فعلى هذا يتبين وينكشف معنى ما ورد في الأذكار الشريفة الإلهية: يا هو، يا من هو يا من لا هو إلا هو، إذ قد ثبت أن الهويات الوجودية التي بعد مرتبة الهوية الإلهية، كما لا يمكن حصولها في الخارج منحازة عن الذات الأحدية، بل هي مقومة قوامها ومقررة حقائقها، كذلك لا يمكن للعقل أن يشير إليها إشارة عقلية أو حسية، بحيث تنالها الإشارة منحازة عن الإشارة إلى قيومها الأحدي، بل هو المشار إليه في كل إشارة، ولا إشارة إليه فيكون محدودا وهو المشهود في كل شهود ولا شهادة، وهو المنظور بكل عين، ولا نظر إليه فيكون محاطا به، وهو المسموع بكل سمع، ولا جهة له، وهو المعقول بكل عقل ولا اكتناه به،
فأينما تولوا فثم وجه الله
[البقرة:115]. فهو في كل مكان بلا مكان، وهو في كل زمان بلا زمان، فلا كيف لذاته، ولا علم بصفاته، ولا حين لزمانه، ولا كنه لشأنه، ولا حيث حيث هو، ولا أين أين هو، ولا متى حين هو، فهو هو، ولا هو إلا هو، ولا هو بلا هو إلا هو، ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو.
وصلى الله على سيد الورى محمد المصطفى وآله مفاتيح الهدى ومصابيح الدجى.
فصل
[الرحمن والرحيم]
الرحمان؛ فعلان، من رحم، كغضبان وسكران من غضب وسكر والرحيم؛ فعيل منه ايضا، كمريض وسقيم من مرض وسقم، فهما اسمان بنيا على صيغتين من صيغ المبالغة. وفي الفعلان من المبالغة ما ليس في الفعيل، يدل عليه زيادته في البناء، كما في كبار وكبار وشقدف وشقنداف، ولذلك يقال تارة: يا رحمن الدنيا والآخرة ، ورحيم الدنيا هذا بحسب الكيفية، ويقال تراة: يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، هذا بحسب الكمية، لأن رحمة الدنيا تعم المؤمن والكافر، ورحمة الآخرة تخص المؤمن، والرحمن من الصفات الغالبة كالدبران والعيوق والصعق ولهذا لم يستعمل في غير الله، كما ان الله من الأسماء الغالبة. وإطلاق بني حنيفة رحمن اليمامة على مسيلمة، وقع من باب التعنت في كفرهم، والسبب في ذلك أن معناه الحقيقي الأصلي: البالغ في الرحمة غايتها، وهذا المعنى لا يكون صادقا في حق غير الله، لأن ما سواه وإن فرض كونه راحما فليست رحمته بالغة حد الغاية، وهو ظاهر، لأن من عداه ناقص استفاض الرحمة منه أولا، ثم أعطى شيئا مما استفاضه، والحق الحقيق بالإذعان، إن اطلاقه على غيره مجاز رأسا بوجوه:
الأول: أن الجود إفادة ما ينبغي لا لعوض، وكل أحد غير الله لا يعطي شيئا إلا ليأخذ عوضا. لأن الأعواض والأغراض بعضها جسمانية، وبعضها حسية، وبعضها خيالية وبعضها عقلية.
فالأول: كمن أعطى دينارا ليأخذ ثوبا.
والثاني: كمن يعطى المال لطلب الخدمة أو الإعانة.
Bog aan la aqoon