فقوله تعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أي: أن الجُلود عندما تَسمَع آياتِ الوعيد والتَّخويف تَرتَعِد وتَخاف وتَضطَرِب، وقد كان بعض السلَف يَمرَض أيَّامًا حتى يُعاد إذا سمِع بعض الآيات، كما جرى ذلك لأميرِ المُؤمِنين عمرَ بنِ الخَطَّاب ﵁ حين تَلا قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطور: ٧، ٨]، فمَرِض أيامًا حتى عادَه الناس (١).
وقوله تعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ الذين يَخشَوْنه، أي: يَخافونه مع العِلْم بعظَمته وجَلاله؛ لأن الخَشْية لا تَكون إلَّا بعِلْم كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨].
وقد فرَّق العُلَماء ﵏ بين الخَشْية والخوف بوُجوهٍ:
أوَّلًا: أن الخَشْية تَكون مَقرونةً بعِلْم.
وثانيًا: أن الخَشْية تَكون من عظَمة المَخشيِّ وإن كان الخاشِي عظيمًا.
أمَّا الخوف فيَكون من ضَعْف الخائِف، وإن كان المَخوف منه غيرَ عَظيم.
فهذان فَرْقان بين الخَشية وبين الخَوْف؛ فالخَشْية تَكون بعِلْم، والخَوْف قد يَكون بوَهْم: فإنه قد يَرى الإنسان شبَحًا من بُعْدٍ ويَخافه وليس بشيء.
وقوله تعالى: ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ هذه الرُّبوبيةُ من الرُّبوبية الخاصَّة التي مَنَّ الله تعالى عليهم بها بالخَشْية التي أَلقاها في قُلوبهم.
وقوله تعالى: ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ تَلين أي: تَطمَئِنُّ وتَهدَأ بعد القَشعريرة، فتَلين أي: تَطمَئِنُّ وتَهدَأ ﴿إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: