189

يا أيها الذين آمنوا آمنوا

[النساء:136]. فإن الأول ايمان صوري دنيوي، والآخر معنوي أخروي.

ولما ثبت مما قررناه ان مراتب الإيمان متعلقة بمراتب العلم، ومتعاكسة كل منهما على الأخرى، فإن استشكل أحد على ما هو المختار عندنا، من أن الإيمان هو عبارة عن نفس التصديق والعرفان، وأن الأعمال خارجة عنه؛ بأنا لو فرضنا أن أحدا عرف الله بالدليل والبرهان، ولما تم له العرفان مات ولم يجد من الوقت ما يتلفظ فيه بكلمة الشهادة، أو وجد من الوقت شيئا لكنه لم يتلفظ فيه بها، ففي هاتين الصورتين إن حكمتم بأنه مؤمن، فقد حكمتم بأن الإقرار اللساني غير معتبر في تحقق الإيمان، وهو خرق الإجماع.

وإن حكمتم بأنه غير مؤمن، فهو باطل لما بين، ولقوله (صلى الله عليه وآله):

" يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان "

وهذا قلبه طافح بالإيمان فكيف لا يكون مؤمنا؟

فالجواب: بمنع ثبوت هذا الإجماع، والحكم بايمانه كما فعله حجة الاسلام الغزالي، فإنه منع من هذا الإجماع في الصورتين، وحكم بكونه مؤمنا، وأن الامتناع عن النطق يجري مجرى الأعمال التي يؤتى بها مع الإيمان.

أقول: لا يخفى عليك - بعدما تقدم من الكلام - أن الإيمان القلبي - لكونه كمالا عقليا وصورة باطنية - لا يحصل إلا عقيب الأعمال الشرعية، والأفعال الدينية، والرياضات السمعية، من القيام والصيام والعبادات والقربات، وهذه الأمور منوطة بالتسليم والانقياد لمن عنده الحجج والبينات، والإذعان والاعتراف بما أتى به القادة والرؤساء، من أولي الشرائع والآيات.

فالصورة المفروضة مما لا يمكن وقوعها عقلا وعادة، فلا تقدح في الإجماع. بل نقول: الإجماع إنما انعقد على كفر من كلف بالإيمان وإظهاره فلم يقبل، ولم يظهر الكلمة، وهذا مما لا شبهة فيه، فإنه إما بصدد الجحود والفتنة في الدين، وإفساد قاعدة المسلمين، وإما بصدد الإباحة والتعطيل، والخروج عن التكاليف الدينية، فعلى أي الوجهين يكون كافرا ظاهرا و باطنا.

تنوير عقلي

Bog aan la aqoon