فمن كان خارجا عن هذا الباب، مقدسا عن طرفي هذا النفي والإثبات جميعا، وعن المداخلة والمزايلة رفيعا، فمناجاته بإحدى الظواهر والآلات أمحل المحالات، وأفحش الخرافات الموهومات.
فاذن قوله
" المصلي مناج ربه "
محمول على عرفان النفوس العرافة العلامة المجردة عن جهات الجسم والمكان، وحوادث الحركة والزمان.
فهم يشاهدون الحق مشاهدة عقلية، ويبصرون الإله ويبصرونه بصيرة نورية، ويسمعون كلامه سماعا قلبيا روحانيا.
تفريع
فعلى هذا ظهر ان الصلاة الحقيقية هي التي تليق أن يمدح الله بها المؤمنين المتقين المهتدين بأنوار معارف هذا القرآن، وهي التي تنهى عن فحشاء القوة الشهوية، ومنكر القوة الغضبية، وبغي القوة الوهمية، ويدفع آفات هذه الثلاث التي أولاها كالبهائم، ووسطاها كالسباع، وأخراها كالشياطين.
وذلك لأنها كما علمت، مكالمة عقلية مع الله عند مشاهدة قلبية له، أو هي التضرع بالنفس الناطقة نحو الله الحق والموجود المطلق، وجعلها بمنزلة يد باسطة إليه تعالى.
ولأصحاب العلوم الظاهرة من هذا حظ ناقص، وإن ارتفعوا عن منزل الأنعام قليلا، وارتفعوا عن درجة العوام يسيرا، وللمحققين قسم وافر ونصيب كامل من هذا البحر الزاخر، ولهم قرة أعين في الصلاة أخفيت عن أعين الناس، ومن كان حظه أكمل، فثوابه أجزل.
فالعاقل الحكيم، يتأمل سلوك طريق التعبد والمداومة على الصلاة، ويلتذ بمناجاة ربه لا بشخصه، وينطقه لا بنطقه، ويبصره لا ببصره، ويحسه لا بحسه.
Bog aan la aqoon