Tafsirka Cabdulqaadir Jeylaani
تفسير الجيلاني
Noocyada
[17.8-17]
ثم قال سبحانه: { عسى ربكم } يا بني إسرائيل { أن يرحمكم } بعد المرة الثانية، إن تبتم عن معاصيكم وجرائمكم { وإن عدتم } إليها ثالثا { عدنا } إلى الانتقام والعذاب ثالثا، وهكذا رابعا وخامسا، وقد عادوا في النوبة الثالثة بتكذيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقصدوا قتله، فأعاد الله عليهم الخزي، بأن سلط المسلمين عليهم، فقتلوهم وأسروهم، وضربوا الجزية على باقيهم، وصاروا مهانين أذلاء صاغرين إلى قيام الساعة، هذا في النشأة الأولى { و } في النشأة الأخرى { جعلنا جهنم } البعد والخذلان، والطرد والحرمان { للكافرين حصيرا } [الإسراء: 8] محبسا ومضيفا لا ينجون منها أبد الآباد.
ومن أراد نجاة الدارين، وخير النشأتين، فعليه الامتثال والانقياد بما في القرآن المنزل على خير الأنام { إن هذا القرآن } الفارق بين الهداية والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام { يهدي } ويرشد { للتي } أي: للطريق التي { هي أقوم } الطرق وأعدله، وأوضح السبل وأبينه إلى التوحيد المنجي عن ظلمات النشأتين { ويبشر } أيضا { المؤمنين الذين يعملون الصالحات } المأمورة منه، المقربة إلى التوحيد { أن لهم أجرا كبيرا } [الإسراء: 9] هو الفوز بشرف اللقاء، والتحقق عند سدرة المنتهى.
{ و } يخبر القرآن آيضا { أن الذين لا يؤمنون بالآخرة } ولم يقصدوا ما فيها من الحساب والعقاب، والصراط والسؤال وجميع ما فيها { أعتدنا } وهيأنا { لهم عذابا أليما } [الإسراء: 10] مؤلما محزنا لرؤيتهم المؤمنين متنعمين مترفين في الجنة مترفهين.
{ و } من جملة الأخلاق المذمومة، والديدنة القبيحة: { يدع الإنسان } مسرعا مستعجلا { بالشر } الملحق له من غير علم بشريته، ووخامة عاقبته { دعآءه بالخير } أي: مثل دعائه الخير؛ أي: لسرعته { وكان الإنسان } في جبلته خلق { عجولا } [الإسراء: 11] مسرعا مستعجلا على ما يميل إليه، وإن كان مضرا له.
{ و } من كمال رحمتنا وإشفاقنا { جعلنا اليل والنهار آيتين فمحونآ آية اليل وجعلنآ آية النهار مبصرة } ذا نور وإضاءة { لتبتغوا } وتطلبوا { فضلا } وعطايا ناشئة { من ربكم } لتعيشوا بها، وتقوموا أمزجتكم منها { ولتعلموا } بتجدد الملوين { عدد السنين والحساب } المتداولة بينكم في معاملتكم وجرائتكم وتجارتكم { و } بالجملة: في { كل شيء } تحتاجون إليه في أمور معاشكم ومعادكم { فصلناه } أي: بيناه وأوضحناه لكم، وعلمنا طريق وصولكم ونيلكم إليها { تفصيلا } [الإسراء: 12] وتبيينا واضحا لائحا، فعليكم أن تتخذوني وكيلا في جميع حوائجكم الدنيوية والأخروية.
{ وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه } أي: بعدما رتبنا أمور معاش الإنسان ومعاده على ما ينبغي ويليق بحاله، كتبنا جميع ما صدر عنه من الأعمال الصالحة والفاسدة في مكتوب جامع لها، محيط بها، وعلقناه في عنقه تعليقا لازما، شبه الأعمال بالطائر؛ لأن الإنسان يطير ويميل نحو السعادة والشقاة بما صدر عنه من الأعمال، كأن الأعمال جناح له { و } بعد انقضاء النشأة الأولى المعدة للاختبار والاعتبار { نخرج له يوم القيامة كتابا } جامعا لجميع ما صدر عنه في دار الابتلاء { يلقاه } وينال إليه { منشورا } [الإسراء: 13] على رءوس الملأ والأشهاد تكريما وتعظيما، أو تفضيحا وتقريعا.
وحين إلقائه إليه يقال له: { اقرأ } أيها المكلف في دار الابتلاء بأنواع التكليفات، والمأمور فيها بامتثال الأوامر، وترك المنهيات { كتبك } أي: مكتوبك المشتمل على جميع ما صدر عنك؛ إذ { كفى بنفسك اليوم } أي: كفى نسك اليوم { عليك حسيبا } [الإسراء: 14] أي: كافيا وشهيدا بلا احتياج لك إلى محاسب آخر.
{ من اهتدى } من النشأة الأولى بمتابعة ما أمر ونهي { فإنما يهتدي } ويفيد { لنفسه } إذ نفع الهداية هو الوصول إلى مرتبة الخلافة والنيابة التي جبل الإنسان عليها، عائد إلى الموحد نفسه بلا سراية إلى غيره، ألا على وجه الإرشاد والتنبيه { و } كذا { من ضل } عن طريق الحق، وانحرف عن مسلك التوحيد بترك المأمورات، وارتكاب المنهيات { فإنما يضل عليها } أي: إنما لا يعود ويرجع وبال ضلالها إلا على نفسها بلا سراية إلى غيرها، إلا تسببا وإضلالا.
{ و } بالجملة: { لا تزر } ولا تحمل نفس { وازرة } آثمة عاصية { وزر } نفس { أخرى } مثلها، بل كل نفس رهينة ما كسبت، سواء كان خيرا أو شرا { و } بعدما قرر سبحانه أن الهداية والضلالة لا تسري إلى الغير، أراد أن يبين سبحانه أن الأخذ على الضلال إنما هو بعد الإرشاد والتنبيه، فقال: { ما كنا معذبين } لأهل الضلال { حتى نبعث } ونرسل إليهم { رسولا } [الإسراء: 15] منهم، حين ظهر عليهم علامات الفسوق والعصيان، وأمارات الضلال والطغيان؛ ليبين لهم طريق الهداية ، ويرغبهم إليها، ويجنبهم عن الضلال، وينفرهم عنها.
Bog aan la aqoon