[1 - سورة الفاتحة]
[1.1]
أعلموا - أيها المعتنون بفهم معاني الكتاب هداكم الله طريق الصواب - أن هاهنا أبحاثا لفظية بعضها متعلقة بنقوش الحروف وهيئآتها الكتبية، وصور الألفاظ وصفاتها السمعية، قد نصب الله لها أقواما من الكتاب والقراء والحفاظ، وجعل غاية سعيهم معرفة تجويد قراءتها وتحسين كتابتها وبعضها متعلقة بمعرفة أحوال الأبنية والاشتقاقات، وأحوال الإعراب والبناء للكلمات، وبعضها متعلقة بمعرفة أوائل مفهومات اللغات المفردة والمركبة.
وهذه كلها دون ما هو المقصد الأقصى والمنزل الأسنى. وقد بلغت في كل منها طائفة حد المنتهى، وعرجت فيها غاية المدى، قد نصبهم الله لكسب هذه العلوم الجزئية المتوقف عليها فهم حقائق القرآن، لتكون درجتهم درجة الخوادم والآلات لما هو بالحقيقة الثمرة والتمام، وما به كمال نوع الإنسان.
فاعلموا أن الكلام مشتمل على عبارة وإشارة، كما أن الإنسان متألف الوجود من غيب وشهادة، فالعبارة لأهل الرعاية، والاشارة لأهل العناية، فالعبارة كالميت المستتر فى طي الأكفان، والاشارة كاللطيفة الذاكرة العارفة التي هي حقيقة الإنسان، والعبارة من عالم الشهادة، والاشارة من عالم الغيب، والشهادة ظل الغيب، كما أن تشخص الإنسان ظل حقيقته.
أما أهل العبارة والكتابة، فقد صرفوا أعمارهم في تحصيل الألفاظ والمباني، وغرقت عقولهم في إدراك البيان والمعاني. وأما اهل القرآن والكلام وأهل الله خاصة بالمحبة الإلهية والجذبة الربانية والقرابة النبوية، فقد يسر الله لهم السبيل، وقبل منهم قليل العمل للرحيل، وذلك لخلوص نيتهم، وصفاء سريرتهم، فهم لا يحتاجون في فهم حقائق القرآن وغرائب معانيه إلى أن يخوضوا في البحث عن ظواهر ألفاظ الكلام وغرائب القرآن، وضبط هيئاته ومبانيه، وبصرف العمر في معرفة الاشتقاق والإعراب ليصيروا فرسانا في علم الإعراب، مقدمين في جملة الكتاب، ويفرغوا غاية جهدهم في الأوقات والأزمان في تحصيل ما يسمونه علم المعاني والبيان، وما يجري هذا المجرى في الرتبة والشأن، بل كفاهم طرف يسير من كل فن منها، وجرعة قليلة من كل دن من دنها، أخذا للزاد، وتعجيلا لسفر المعاد.
فمن أراد أن يقف على أنه لم طولت الباء في " بسم الله " ومدت السين؟ أو لم حذفت الألف في الخط هنا، واثبتت في قوله " باسم ربك " أو لم أسقطت الألف بعد اللام في " الله " أو هل تفخم لام الجلالة أم لا، فليرجع إلى أهل الخط والقراءة.
ومن أراد أن يقف على أن البسملة ما شأنها في أوائل السور الكريمة. هل هي هناك جزء من كل واحدة، أو أنها جزء من الفاتحة وحدها لا غير، أو أنها ليست جزء من شيء منها، بل هي آية فذة من القرآن، أو انزلت للفصل بها بين السور، أو أنها لم تنزل إلا بعض آية في سورة النمل، وليست جزء من غيرها، وإنما يأتي بها التالي والكاتب في أوائلهن تبركا باسمه تعالى.
أو أنها آيات من القرآن أنزلت بعدد السور المصدرة بها من دون الجزئية لهن، فليرجع إلى أصحاب النقل وأهل الرواية.
ومن أراد أن يعرف بم تعلقت الباء، وبأي محذوف ارتبطت، ولم قدر المحذوف متأخرا من قال: إن المراد بسم الله أقرأ أو أتلوا، وقد قدمه تعالى في قوله إقرأ باسم ربك وما معنى تعلق اسم الله بالقراءة. أو كيف يقدر كذلك والقائل هو الله أو كيف بنيت الباء على الكسرة ومن حق حروف المعاني التي جاءت على حرف واحد أن تبنى على الفتحة التي هي أخت السكون، نحو كاف التشبيه، ولام الابتداء، وواو العطف، وفائه، وغير ذلك، وأن كلمة الجلالة إسم هي أو صفة مشتقة، أم جامدة، فليرجع إلى مطالعة التفاسير المشهورة، سيما الكشاف، فإنه كامل في بابه فائق على أترابه، وإن لكل طائفة فيما يعدونه تقربا إلى الله وعبودية له رأيا ومذهبا، والكل باختلاف مشاربهم ومذاهبم إياه يطلبون، ونحوه يقصدون، وبما لديهم فرحون، وبما جاء به غيرهم - وإن كان على بينة من ربه - يستهزئون " وللناس فيما يعشقون مذاهب " إلا أن مذهب أهل الله شيء آخر، ودينهم دين خالص، بل لا مذهب لهم إلا الله ولا دين لهم سواه:
Bog aan la aqoon