهم نظير كل قلب متكبر جبار على قراءة اضافة القلب الى متكبر جبار فان النفس الانسانية ذات شؤن كثيرة كدار ذات بيوت كثيرة فى طبقة واحدة، وذات مراتب كثيرة بعضها فوق بعض كدار ذات بيوت بعضها فوق بعض وكل شأن او مرتبة منها يسمى قلبا، والقلب لما كان واقعا بين مصرى الاشقياء والسعداء ومحلا للجنود العقلية والجهلية، وله بابان الى مصر السعداء والاشقياء قال تعالى: ختم الله على ابواب قلوبهم الى مصر السعداء حتى لا يتمكن أحد من الدخول والخروج من تلك الابواب وختم تلك الابواب ملازم لفتح ابواب العالم السفلى، واطلاق الختم للاشارة الى أن باب القلب هو الباب الذى الى العالم العلوى وأما بابه الى العالم السفلى فليس بابا للقلب حقيقة، ونسبة الختم اليه تعالى كنسبة الاضلال لا يستلزم جبرا لان الختم من شعب الرحمة الرحمانية التى تختلف باعتبار القابل فان الرحمة الرحمانية كشعاع الشمس الذى يبيض ثوب القصار ويسود وجهه ويطيب ريح الورد وينتن ريح الغايط حسب استعداد القابل واقتضائه وسيأتى تمام الكلام فيه ان شاء الله فى موضع آخر.
{ وعلى سمعهم } السمع مصدر سمع الكلام كالسماع ويطلق على العضو الذى قوة السماع موضوعة فيه، ويطلق على القوة المودعة فى الروح المصبوبة فى العصبة المفروشة فى الصماخ التى بها يحصل السماع، والمدرك بالسمع هو الصوت الحاصل من تموج الهواء والحاصل من امساس عنيف سواء كان بالقرع او الامرار؛ او تفريق عنيف كقلع الشجرة وخرق الثوب، والقوة التى بها يدرك النفس المسموعات شأن من شؤن النفس ولها كالقلب سوى قوتها الى الخارج قوتان؛ قوة الى العالم العلوى والى الارواح الطيبة بها تسمع من الملائكة، وما تسمع من الخارج بها تؤدى جهته الحقة الى مرتبتها الحقة العقلانية، وقوة الى العالم السفلى والى الارواح الخبيثة بها تسمع من الشيطان وتصغى اليه، وما تسمع من خارج بها تؤدى الى جهته الباطلة الى مرتبتها الباطلة السفلية، ولما كان قوتها الى الارواح الطيبة ذاتية لها وقوتها الى الارواح الخبيثة غير ذاتية فختمها على الاطلاق منصرف الى ختم قوتها العلوية فلا ينفث فيها الملك ويوسوس فيها الشيطان وما تسمع من خارج يصرفه الشيطان الى ما يوافقه ويحرف الكلمة عن معناها ويجعل فيها معنى؛ آخر، وافراد السمع مع كون القلوب والابصار جمعين لملاحظة كونه مصدرا فى الاصل واستواء التأنيث والتذكير والافراد والتثنية والجمع فيه بخلاف الاذن ولذا اتى بالجمع فى قوله تعالى
وفي آذانهم وقرا
[الأنعام: 25]
فضربنا على آذانهم
[الكهف: 11]؛ وتقديمه على الابصار لانه أعلى تجردا من البصر كما حقق فى موضعه ولذا لا يغلبه النوم فى بعض ما يغلب البصر { وعلى أبصارهم } عطف على: { على قلوبهم }؛ او متعلق بمحذوف اى جعل على أبصارهم على قراءة نصب ما بعده وخبر مقدم على قراءة رفعه او مبتدأ مكتف بمرفوعه عن الخبر، والابصار جمع البصر وهو ادراك العين او العضو المخصوص او القوة المودعة فى الروح المصبوبة فى العصبتين المجوفتين الممتدتين الى العينين وهذه ايضا كقوة السماع شأن من شؤن النفس ولها سوى قوتها الى الخارج قوتان، وختمها على الاطلاق ختم قوتها العلوية وكذا حجابها { غشاوة } قرء بالنصب وبالرفع وبتثليث الفاء وتنكير الغشاوة للتفخيم. { ولهم عذاب عظيم } عطف على قوله تعالى " على أبصارهم " غشاوة او على قوله " ختم الله "
[2.8]
