" أحسن اليهما ولا تطعهما "
وقوله: { ووصينا الإنسان } أي أمرناه بوالديه أن يحسن إليهما { وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم } أي لا علم لك بالإلهية، والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: لتشرك بي ما لا يصح أن يكون إلها { فلا تطعهما } في ذلك { إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } من خير وشر { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين } في زمرتهم { ومن الناس من يقول آمنا بالله } الآية نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر فارتدوا، وقيل: نزلت في قوم ردهم المشركون إلى مكة، وقيل: هم أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا مسهم أذى من الكفار وهو المراد بفتنة الناس كان ذلك صرفا لهم عن الايمان كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر فإذا نصر الله المؤمنين وغنموهم اعترضوهم، وقالوا: { إنا كنا معكم } أي تابعين لكم في دينكم ثابتين عليه فأعطونا نصيبا من المغنم، ثم أخبر سبحانه بأنه أعلم { بما في صدور العالمين } من الإخلاص في الايمان والنفاق { وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين } وعيد لهم فعلم المؤمن مؤمنا لوجود الايمان ونعلم المنافق منافقا لوجود النفاق، وقيل: يميز الله المؤمن من المنافق، فوضع العلم موضع التمييز لأنه بالعلم يميز بينهم { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا } الآية نزلت في كفار قريش قالوا للذين أسلموا مثل حسان: إن كنتم تخافون العذاب فنحن نحمله عنكم، فنزلت الآية تكذيبا لهم، وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامة وجهلتهم { ولنحمل خطاياكم } أوزاركم وذنوبكم { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } لأن الله تعالى هو المعذب فلا يعذب أحدا بذنب أحد { إنهم لكاذبون } في قولهم { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } قيل: يحملون أوزارهم وخطاياهم في أنفسهم ويحملون الذين ظلموا بها غيرهم نحو قوله:
ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم
[النحل: 25] وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
" من سن سنة سيئة فعليه وزرها ومثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا ومن سن سنة حسنة فله أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا "
{ وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون } وذلك سؤال توبيخ وتبكيت لا سؤال استعلام، عما يفترون: يكذبون.
[29.14-23]
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } كان عمر نوح (عليه السلام) ألفا وخمسين سنة، قالوا: بعث على رأس أربعين سنة ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة، وعن وهب: أنه عاش ألف وأربعمائة سنة { فأخذهم الطوفان } ما أطاف أو أحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل ونحوها { وهم ظالمون } لأنفسهم { فأنجيناه وأصحاب السفينة } كانوا ثمانية وسبعون نفسا نصفهم ذكور ونصفهم إناث منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساءهم، وقيل: كانوا عشرة خمسة رجال وخمسة نسوة، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" كانوا ثمانية نوح وأهله وبنوه الثلاثة "
، ف { جعلناها } السفينة أو الجارية { آية } أي عبرة { للعالمين } للخلق على توحيد الله وصدق نبيه، ثم بين تعالى قصة إبراهيم فقال سبحانه: { وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه } يعني وحدوه واتقوا معاصيه، أو اتقوا عذابه { ذلكم } أي ما تؤمرون به من الدين { خير لكم إن كنتم تعلمون } وجه الدلالة والتفكر { إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا } واختلاقهم تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله وشفعاء إليه { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا } لأنها لا تقدر على شيء من النعم فلا تستحق العباده { فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه } وحدوه { واشكروا له إليه ترجعون } إلى حكمه تصيرون يوم القيامة { وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم } وإن يكذبوك بما جئت به { فقد كذب أمم } من قبلهم فأهلكوا { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } أي أداء الرسالة وبذل النصيحة والدعاء إلى الدين المبين الواضح الظاهر { أولم يروا } قيل: ألم يعلموا { كيف يبدئ الله الخلق } أي هلا تفكروا في ابتداء خلق الله { ثم يعيده إن ذلك على الله يسير } لا تعب عليه فيه ولا نصب فإن من قدر على ذلك قدر على إرسال الرسل والمعجزات { قل } يا محمد لهم { سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق } ما ينشأ من الأشجار والنبات وسائر الحيوانات وغيرها فمن قدر عليها قدر على الإعادة { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } يعيدهم بعد فنائهم { إن الله على كل شيء قدير } فيفعل ما يشاء { يعذب من يشاء } وهو من استحق العذاب من الكافرين والفاسقين { ويرحم من يشاء } من أهل طاعته { وإليه تقلبون } تردون وترجعون، قوله تعالى: { وما أنتم بمعجزين } ربكم أي تفوتونه، أي هربتم من حكمه وقضائه في الأرض الفسيحة { ولا في السماء } التي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها كقوله تعالى:
Bog aan la aqoon