Tafsirka Cabdulqaadir Jeylaani
تفسير الجيلاني
Noocyada
{ و } كيف لا يكون لله المنتقم الجبار ذي القدرة الكاملة والغيرة التامة العذاب والنكال في النشأة الأخرى لمن يسيء الأدب معه، وينسب إليه سبحانه ما لا يليق بجنابه ونيكر يوم البعث الجزاء مع ورود الآيات العظام في شأنه { من الناس } المجبولين على المرءا والمجادلة { من يجادل } ويخاصم داعي الله رسوله سيما { في } حق { الله } ويبالغ فيها حيث ينفي ذاته سبحانه وصفاته الذاتية الكاملة { بغير علم } أي: دليل عقلي يتشبث به أو نقلي يستند إليه بل إنما هو عن جهل وعناد { و } مستنده ومتشبثه أنه { يتبع } في دعواه وجداله هذا { كل شيطان } مضل مغو { مريد } [الحج: 3] عال متمرد في الشرارة والفساد بين العباد.
ولذلك { كتب } ونص { عليه } أي: الشيطان المريد المردود { أنه من تولاه } أي: الشيطان، واتخذه وليا من دون الله واقتدى له واقتفى أثره { فأنه } أي: الشيطان بإغوائه وإغرائه { يضله } ويصرفه عن سواء السبيل الذي هو طريق الإيمان والتوحيد { ويهديه } على مقتضى تلبيسه وتغريره { إلى عذاب السعير } [الحج: 4] بئس المولى وبئس النصير.
[22.5-7]
{ يأيها الناس } المنهمكون في الغفلة والنسيان المنغمسون بلوازم الحدوث والإمكان، المفضية إلى أنواع العصيان والطغيان { إن كنتم في ريب } شك وتردد { من } أمر { البعث } وإمكان وقوعه، ومن قدرتنا إلى إعادة المعدوم بلا سبق الهيولى والزمان، حتى يزول ريبكم، ويرتفع شككم { فإنا خلقناكم } وقدرنا وجودكم أولا { من تراب } جماد، لا مناسبة بينكم وبينه أصلا، إذ هو أصل النطفة ومادة المني، إذ المني إنما يحصل من الأغذية المتكونة من التراب { ثم } قدرناكم ثانيا { من نطفة } مصبوبة في الأرحام حاصلة في أجزاء الغذاء { ثم } صورناكم { من علقة } أي: دم منعقد من المني المصبوب في الرحم { ثم } عينا أركان أجسامكم { من مضغة } أي: لحم متكون من الدم المنعقد { مخلقة } كاملة الخلقة سوية الأجزاء بلا عيب ولا نقصان، قابلة الفطرة للمعرفة والهداية والرشد التام { وغير مخلقة } ناقصة الخلقة معيوبة الأجزاء، منحطة عن درجة الكمال كل تلك التبديلات والتغييرات منا دليل على كما قدرتنا وإرادتنا ووثوق حكمنا وتدبيراتنا إما أظهرناها { لنبين } ونظهر { لكم } كمال قدرتنا المتعلقة على جميع المقدورات المتحققة، والمقدرة على السوية بلا فتور وقصور.
