475

{ إن في ذلك } أي: في إنبات كل من أنواع النبات، وإخراج كل من أصناف الحيوانات، وأجناس المعادن منها { لآية } بينة واضة، قاطعة دالة على أن منبتها ومخرجها متصف بجميع أوصاف الكمال، ونعوت الجمال والجلال، فاعل بالاختيار والاستقلال بلا مزاحمة الأشباه والأمثال { و } هي وإن كانت في غاية الوضوح والجلاء، لكن { ما كان } وثبت { أكثرهم } أي: أكثر الناس { مؤمنين } [الشعراء: 8] موفقين على الإيمان والتوحيد في علم الله ولوح قضائه؛ لذلك لم يؤمنوا بالآيات العظام، ولم يستدلوا منها إلى وجود الصانع الحكيم العلام القدوس السلام، المنزه ذاته عن طريان التقضي والانصرام.

{ و } إن كذبوك يا أكمل الرسل بما جئت من الآيات العظام، وعاندوا معك لا تبال لهم ولا تحزن { إن ربك } الذي رباك بأنواع الكرامات { لهو العزيز } الغالب المقتدر على البطش والانتقام { الرحيم } [الشعراء: 9] الحليم الذي لا يعجل العذاب وإن استوجبوا، بل يمهلهم زمانا؛ لعلهم يتنبهون على ما فرطوا من سوء المعاملة مع الله ورسوله وآياته فيتوبوا نادمين ضارعين خاشعين.

[26.10-19]

ثم أشار سبحانه إلى تعداد المكذبين الضالين عن طريق الحق، التائهين في تيه الغفلة والغرور فقال: { و } اذكر يا أكمل الرسل للمنصرفين عك وعن آياتك عنادا قصة أخيك موسى الكليم - صلوات الرحمن عليه - مع فرعون وملئه، وقت { إذ نادى ربك } عبده { موسى } وأوحى إليه بعدما ظهر الفساط في الأرض من استيلاء فرعون وملئه على بني إسرائيل واستعبادهم، وقتل أبنائهم واستحياء نسائهم ظلما.

حين قال له سبحانه: { أن ائت القوم الظالمين } [الشعراء: 10] أي: لك الإتيان بالدعوة والرسالة يا موسى على القوم الظالمين، الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة بين العباد؛ للإنصاف والانتصاف؛ يعني: { قوم فرعون } الطاغي الباغي الذي بغى على عباد الله بأنواع الجور والفساد، فقل لهم أولا بعدما ذهبت إليهم على سبيل التنبيه: { ألا يتقون } [الشعراء: 11] ويحذرون عن قهر الله، أيها المسرفون المكابرون، والمتجاوزون عن مقتضى العقل والنقل.

وبعدما ناداه سبحانه ما ناداه { قال } موسى ملتجئا إلى الله، مناجيا له: { رب } من رباني بأنواع اللطف والكرم { إني } من غاية ضعفي وانفرادي { أخاف أن يكذبون } [الشعراء: 12] ولا يقبلون دعوتي ولا يتلفتون إلي.

{ و } بذلك { يضيق صدري } ويكل خاطري عن تبليغ ما أمرتني به { و } بعد ضيق صدري وكل خاطري { لا ينطلق } ولا يجري { لساني } على تبينها وتفهمها، مع أن في لساني لكنة جبلة، وبالجملة: أنا وحدي لا أطيق بحمل أعباء الرسالة وتبليغها، واجعل لي يا ربي ظهيرا يعينني، وأخي أولى بالمظاهرة والمعاونة { فأرسل } بمقتضى فضلك وجودك حامل وحيك { إلى هارون } [الشعراء: 13] أخي، وأمره أن يشركه في أمري؛ حتى نذهب إلى فرعون ونبلغ رسالتك إياه.

{ و } لا سيما { لهم } أي: لقوم فرعون { علي ذنب } عظيم، وهو قتلي فيما مضى قبطيا منهم { فأخاف أن يقتلون } [الشعراء: 14] بقصاصه.

{ قال } سبحانه في جوابه على سبيل الردع: { كلا } أي: ارتدع يا موسى عن الخوف منهم بعدما أيدناك واصطفيناك للرسالة، ولا تبال بهم وبكثرتهم؛ إذ لا يسع لهم أن يقتلوك، وإن أردت أن تشرك أخاك معك في أمرك هذا فتشركه، فأرسل سبحانه جبرائيل عليه السلام إلى هارون بالحي وأشركه مع أخيه، وأمرهما بتبليغ الرسالة إلى فرعون بقوله: { فاذهبا بآياتنآ } الدالة على عظمة ذاتنا وكمال صفاتنا، وبلغا ما أمرتما بتبليغه بلا خوف منهم ومبالاة لهم { إنا } حاضرون { معكم مستمعون } [الشعراء: 15] ما جرى بينكم حافظون لكما عما قصدوا من المقت والأذاء.

{ فأتيا فرعون } مجترئين بلا مبالاة له { فقولا } له بلا دهشة وخوف من سطوته واستيلائه: { إنا } أي: كل واحد منا { رسول رب العالمين } [الشعراء: 16] إليك أيها الطاغي نبلغك من عنده سبحانه.

Bog aan la aqoon