[البقرة:24].
ألا ترى أن النار قد يتخذ دواء لبعض الأمراض في الدنيا، فهي وقاية وهو الداء الذي لا يشفى إلا بالكي من النار.
فكما جعل الله النار وقاية في هذا الموطن من داء هو أشد منها في حق المبتلى به فكذلك جعل في الآخرة النار دواء كالكي من داء، وأي داء أكبر من الكبائر، فدفع بدخولهم يوم القيامة داء عظيما أعظم من النار، وهو البعد عن حضرته، كما في الحدود الدنيوية وقاية من عذاب الآخرة.
وأما النوع الثاني، وهو التطهير، فمثاله لو أن ذهبا مزج برصاص ونحاس لمصلحة لا يمكن حصولها إلا بالمجموع ثم إذا انقضى الوقت المراد لأجله هذا الجمع والتركيب، وحصل المطلوب، وقصد تميز الذهب مما مازجه من غير جنسه، لا بد وأن يجعل في النار الشديدة لينفرد الذهب عن غير جنسه، ويظهر كماله الذاتي، ويذهب ما جاوره مما لم يطلب لنفسه وإنما اريد لمعنى فيه يتصل بالذهب، وقد اتصل، كماء الورد، كان أصله ماء فعاد الى أصله لكن بمزيد عطرية وكيفيات مطلوبة.
وهكذا الأمر في الغذاء، توصله الغاذية، وتضمه الى الإنسان، فإذا استخلصت الطبيعة منه المراد، رمت بالثفل إذ لا غرض فيه، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون
[الأنفال:37].
وقال أيضا في هذا المعنى ببيان أوضح وأتم تفصيلا:
أنزل من السمآء مآء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغآء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفآء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى
[الرعد:17 - 18]. الآيات، فتدبر.
Bog aan la aqoon