{ ومن الناس } لما انساق ذكر الكتاب الذى هو اصل كل الخيرات وعنوان كل غائب وغائب كل عنوان ومصدر الكل وكل المصادر والصوادر اعنى كتاب على (ع) الى ذكر المؤمنين وذكر قسيمهم اعنى المسجل عليهم بالكفر اراد ان يذكر المذبذب بينهما أعنى المنافق المظهر للايمان باللسان المضمر للكفر فى القلب تتميما للقسمة وتنبيها للامة على حال هذه الفرقة تحذيرا لهم عن مثل أحوالهم بل نقول كان المقصود من سوق تبجيل الكتاب الى ذكر المؤمنين واستطرادهم بالكافرين ذكر هؤلاء المنافقين الذين نافقوا بولاية على (ع) خصوصا على ما هو المقصود الاتم من الكتاب والايمان والكفر والنفاق اعنى كتاب الولاية والايمان والكفر والنفاق به فانه اقبح اقسام الكفر فى نفسه واضرها على المؤمنين واشدها منعا للطالبين ولذا بسط فى ذمهم وبالغ فى ذكر قبائحهم وذكر مثل حالهم فى آخر ذمهم قرينة دالة على ان المراد المنافقون بالولاية لان المنافقين بالرسالة ليست حالهم شبيهة بحال المستوقد المضيئ فان المنافق بالرسالة لا يستضيئ بشيئ من الاعمال لعدم اعتقاده بالرسالة وعدم القبول من الرسول بخلاف المنافق بالولاية فانه بقبوله للرسالة يستضيئ بنور الرسالة والاعمال المأخوذة من الرسول (ص) لكن لما لم يكن اعماله المأخوذة وقبوله الرسالة متصلة بنور الولاية كان نوره منقطعا، وما يستفاد من تفسير الامام ان الآية كانت اشارة الى ما سيقع من النفاق بعلى (ع) يوم الغدير ومبايعة الامة والمنافقين معه وتواطؤهم على خلافه بعد البيعة وبعد التأكيد بالعهود والمواثيق عليهم يدل على ان المراد النفاق بالولاية. والناس اسم جمع من النسيان مقلوب العين لاما، او محذوف اللام لغلبة النسيان عليه حيث لم يتذكر ما الفه فى العوالم السابقة، او من النسيئ بمعنى التأخير مقلوبا؛ او محذوف اللام، او من الانس بمعنى الالفة ضد التوحش محذوف الفاء او مقلوبه، او هو مأخوذ من الايناس بمعنى الابصار مع الاطمئنان بالمبصر كما قال:
إني آنست نارا
[طه: 10] اى رأيت نارا واطمأننت بها؛ والاظهر أن الناس مأخوذ من النسيان او النسيئ لاستعماله فى الاغلب فى مقام مناسب لهما وان الانسان من الانس لذلك، وقيل ان اللام فى الناس عوض عن المحذوف وهو بعيد والجار والمجرور مبتدأ اما لقيامه مقام الموصوف المحذوف المقدر او لنيابته عنه لقوة معنى البعضية فيه حتى قيل: انه بنفسه مبتدأ من دون قيام مقام الغير وتقدير ونيابة والمعنى بعض الناس. او خبر مقدم، { من يقول } بألسنتهم من دون موافقة قلوبهم { آمنا بالله } او بعلى (ع) الذى هو مظهر الآلهة على ما ورد من التفسير بالايمان بالولاية { وباليوم الآخر } يعنى بالمبدء والمعاد كأنهم اشاروا بتكرار الجار الى ان ايمانهم بكل مأخوذ عن برهان لا ان الايمان باليوم الآخر مأخوذ من الايمان بالله من دون تحقيق وبرهان عليه.
Bog aan la aqoon
واعلم ان العوالم باعتبار كلياتها سبعة ومراتب كل عالم عشرة ودرجات كل مرتبة عشرة الى مئة الى ما شاء الله وبسبب هذه الاعتبارات اختلف الاخبار فى تحديد العوالم وبطون الآيات بالسبعة والسبعين والسبعمائة الى سبعين الفا الى ما شاء الله، واذا لوحظ المراتب من البدء الاول الى آخر العوالم كان كل مرتبة بالنسبة الى سابقتها ليلة لقوة الظلمة الحاصلة من تنزلات الوجود وكثرة التعيتات، واذا لوحظت من المنتهى الى المبدء كان كل مرتبة بالنسبة الى سابقتها يوما لقوة النور وضعف الظلمة بالنسبة الى سابقتها، ولهذا ذكر اليوم فى الآيات والاخبار عند ذكر العروج والصعود والانتهاء والخروج، وذكر الليلة عند ذكر النزول، والمراد باليوم الآخر اما يوم حشر الخلائق للحساب، او يوم قيام كل صنف فى مقامهم الذى لا خروج لهم عنه.
