43

Tafsir Al-Quran Al-Karim - Al-Muqaddam

تفسير القرآن الكريم - المقدم

Noocyada

تفسير قوله تعالى: (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون)
يقول ﷿: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة:١٥].
(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) يعني: الله ﷾ يسخر بهم.
قوله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾ يعني: يزيدهم على وجه الإملاء والاستدراج والترك لهم في عتوهم وتمردهم، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام:١١٠].
والطغيان هو: مجاوزة الحد، والشاهد من القرآن قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة:١١] ومنه أيضًا كلمة الطاغوت.
قوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ ذكر الله سبحانه أنه يستهزئ بهم، لكن لم يبين هنا تفاصيل هذا الاستهزاء، وقد بينه في سورة الحديد في قوله ﵎: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد:١٢ - ١٣] فهذا هو استهزاء الله ﵎ بهم جزاء وفاقًا، والجزاء من جنس العمل.
قوله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ العمه بالهاء مثل العمى؛ لكن الفرق أن العمى عام في البصر وفي الرأي، أي: العمى في البصيرة وفي البصر، أما العمه فهو خاص بالرأي، وهو التحير والتردد لا يدري أين يتوجه؛ ولذلك يقول: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي: يزيدهم حيرة وترددًا وضلالًا.
قوله: (في طغيانهم) فيه إشارة إلى أن هذا الطغيان غمرهم دنسُه وعلاهم رجسُه، حتى غرقوا في هذا الطغيان، فهم يترددون حيارى ضلالًا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلًا، حيثما يمموا لا يرون إلا هذا الضلال، وهذا التردد، وهذا الطغيان!

3 / 11