ثم أضرب عن هذا المجال صفحا، وجعل " الم " جملة برأسها، أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها، " وذلك الكتاب " جملة ثانية، و " لا ريب فيه " ثالثة، " وهدى للمتقين " رابعة، قائلا: إنه أرسخ عرقا في البلاغة وموجب حسن النظم حيث جيء بأربع جمل متناسقة هكذا من غير حرف نسق، وذلك لمجيئها متآخية آخذا بعضها بعنق بعض، تعزز اللاحقة منها السابقة.
بيانه: أنه نبه أولا على أنه الكلام المتحدى [به]، ثم اشير اليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال، ثم نص على كماله بنفي الريب عنه، إذ لا كمال أعلى مما للحق واليقين، ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة.
ثم اكد كونه يقينا لا يحوم الشك حوله، وحقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بأنه هدى للمتقين، وبعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق، ونظمت هذا النظم السوي، حيث تستتبع كل واحدة منها ما يليها استتباع الدليل للمدلول، لم يخل كل واحدة من الأربع من نكتة جزيلة:
ففي الأولى: الحذف والرمز الى الغرض بألطف وجه.
وفي الثانية: ما في التعريف من الفخامة.
وفي الثالثة: تقديم الريب على الظرف حذرا عن ايهام خلاف المقصود.
وفي الرابعة: الحذف والتوصيف للبالغة بالمصدر، وايراده منكرا للتعظيم، وتخصيصه بالمتقين باعتبار الغاية، وتسمية المشارف بالتقوى متقيا ايجازا.
[2.3]
قوله جل اسمه:
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة
Bog aan la aqoon