{ وما هم بمؤمنين } كان المناسب لرد قولهم: { آمنا بالله واليوم الآخر } ان يقول تعالى شأنه: لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر نفيا لما ادعوه من حصول الايمان فى الزمن الماضى لكنه عدل الى الاسمية مطلقة عن التقيد بالزمان والمتعلق اشعارا بنفى الايمان عنهم فطرة وتكليفا ماضيا ومستقبلا متعلقا بشيئ من الاشياء فانه كما ان اسمية الجملة تكون لتأكيد الايجاب تكون لتأكيد النفى، ونفى المطلق يكون لاطلاق النفى الا ان يقيد المطلق بالاطلاق فان النفى الوارد عليه حينئذ قد يكون لنفى الاطلاق.
[2.9]
{ يخادعون الله والذين آمنوا } الخداع والمخادعة والخدع بفتح الفاء وبكسرها مصادر، والخديعة اسم للمصدر والخدع ان تظهر الاحسان وتبطن الاساءة او تظهر الموافقة مع ابطان المخالفة، او تظهر الاعراض مع ابطان التعرض، والخداع مصدر خادع بمعنى خدع او للمشاركة او للمبالغة فانهم باظهارهم الايمان يظهرون الموافقة مع ابطانهم المخالفة والله تعالى بامهالهم فى الخديعة والانعام عليهم كأنه يريهم الاعراض والاحسان مع انه يخفى التعرض والاساءة والرسول والمؤمنون بمداراتهم معهم يظهرون الموافقة مع علمهم بالمخالفة منهم باطنا وابطانهم المخالفة وكأنهم يغالبون الله والرسول والمؤمنين فى الخديعة، و المراد بالله واجد الوجود او الرسول (ص) او على (ع) لان آلهيته تعالى شأنه ظهرت بهما { وما يخدعون } قرء يخدعون بالبناء للفاعل والمفعول ويخادعون كذلك ويخدعون من التفعيل ويخدعون من الافتعال { إلا أنفسهم } فانهم بمخادعة الرسول والمؤمنين يضرون بأنفسهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعا لأنهم ينزلون أنفسهم عن مقاماتهم الانسانية المقتضية للصدق والمحبة والانس الى الشيطانية المقتضية للكذب والبغض والتوحش ويقطعون عما يجب ان يوصل ويصلون الى ما يجب ان يقطع منه من الرسول والشيطان، والنفس تطلق على ذات الشيء وعلى النفس الانسانية التى هى النفس الحيوانية المستضيئة بنور العقل؛ ويجوز ارادتهما من الانفس هاهنا، وعلى النفس الحيوانية، وعلى النفس النباتية، وعلى الدم لمناسبة ما بين تلك الانفس والدم، وعلى مراتب النفس الانسانية من الأمارة واللوامة والمطمئنة، واما تفسيرها بالامام فى أمثال:
" من عرف نفسه فقد عرف ربه، وأعرفكم بنفسه أعرفكم بربه "
، واعرف نفسك تعرف ربك؛ فانما هو لكون الامام ذات كل شيئ ولا سيما ذات من بايع معه وقبل ولايته { وما يشعرون } ما يعلمون او يتفطنون او يحسون بالمدارك وكأنه اراد به احد المعنيين الاخيرين حتى يكون مع ما يأتى من قوله ولكن لا يعلمون تأسيسا، وكثيرا ما يستعمل الشعور فى الالتفات الى المدرك، والمقصود ان خداعهم لأنفسهم من كثرة ظهوره كأنه محسوس بالحواس الظاهرة، وعدم ادراكهم له مع ظهوره من عدم التفاتهم وشعورهم مثل من يقع ابصاره على المرئى لكن لشدة اشتغال النفس بامر آخر لا يشعر بادراكه ولم يأت هاهنا باداة الاستدراك كما أتى بها فيما بعد من قوله ولكن لا يشعرون وقوله { ولكن لا يعلمون } لانه تعالى جرى فى مخاطباته على طريقة المخاطبات الانسانية والاغلب ان المتكلم فى اول ذكر ذمائم المذموم لا يكون غضبه شديدا فلا يناسبه البسط والتأكيد والتغليظ ولذا لم يؤكد الكلام السابق عليه بخلاف ما يأتى، والمخاطب فى اول الكلام يكون خالى الذهن عن الرد والشك والقبول وعن توهم الخلاف والوفاق فلا يناسبه التأكيد واداة الاستدراك أيضا.
