Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Noocyada
فان الاولى تسمى بالعبودية لخروج السالك فى تلك المرتبة من انانيته ومالكيته وحريته من اسر نفسه، وبالولاية لظهور ولاية الله وسلطانه هنالك الولاية لله مولاهم الحق ومحبته الخالصة ونصرة الله له وقربه منه، وبالامامة لوقوعه امام السالكين، وبالفقر لظهور افتقاره الذاتى حينئذ وغير ذلك من الاوصاف والثانية تسمى بالامامة لوقوع العبد فيها امام الكل ايضا، ولكونها امام النبوة والرسالة وبمقام التحديث والتكليم لتحديث الملائكة للعبد فيها من غير رؤيتهم نوما ويقظة، وبالولاية لما ذكر فى المقام الاول وغير ذلك من الاسماء كالصحو بعد المحو والبقاء بعد الفناء والبقاء بالله، والثالثة تسمى بالنبوة لكون العبد فيها خبيرا من الله ومخبرا عنه والعبد فى تلك المرتبة يسمع صوت الملك فى النوم واليقظة ويرى فى المنام شخصه ولا يرى فى اليقظة ويسمى فى تلك المرتبة اخبار الملائكة وتلقى العلوم من دون اخبار الملائكة بالوحى والالهام لا بالتحديث والتكليم للفرق بينهما وبين سابقتها، بانه ليس فى السابقة الا التحديث من دون مشاهدة الملك المحدث من الله، والرابعة تسمى بالرسالة لرسالة العبد فيها من الله الى الخلق وفيها يرى العبد ويسمع من الملائكة يقظة ونوما ويسمى ما به رسالته الى الخلق شريعة وسنة ومن هاهنا يعلم وجه ما ورد فى اخبار كثيرة من الفرق بين الرسول والنبى (ص) والمحدث او الامام: بأن الرسول يسمع من الملك ويرى شخصه فى المنام ويعاينه فى اليقظة، والنبى يسمع ويرى فى المنام ولا يعاين، فان المحدث كما علمت هو الذى يبقى بعد فنائه من غير رجوع الى مملكته ومن غير احياء لاهل مملكته بالحياة الملكية الاخروية حتى يصير اهل مملكته اسناخا للملائكة فلم يكن له مدرك ملكى حتى يدرك شيئا منهم لكن السامعة لقوة تجردها وموافقتها لذات الانسان كأنها لا تنفك عنه فاذا استشعر بذاته بعد صحوه استشعر بالسامعة ايضا وحييت بحياته الاخروية، واذا استشعر بالسامعة سمع بقدر استشعاره من الملك والنبى هو الذى رجع بعد حياته الى مملكته واحيى الله تعالى له اهل مملكته بالحياة الثانية الاخروية المناسبة لاهل الآخرة من الملائكة من وجهتهم الاخروية لا من وجهتهم الدنيوية فيرى فى المنام يعنى بالوجهة الاخروية للباصرة ويسمع فى النوم واليقظة لقوة تجرد السامعة ومناسبتها لاهل الآخرة ولا يعاين ولا يلامس، والرسول هو الذى رجع بعد رجوعه الى مملكته الى خارج مملكته لاصلاح اهل العالم الكبير ولا بد ان يكون اهل مملكته مناسبين لاهل الآخرة من الوجهة الاخروية والوجهة الدنيوية حتى يتم له الدعوة بالوجهة الدنيوية فيسمع ويرى ويشم ويذوق ويلامس فى النوم واليقظة، ولا يذهب عليك ان المراد بالرسالة اعم من الرسالة وخلافتها، والمراد بالنبوة أعم من النبوة وخلافتها حتى يشكل عليك ما ورد من الائمة (ع) ان الملائكة يطأون بسطنا، ويلاعبون اطفالنا، ويصافحوننا، ونلتقط زغب الملائكة، وانهم يزورون فى ليلة القدر ولى الامر، بل نقول: ان السالك الناقص قد يطرأ عليه تلك الحالات من الافاقة والرجوع الى مملكته والى مملكة الخارج بل التكميل لا يتم الا بطرو تلك الاحوال، فالنبى والرسول لا بد لهما من حفظ مراتب كل من اهل الملك الصغير او الكبير ومراعاة حقوقهم وابقاء كل بحيث يرجع الى الله والنهى عن تضييع الحقوق وتعطيلها وافناء اهلها ومنعهم عن السير الى الله والامر بما يوجب حفظ الحقوق وما يعين على السير المزبور.