{ و } بالجملة { نقر } ونثبت الولد { في الأرحام ما نشآء } ونريد ثبوته ذكرا أو أنثى، مبدلين مغيرين من صورة إلى أخرى مرارا كثيرة، { إلى أجل مسمى } سميناه وعيناه في حضرة علمنا لتسويته وتعديله { ثم } بعدما سويناه وعدلنا أركان جسمه على الوجه الذي تقتضيه حكمتنا، ونفخنا فيه من روحنا؛ إذ نفخنا الروح فيه علة غائية لإيجاده وإظهاره { نخرجكم } أي: كلا منكم من بطون أمهاتكم { طفلا } محتاجا إلى الرضاعة والحضانة { ثم } نربيكم بأنواع التربية والتغذية، ونقوي مزاجكم ومشاعركم على التدريج { لتبلغوا أشدكم } أي: كمال رشدكم وقوتكم الجسمانية، وتثمروا من المعارف والحقائق ما جبلتم لأجلها إن وفقوا من قبلنا { ومنكم من يتوفى } بعدما بلغ أشده ورشده أو قبل بلوغه { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وهو سن الكهولة والهرم المستلزم للخرافة ونقصان العقل وضعف القوى والآلات { لكيلا يعلم من بعد علم } متعلق منه بمعلوم مخصوص { شيئا } من أمارات ذلك المعلوم وصار عنده كأنه لم يلتفت إليه قط لغلبة الغفلة والنسيان عليه وسقوط الحفظ والإدراك عنه، كل ذلك إنما هو لإظهار قدرتنا الكاملة، وإرادتنا التامة الشامة { و } لا تتعجب من كمال قدرتنا، ومتانة صنعتنا، وحكمتنا أمثال هذا، أما { ترى } أيها الرائي { الأرض } الممهدة المبسوطة كيف كانت { هامدة } يابسة متينة جامدة بعيدة عن الرطوبة والخضرة كالرماد { فإذآ أنزلنا } وقت تعلق قدرتنا وإرادتنا بإحيائها ونضارتها { عليها المآء } المشتمل على خاصة الحياة { اهتزت } وتحركت اهتزازا شوقيا { وربت } وارتفعت من حضيض الخمود والجمود طالبا الخروج إلى فضاء الهواء والعروج إلى غاية ما أعد له من الكمال { و } بعد حركتها وارتفاعها متشوقة { أنبتت } وأظهرت بإقدارنا إياها { من كل زوج } نوع وصنف مما يخرج من الأرض { بهيج } [الحج: 5] رائق عجيب، وهذا من أوضح الدلائل والبراهين عند ذوي النهى واليقين على البعث، وإعادة المعدوم، وجميع المعتقدات الأخروية.
{ ذلك } المذكور من إيجاد المقدورات التي تستبعدها العقول السخيفة والأحلام الردية الضعيفة { بأن الله } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { هو الحق } الثابت المحقق المقصور على الحقية والثبوت لا متحقق في الوجود سواه، ولا معبود يعبد بالحق إلا هو { وأنه } سبحانه بخصوصه المقتدر هو الحي القيوم المحيي { يحيي الموتى } بالإرادة والاختيار { وأنه } بذاته وأسمائه وصفاته هو القادر بالاستقلال { على كل شيء } دخل تحت قدرته وحيطة حضرة علمه وإرادته بالاستقلال { قدير } [الحج: 6] بلا فتور وقصور ولا تزلزل وعثور.
{ وأن الساعة } الموعودة المعهودة من عنده { آتية لا ريب فيها } إذ هي من جملة مقدورات الله التي قدر وجودها في لوح قضائه وحضرة علمه { وأن الله } المتصرف بالاستقلال والاختيار { يبعث } يوم الحشر { من في القبور } [الحج: 7] من النفوس الخيرة والشريرة، ثم يحاسبهم ويجازيهم على مقتضى حسابه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
[22.8-13]
{ ومن الناس } المجبولين على الكفر والنسيان { من يجادل } ويكابر { في } أوامر { الله } وينكر مقدراته الماضية والآتية مع أنه { بغير علم } أي: دليل عقلي مسبوق بترتيب المعلومات اليقينية أو الظنية { ولا هدى } أي: حدس، وكشف ملهم من عند الله ملقى في روعة { ولا كتاب منير } [الحج: 8] دليل نقلي منسوب إلى الوحي، والإلهام بنور قلب من صدق به، وأخذ بما فيه إيمانا واحتسابا، ومع أنه ليس له سند عقلي ولا نقلي ولا كشفي وشهودي، معرض عن الدلائل والشواهد مع وضوحها وظهورها صارفا عنان عزمه عن التأمل فيها.
{ ثاني عطفه } يعني: لاويا عنقه وموليا جنبه عنها كبيرا وخيلاء على أصحاب الدلائل والبراهين وأرباب الكشف والشهود عتوا وعنادا، إنما فعل ما فعل من عدم الالتفات والتوجه نحو أهل الحق { ليضل } بفعله هذا ضعفاء الأنام { عن سبيل الله } الذي بينه الأنبياء وأوضحه الرسل بوحيه وإلهامه إليهم، وإنزال الكتب، والصحف عليهم { له } أي: لهذا المستكبر العاتي بسبب ضلاله وإضلاله { في الدنيا خزي } هوان وهون وطرد ولعن ونهب وأسر { ونذيقه يوم القيامة } بعد انقراض النشأة الأولى { عذاب الحريق } [الحج: 9] المحرق الذي هو عذاب النار الذي لا عذاب أشد منها.
Bog aan la aqoon