الوجهُ الثالثُ: أننا نسْلَم مِنْ دَعْوى أن اللَّه ﷿ لم يُمْهِلْهُمْ وليس عندنا عِلْمٌ بذلك.
وقوله ﷾: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾ أبلغُ من قوله: أصَابتُهْم؛ لأن الأخذَ دِليلٌ على أنه لا هَوادَةَ فيه وأَنَّه مُدَمِّرٌ.
وقَال المُفَسِّر ﵀: [﴿الرَّجْفَةُ﴾ الزَّلْزلَةُ الشَّدِيدَةُ]: وفي سورة هودٍ أخَذَتُهُم الصَّيْحَةُ، قال ﷾: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ [هود: ٩٤ - ٩٥]، ولا تَنَافي بينهما لإمكان اجتماعِهِمَا، إذ يكونُ العذابُ بالصَّوتِ، أي: بالصَّيْحَةِ، ثم رجَفتْ بهم الأرْضُ، فيكون العذابُ بالأمرين جميعًا.
قوله: ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ (الفاء) نقول: إنها عاطِفَةٌ، ويجوز أن تكون سَبَبِيَّةً.
وقوله: ﴿جَاثِمِينَ﴾ بالنَّصْبِ خبرُ (أصبح).
في هذه الآية قال: ﴿فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾، وفي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿دِيَارِهِمْ﴾، ولا منافاةَ، وذلك لأن (دارَ) مُفردٌ مضافٌ والمفردُ المضافُ يَعُمُّ، ومثالُهُ من القرآنِ قوله ﷿: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤]، ﴿نِعْمَتَ﴾ مفردٌ، ودَليلُ إفادَتِها العموم قوله ﷾: ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ وكذلك الجمعُ في قولِهِ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا﴾.
وقوله ﷿: [﴿جَاثِمِينَ﴾ بارِكِينَ عَلى الرُّكبِ مَيِّتِينَ]: فلِشِدَّة ما نزلَ بهم بَرَكُوا على رُكَبِهِمْ، ثم هَمَدوا وصارُوا جاثِمِينَ.