والانسان خلق ذا مراتب عديدة وفى كل مرتبة منها له جنود وكل منها فى بقائه محتاج الى اشياء ففى مرتبته النباتية والحيوانية يحتاج قواه النباتية والحيوانية وبقاء بدنه وبقاء نفسه النباتية والحيوانية والانسانية الى المأكول والمشروب والملبوس والمسكن والمركوب والمنكوح، وفى التوانى فى كل منها تضييع لحق ذى حق او افناء لذى حق، وفى الافراط فيها تعطيل لحقها ولحق المراتب الاخر ايضا فالرسول لا بد ان ينهى عن لطرفين ويأمر بالوسط فيها مثل قوله تعالى: { كلوا } فانه امر بالأكل ونهى عن تركه، { ولا تسرفوا } فانه نهى عن الافراط، وهكذا الحال فى الجميع ولما كان الانسان بالفطرة جاذبا لما يحتاج اليه دافعا لمن منعه عنه فلو لم يكن قانون يرجع الكل اليه فى الجذب والدفع وقع التدافع بينهم بحيث يكون تضييع الحقوق وافناء ذوى الحقوق اكثر من ترك الجذب والدفع فلا بد ان يؤسس الرسول (ص) قانونا يكون ميزانا للجذب والدفع، وان يؤسس لتأديب من خرج من ذلك القانون قانونا وان يمنع عن جذب ما فى يد الغير بلا عوض وبما فيه خديعة الناس فانها من رذائل النفس المانعة عن سيرها الى الله، وبما فيه ذلة النفس مثل التملق والسؤال والسرقة وغير ذلك مما فيه رذيلة من الرذائل، وبما فيه تعطيل الارض عن التعمير وبما فيه افناء المال رأسا، والقمار فيه خديعة { الناس } وتعطيل الارض وافناء المال من احد الطرفين رأسا بلا عوض، وفى مرتبة الانسانية خلق ذا قوة عاقلة مدبرة لامور أهل مملكته مسخرة للواهمة المسخرة للخيال المسخر للمدارك والقوى الشوقية المسخرة للقوى المحركة المسخرة للاعصاب والاوتار والعضلات والاعضاء فهو محتاج الى بقاء العاقلة بهذه الكيفية حتى يحفظ الحقوق فالرسول (ع) لا بد ان يأمر بما يحفظ هذه الكيفية بحيث يؤدى بالانسان الى السلوك الى الله وينهى عما يزيل تلك الكيفية، والمسكرات تماما لما كانت مزيلة لتسخير العاقلة كان شأن الرسول (ع) النهى عنها كما ورد: انه لم يكن شريعة من لدن آدم (ع) الا كانت ناهية عن الخمر، وفى زوال تدبير العاقلة وتسخيرها مفاسد عديدة ولذا سميت الخمر بأم الخبائث ولكن فيها منافع عديدة من تسمين البدن وتحليل الغذاء وجلاء الاعضاء وتفتيح السدد وتشحيذ الذهن وصفاء القلب وتهييج الحب والشوق وتشجيع النفس ومنع الشح عنها وغير ذلك.
