93

ومسافر بينهما ليست له رفاهية صاحب الجنة، ولا عذاب صاحب النار التي منزله، فهو بين راحة وتعب، فهي الطائفة التي تخرج من النار بشفاعة الشافعين، وبإخراج أرحم الراحمين.

وهم على طبقات بقدر ما يبقى عنهم من التعب فيزول في النار شيئا فشيئا، فإذا انتهت مدته، خرج الى الجنة وهو محل الراحة.

وآخر من بقي هم الذين ما عملوا خيرا قط، لا من جهة الايمان، ولا بإتيان مكارم الأخلاق، غير ان العناية سبقت لهم أن يكونوا من أهل تلك الدار وهم من أهل الدار، الذين هم أهلها، فغلقت الأبواب، واطبقت النار، ووقع اليأس من الخروج، فحينئذ تعم الراحة لأهلها، لأنهم قد يئسوا من الخروج منها كما يئس الكفار من أصحاب القبور.

وقد جعلهم على مزاج يصلح ساكن تلك الدار، فلما يئسوا فرحوا، فنعيمهم هذا القدر، وهو أول نعيم يجدونه، وحالهم فيها كما قدمنا بعد فراغ مدة الشقاء، انهم يستعذبون العذاب فتزول الآلام، ويصير العذاب عذبا كما يستحلي صاحب الجرب من يحكه، هذا ما أدى اليه نظر صاحب المشرب الختمي والمقام الجمعي، حيث ذكر بعد ما نقلناه من مكاشفاته. فافهم نعيم كل دار تستعذبه إنشاء الله.

ألا ترى صدق ما قلناه، النار لا تزال متألمة لما فيها من النقص وعدم الإمتلاء حتى يضع الجبار قدمه فيها كما ورد في الحديث، وهي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي.

والاخرى التي مستقرها الجنة قوله:

وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم

[يونس:2] والاسم " الرب " مع هؤلاء، و " الجبار " مع هؤلاء الآخرين. لأنها دار جلال وجبروت وهيبة، والجنة دار جمال وانس ومنزل إلهي لطيف، وهما بأزاء القبضتين المذكورتين في الحديث القدسي: الواحد لأهل النار ولا يبالي، والآخرة لأهل الجنة ولا يبالي، لأن مآلهما الى الرحمة الواسعة.

ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة، ما وقع الأمر بالجرائم والحدود، ولا وصف نفسه بغضب، ولا البطش الشديد، فهذا كله من المبالاة والهم بالمأخوذ المحدود، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعذب، وقد قيل في أهل التقوى: إن الجنة اعدت للمتقين. وقال في أهل الشقاء:

أعد لهم عذابا أليما

Bog aan la aqoon