350

{ أو تكون لك } عليها على وجه الخصوص { جنة } أي: بستان مغروسة مملوءة { من نخيل وعنب } سهل السقي { فتفجر الأنهار خلالها } أي: أوسطها { تفجيرا } [الإسراء: 91] سهلا يسيرا، بحيث لا تكلف في سقيها أصلا.

{ أو } تأتي بآية ملجئة لنا إلى الإيمان بأن { تسقط السمآء كما زعمت } ونسبته إلى ربك بقوله:

إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السمآء

[سبأ: 9] { علينا كسفا } أي: قطعة بعد قطعة حتى نؤمن لك { أو تأتي بالله } الذي ادعيت الرسالة والنبوة عنه، تعالى عن ذلك، { والملائكة } أي: وتأتي بالملائكة الذين ادعيت وساطتهم ورسالتهم بينك وبين ربك { قبيلا } [الإسراء: 92] أي: تأتي بهم بجماعة أو مقابلا عينا مشاهدا محسوسا.

{ أو يكون لك بيت } متخذ { من زخرف } أي: ذهب وفضة مكللة بجواهز نفيسة { أو ترقى } وتصعد على رؤوس الأشهاد { في السمآء } بلا أسباب ووسائل { و } بعد صعودك وعروجك { لن نؤمن لرقيك } أي: لن نؤمن لك ونصدق بمجرد رقيك وعروجك { حتى تنزل علينا كتابا } أي: مكتوبا من عند ربك مشتملا على أسامينا ودعوتك إيانا إلى الإيمان وتصديقنا بك { نقرؤه } بين أظهرنا ونؤمن بك بأجمعنا { قل } لهم يا أكمل الرسل بعدما سمعت منهم هذه المقترحات التي ليس في وسعك وطاقتك متعجبا متنزها مستبعدا: { سبحان ربي } وتعالى من أن يشارك في قدرته فإن أمثال هذه المقترحات، إنما تصدر منه سبحانه وتعالى أصالة، أو في خلقه وإظهاره في بعض عباده إن تعلق إرادته، ولم يخلق في بل { هل كنت } أي ما كنت { إلا بشرا } ضعيفا كسائر الناس، غية الأمر أني بوحي الله وإلهامه علي صرت { رسولا } [الإسراء: 93] كسائر الرسل، وقد كانوا أيضا إلا ما يسر الله لي.

{ وما منع } وصرف { الناس } عن { أن يؤمنوا } ويهتدوا وقت { إذ جآءهم الهدى } أي: الرسول الهادي المرشد إياهم ويرشدهم إلى طريق التوحيد والعرفان { إلا أن قالوا } أي: قولهم هذا على سبيل الاستبعاد والاستنكار: { أبعث الله } العليم الحكيم المتقن في أفعاله { بشرا } متصفا بأنواع الجهالات، منغمسا بأنواع الكدورات { رسولا } [إلإسراء: 94] إلى بشر م ثلهم؛ ليهديهم إلى الكمال ويهذبهم عن النقصان؟! كلا وحاشا بل إن أرسل الله رسولا إلى هداية عباده، فالمناسب إرسالك الملك لكونه صافيا عن الكدورات الجسمانية مطلقا.

{ قل } لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا: لا بد بين المفيد والمستفيد من المناسبة والملاءمة المصححة لأمر الإفادة والاستفادة { لو كان في الأرض ملائكة } سماويون نازلون منها إليها لمصلحة { يمشون } عليها { مطمئنين } متمكنين { لنزلنا عليهم } حين احتياجهم إلى الإرشاد والتكميل { من السمآء ملكا } مجانسا لهم { رسولا } [الإسراء: 95] إياهم، ويرشدهم ويهديهم بمقتضى مجانستهم ومناسبتهم.

{ قل } يا أكمل الرسل بعدما آيست عن إيمانهم وصلاحهم: { كفى بالله } أي: كفى الله { شهيدا } مثبتا لرسالتي عليكم بإظهار أنواع المعجزات على يدي قاطعا للنزاع الواقع { بيني وبينكم إنه } سبحانه بذاته وبحضرة علمه { كان بعباده } وبجميع ما صدر عنهم من الأعمال على التفصيل { خبيرا بصيرا } [الإسراء: 96] ذا خبرة وبصارة كاملة؛ بحيث لا يشذ! من أحوالهم شيء من علمه وخبرته، فيجازيهم بكمال قدرته على مقتضى علمه وخبرته.

[17.97-104]

{ و } بعد ما ثبت أن أمرهم موكول إلى الله وحالهم محفوظ عنده { من يهد الله } الهادي وتعلق إرادته بهدايته { فهو المهتد } أي: هو مقصور على الهداية لا يتعداها أصلا { ومن يضلل } الله، وتعلق مشيئته بضلاله { فلن تجد } يا أكمل الرسل { لهم أوليآء من دونه } أي: من دون الله يوالونهم، ويظاهرون عليهم، وينقذونهم من بأس الله وبطشه بعدما أخذتهم العزة بإثمهم { و } لذلك { نحشرهم } ونبعثهم { يوم القيامة } بعد تنقيد أعمالهم منكبين منكوسين { على وجوههم } تنفيذا لأحكامنا؛ يعني: يسحبون ويجرون نحو جهنم البعد والخذلان { عميا } لكونهم في النشأة الأولى أعمى من رؤية الحق في المظاهر والأعيان { وبكما } لكونهم صامتين ساكتين عما ظهر لهم من دلائل التوحيد عنادا ومكابرة { وصما } لكونهم أصمين عن استماع كلمة الحق من ألسنة الرسل ووراثهم؛ أي: العلماء، لذلك صار { مأواهم } ومنزلهم { جهنم } الطرد والحرمان المسعر بنيران الخذلان والخسران، وصارت من كمال سعرها إلى حيث { كلما خبت } وسكنت لهب نارها بعدما أكلت جلودهم ولحومهم { زدناهم } جلودا ولحوما مثل جلودهم ولحومهم، بل عينه؛ يعني: كلما انمحت جلودهم ولحومهم نعيدهم على ما كانوا لتصير { سعيرا } [الإسراء: 97] ذا شرر والتهاب مفرط، بعدما وجدت ما تأكل، والسر في تكرارها وإعادتها: إنكارهم للحشر وأعادة المعدوم بعينه.

Bog aan la aqoon