بيان حرمة شرب دخان الافيون
واما شرب دخان الافيون الذى شاع فى زماننا فان فيه ازالة التدبير العاقلة وتسخيرها تدريجا بحيث لا يعودان، بخلاف ازالة الخمر فان عاقلة السكران بالخمر بعد الافاقة فى غاية التدبير وسائر القوى فيه فى غاية القوة والسرعة فى امتثال امر العاقلة، وبشرب دخان الافيون ينبو العاقلة عن التدبير ذاتا وينبو الواهمة التى خلقت مدركة للمعانى الجزئية لان تدرك الالام واللذات الاخروية لتحرك الشوقية للتحريك الى الآخرة عن ادراك المعانى، والمتخيلة التى خلقت متصرفة فى المعانى والصور بضم بعضها الى بعض لاستتمام الجذب والدفع فى معاشه ومعاده والخيال الذى خلق حافظا للصور لحسن تدبير المعاش وتحصيل المعاد وحسن المعاملة مع العباد، والشوقية التى هى مركب سيره الى الآخرة ومعينة امره فى الدنيا والمحركة التى هى مركب الشوقية والاعصاب التى هى مركب المحركة وفى نبو كل تعطيل لحقوق كثيرة؛ على ان فيه اضرارا بالبدن واتلافا للمال، واضرار البدن محسوس لكل احد بحيث يعرفون بسيماهم لا يحتاجون الى معرف وسببه ان دخان الافيون بكيفيته ضد للحياة وانه مطفئ للحرارة الغريزية مجفف للرطوبة الغريزية مسدد لمسام الاعضاء التى تنشف الرطوبات الغريبة والرطوبة الغريزية معينة ومبقية للحرارة الغريزية التى هي معينة للحياة ومبقية لها والرطوبة الغريبة مفنية للحرارة الغريزية وان الله تعالى بحكمته جعل جزء الرئة جسما متخلخلا ذا مسام لينشف الرطوبات الحاصلة فى فضاء الصدر من الابخرة المتصاعدة من المعدة والكبد والقلب حتى لا تجتمع تلك الرطوبات فتتعفن فتصير سببا للبرسام والخراج وذات الجنب وذات الصدر وذات الكبد وذات الرئة، ودخان الافيون يجعل الرئة متكاثفة ومسامها ضيقة فلا تنشف الرطوبات كما ينبغى فيحدث الامراض المذكورة، ولقد شاهدنا كثيرا من المبتلين به قد ابتلوا بهذه الامراض وهلكوا، ففى دخان الترياق مفاسد الخمر موجودة وفيه مضار اخر عوض المنافع التى ذكرت فى الخمر فهو أشد حرمة بوجوه عديدة من الخمر فلعنة الله عليه وعلى شاربه.
والاثم قد يطلق على ارتكاب المنهى وهو الاثم الشرعى وقد يطلق على ما فيه منقصة النفس وهو المراد هاهنا لان الآية من مقدمات النهى لا انها نزلت بعد النهى عن الخمر والميسر وقد بينا وجه منقصة النفس الانسانية بارتكابهما، وشأن نزول الآية والاخبار الواردة فيها مذكورة فى المفصلات من أرادها فليرجع اليها.
{ ويسألونك } اتى باداة الوصل لمناسبته مع سابقه بخلاف { يسألونك عن الخمر والميسر } { ماذا ينفقون قل العفو } والعفو ترك تعرض المسيء بالسوء، او الصفح وتطهير القلب من الحقد عليه، وأطيب المال وخياره، وفضله وزيادته عن الحاجة، والمعروف والوسط بين الاقتار والاسراف، والميسور لا المجهود، وما يفضل عن قوت السنة، والكل مناسب يجوز ارادته هاهنا { كذلك } التبيين للمنفق بحيث لا يفسد مال المنفق ولا نفسه { يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } متعلق بقوله تتفكرون اى فى امر الدنيا وشأنها فان فى مثل هذه الآيات والاحكام الشرعية حفظا للدنيا من وجه وطرحا لها من وجه وتوجها الى الدنيا بوجه والى الآخرة بوجه ولكن يستفاد من كل ما ورد فى امر الدنيا وتحصيلها وحفظها ان المراد منه ليس الا استكمال الآخرة باستبقاء الدنيا فشرع لكم الاحكام القالبية بحيث اعتبر فيها الدنيا تقدمة للآخرة واخذها تقدمة لطرحها والآخرة اصلا ومقصودة لعلكم تتفكرون فى امرهما فلا تتعلقون بالدنيا ولا تغفلون عن الآخرة، او لعلكم تتفكرون فى دنيا الاحكام وآخرتها يعنى فى جهتها الدنيوية وجهتها الاخروية حتى تعلموا ان جهتها الدنيوية ليست منظورا اليها الا مقدمة لجهتها الاخروية، او الظرف متعلق بقوله يبين { لعلكم تتفكرون } جملة معترضة اى يبين الله لكم الآيات والاحكام فى امر الدنيا وفى امر الآخرة.
{ ويسألونك عن اليتامى } اى عن امر اليتامى والقيام بأمرهم وأموالهم ومخالطتهم فانه ليس المقصود السؤال عن ذوات اليتامى فانه كما قيل وروى بعد نزول قوله:
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
[النساء:10]، وقوله تعالى:
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن
Bog aan la aqoon