﷾: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ﴾
وقوله تعالى: ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾، أمَّا ﴿أَحْسَنَ﴾ فهي اسمُ تَفضيل من الحُسْن، والحُسْن يَتضمَّن حُسْن الأُسلوب وحُسْن المَوْضوع، ويَشمَلهما قوله تعالى: ﴿أَحْسَنَ﴾ يَعنِي: أحسَن في أُسلوبه، وأَحسَن في مَوْضوعه:
أمَّا الأُسلوب فأَنْ يَكون مُطابِقًا للبلاغة في غايتها؛ إيجازٌ في مَوْضِع الإيجاز، وإطنابٌ في مَوْضِع الإطناب، وتَوْكيدٌ في مَوضِع التَّوْكيد، وتَخليةٌ من التَّوكيد في مَوْضِعٍ يَقتَضي ذلك، وهُلمَّ جرًّا.
وأمَّا ﴿أَحْسَنَ﴾ في المَوْضوع، فلأَنَّ مَوْضوعه أخبارٌ وأحكام، فالأَخْبار أَحسَنها أَصدَقها، وأَنفَعها في العِبْرة، والأَحكام أَحسَنها أَعدَلُها، وأَقومُها بمَصالِح العِباد، والقُرآن الكريم مُتضمِّنٌ للأَحْسَنَيْن الأُسلوب والمَوْضوع.
وقوله ﵀: [﴿كِتَابًا﴾ بدَل من ﴿أَحْسَنَ﴾]، أو عَطْف بَيان، فتكون عَطْف بَيان إذا جعَلْنا ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ شَيئًا واحِدًا، وتَكون بدَلًا إذا جعَلْنا ﴿كِتَابًا﴾ مُستَقِلًّا عن ﴿مُتَشَابِهًا﴾.
فيَصِحُّ أن نَقول: بدَلًا أو عَطْف بَيان بشَرْط أن يُوصَل بما بعدَه ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾؛ وذلك لأن عَطْف البَيان يَكون مُبيِّنًا للمَعطوف عليه؛ ولهذا سُمِّيَ: عَطفَ بَيانٍ، ولا يَكون مُبيِّنًا إلَّا إذا جعَلْنا كلِمة (مُتَشابِهًا) صِفةً لازِمة.
و﴿كِتَابًا﴾ أي: مَكتوبًا؛ لأن صيغة فِعال تَأتي بمَعنَى مَفعولٍ كثيرًا، ومنه: الغِراس، والبِناء، والكِساء، والفِراش، والوِطاء، وأَمثِلةُ هذا كَثيرة في اللغة العربية.
و﴿كِتَابًا﴾ بمَعنَى: مَكتوبٍ، والقُرآن مَكتوب في ثلاثة أشياءَ: في اللَّوْح