[2.10]
{ في قلوبهم مرض } مستأنفة جوابا عما ينبغى ان يسأل عنه من حالهم او من علة مخادعة الله او علة عدم الشعور او مستأنفة للدعاء عليهم او حال من فاعل الفعل الاول او الثانى او الثالث، والمرض علة فى الحيوان لا تلائم مزاجه الطبيعى واهل الحس خصصوه بما فى بدن الحيوان ولا اختصاص له به بل يعمه وما فى نفسه من الاعراض الغير الملائمة لمزاجها الالهى لان كل ما يخرج نفس الانسان عما هى عليه بحسب التكوين والتكليف فهو مرضها وقد مضى ان للقلب اطلاقات عديدة والمراد بالقلوب هنا اما القلوب الصنوبرية الجسمانية فانها لشدة غيظهم وحقنهم دمائها فى شدة الغليان او من شدة خوفهم دمائها فى عدم الغليان وكلاهما غير ملائم لمزاجها او القلوب المعنوية وامراضها بجملة الرذائل الشيطانية.
{ فزادهم الله مرضا } دعاء او اخبار، وازدياد مرضها بازدياد بعدها عن الخصائل وتمكنها فى الرذائل { ولهم عذاب } دعاء او اخبار { أليم } صيغة مبالغة من الم اذا وجع، وتوصيف العذاب بالاليم مجازا للمبالغة فى شدته كأن العذاب من شدته متعذب بنفسه، ويجوز ان يراد معنى المولم مثل ارادة المطهر من الطهور لان المبالغة فى مثله تقتضى التعدى الى الغير وهذا أبلغ من الاول لانه يفيد تألم العذاب بحيث يقتضى تألمه الم الغير بتألمه { بما كانوا } بكونهم او بشيئ او بالذى كانوا { يكذبون } قرئ بالتخفيف وبالتشديد من كذبه اذا نسبه الى الكذب او من كذب اللازم للمبالغة او التكثير والكذب كالصدق يستعمل كثيرا فى الاقوال لكن لا اختصاص له بها بل كل فعل او حال او خلق او شأن يصدر من الانسان يكون مطابقا لما يقتضيه حقيقة الانسانية فهو صدق، وكلما لم يكن كذلك فهو كذب.
[2.11]
Bog aan la aqoon
{ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } عطف على " يكذبون " او على " فى قلوبهم مرض " او على " يخادعون الله " او " يقول آمنا بالله " والافساد تغيير الشيئ عما هو عليه او منعه عن كمال يقتضيه والمراد بالارض اعم من ارض العالم الكبير او الصغير والخروج عن طاعة العقل والامام افساد فى العالم الصغير ويؤدى الى الافساد فى الكبير والى الافساد الكبير الذى هو الاستهزاء بالامام وقتله، وما نسب الى سلمان رضى الله عنه: ان اهل هذه الآية لم يأتوا بعد؛ يدل على ان الآية نزلت فى منافقى الامة بعد النبى (ص).
{ قالوا إنما نحن مصلحون } فان منكرى التوحيد او الرسالة او الولاية يظنون الخير والصلاح فى فعلهم لا الشر والفساد فان كل ذى شعور يقصد بفعله خيره وصلاحه كما نسب الى بعض الصحابة انه علل منع خلافة على (ع) بأنه قليل السن كثير المزاح.
ولما زعموا انهم مصلحون فى فعلهم وسمعوا نسبة الافساد اليهم نسبوا الاصلاح الى انفسهم بطريق قصر شؤنهم عليه مؤكدا باسمية الجملة وان وافادة الحصر.
[2.12]
{ ألا إنهم هم المفسدون } قابل انكارهم المؤكد باسناد الافساد اليهم مؤكدا باداة الاستفتاح وان واسمية الجملة وضمير الفصل وافادة الحصر وأتى فى مقابلة حصرهم شؤنهم فى الاصلاح بحصر شؤنهم فى الافساد { ولكن لا يشعرون } اتى هاهنا باداة الاستدراك لاقتضاء المقام استدراك توهم الخلاف والبسط فى الكلام كما مضى آنفا.
[2.13]
{ وإذا قيل لهم آمنوا } لما كان القائل هو الرسول او المؤمنين اشار تعالى شأنه الى أن الناصح لهم جمع بين وصفى التحذير والترغيب والانذار والتبشير وانهم ردوا عليه كلا شقى نصحه والمراد بالايمان الايمان بالرسول (ص) بالبيعة العامة مع تواطؤ القلب واللسان او الايمان بعلى (ع) { كمآ آمن الناس } بالبيعة مع محمد (ص) او على (ع) مع تواطؤ القلب والعزم على الوفاء بما أخذ عليهم من الشروط والمواثيق ويجوز ان يراد بالايمان فى قولهم " آمنا بالله " الاذعان او التصديق وان يراد به هاهنا ايضا ذلك لكن الايمان اذا اطلق فى الكتاب والسنة يراد به البيعة العامة او الخاصة او ما بعد التوبة من أجزاء البيعة او الحالة الحاصلة بالبيعة واما محض الاقرار بالتوحيد والرسالة فلم يكن يسمى بالايمان حالة حياة الرسول (ص) وما نقل فى تفسير الامام يدل على أن المراد به البيعة مع على (ع). { قالوا } مع نظرائهم من المنافقين لا مع المؤمنين والناصحين فانهم لمخادعتهم للمؤمنين واخفاء حالهم عنهم لا يكاشفون بمثل هذا الجواب معهم { أنؤمن } انكارا لصدور مثل ايمان المؤمنين الذين هم سفهاء بظنهم عن مثلهم { كمآ آمن السفهآء } السفيه غير الرشيد وهو المحجور عليه الذى يحتاج الى القيم، ويطلق على خفيف العقل الذى لا يكون افعاله على ما ينبغى ولا يكون مبذرا ولا منميا لما له كما ينبغى، ويطلق على من لا يعرف الحق ولا ينقاد تحت حكم حاكم الهى، وكثيرا ما يستعمل فى الآيات والاخبار بهذا المعنى، ولما رأوا المؤمنين على حالة لا يرتضيها عقولهم الشيطانية مع انقيادهم ظاهرا وباطنا لمحمد (ص) او على (ع) وعدم قدرتهما بزعمهم على محافظة اتباعهما من اعدائهم سموهم سفهاء ، ولما كان اتباع المؤمنين وانقيادهم لخليفة الله هو مقتضى العقل ومقتضى معرفة الحق وخروج المنافقين عن الانقياد والخديعة مع العباد خروجا عن مقتضى العقل السليم وعن مقتضى معرفة الحق حصر تعالى شأنه السفاهة فيهم مؤكدا بالتأكيدات العديدة حصر قلب ليفيد نفيها عمن نسبوها اليهم فقال { ألا إنهم هم السفهآء ولكن لا يعلمون } قد مضى وجه الاتيان بأدوات التأكيد واداة الاستدراك.
[2.14]
{ وإذا لقوا الذين آمنوا } كانت الفقرتان الاوليان لبيان حالهم فى أنفسهم وأنهم باعجابهم بأنفسهم وارتضائهم لافعالهم لا يسمعون نصح الناصح وهاتان لبيان حالهم مع المؤمنين والكفار وبيان خديعتهم للمؤمنين { قالوا آمنا } بالجملة الفعلية الخالية عن المؤكدات لايهام ان ايمانهم لا ينبغى ان ينكر او يشكك فيه ولعدم مساعدة قلوبهم على المبالغة والتأكيد { وإذا خلوا إلى شياطينهم } جمع الشيطان والشيطان معروف، وتسمية الانسان شيطانا اما لصيرورته مظهرا للشيطان ومسخرا تحت حكمه، او للمشاكلة والمشابهة، او لكون الانسان احد مصاديقه باعتبار معناه اللغوى فانه مشتق من شطن اذا بعد لبعد شياطين الجن والانس عن الخير، او من الشطن بمعنى الحبل الطويل المضطرب، او من شاط اذا بطل لبطلانهم فى ذواتهم فعلى هذا كان نونه زائدة { قالوا إنا معكم } فى الدين والاعتقاد اكدوا الحكم لتوهم انكاره او الشك فيه من شياطينهم لمخالطتهم مع المؤمنين ولنشاطهم فى اظهاره فان نشاط المتكلم فى الحكم يدعوه الى المبالغة والتأكيد، ولهذا لم يكتفوا بهذا القدر وبسطوا فى الكلام وقالوا مؤكدين بتأكيدات قاصرين شأنهم قصر القلب او الافراد { إنما نحن مستهزئون } الاستهزاء معروف وان كان بحسب حال المستهزء والمستهزء به من حيث الاستهزاء محتاجا الى شرح وتفصيل وكيف كان فالاستهزاء المنسوب الى الله كان مجازا.
[2.15]
Bog aan la aqoon