313

{ و } اذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين المعتبرين أيضا قصة قوم شعيب عليه السلام { إن كان } أي: إنه كان { أصحاب الأيكة } أي: الغيضة؛ إذ هم يسكنون فيها { لظالمين } [الحجر: 78] خارجين عن حدود الله الموضوعة للعدالة بين عباده، المتعلقة ببخس المكيال والميزان ونقصهما.

وبعدما بالغوا فيها بعثنا إليهم شعيبا عليه السلام فكذبوه، واستهزءوا معه، وأرادوا مقته { فانتقمنا منهم } مثلما انتقمنا من قوم لوط { وإنهما } أي: أصحاب سدوم والأيكة { لبإمام مبين } [الحجر: 79] أي: ملتبسين ملتصقين بسبيل واضح، وطريق مستقيم مستبين ظاهر لائح، جاء به كل نبي منهم، فكذبوه عتوا وعنادا، فأخذوا بما أخذوا.

{ ولقد كذب } أيضا مثل تكذيبهما { أصحاب الحجر } وهو واد بين المدينة والشام يسكن فيها ثمود { المرسلين } [الحجر: 80] يعني: صالحا القائم مقام جميع الأنبياء باعتبار اتحاد المرسل به، وهو الدعوة إلى توحيد الحق، وذلك حين بعثنا إليهم بعدما خرجوا عن حدود الله، وانحرفوا عن جادة توحيده.

{ و } أيدنا أمره بأن { آتيناهم } معه { آياتنا } الدالة على توحيدنا { فكانوا } من نهاية عتوهم وعنادهم { عنها معرضين } [الحجر: 81] بحيث لا يقبلونها أصلا.

{ و } من عاتهم المستمرة بينهم أنهم { كانوا ينحتون من الجبال بيوتا } يسكنون فيها { آمنين } [الحجر: 82] من اللصوص، وأنواع المؤذيات والحشرات.

ولما لم يبالوا بالآيات والرسول، وتمادوا على غيهم وضلالهم الذي كانوا عليه انتقمنا منهم { فأخذتهم الصيحة } الشديدة الهائلة، وهم حينئذ { مصبحين } [الحجر: 83] داخلين في الصباح، كقوم لوط، فأهلكوا بالمرة.

{ فمآ أغنى } ودفع { عنهم ما كانوا يكسبون } [الحجر: 84] من الأموال والأمتعة، والعدد الكثيرة، والحصون المنيعة، والأبنية الوثيقة المشيدة شيئا من عذاب الله ونكاله.

ثم قال سبحانه قولا دالا على كمال قدرته ومشيئته، ولطفه وقهره، وإنعامه وانتقامه تنبيها على ذوي البصائر الاعتبار المتفكرين في خلق الله، وإيجاده وإعدامه، واستقلال تصرفاته في ملكه وملكوته: { وما خلقنا } وقدرنا { السموت } وما فيها من الآثار والمؤثرات العلوية { والأرض } وما عليها من المتأثرات السفلية { وما بينهمآ } من الكائنات والفاسدات الحادثة في الجو باطلا عبثا لا عبرة لها ولا اعتبار لإظهارها وظهورها، بل ما خلقنا ما خلقنا { إلا } ملتبسا { بالحق } المثبت لأصحاب الدلائل والبراهين، وتوحيد الحق الثابت المحقق لأرباب الكشف واليقين.

{ و } اعلموام أيها العقلاء والمكلفون المعتبرون { إن الساعة } الموعودة لانقهار التعينات، واضمحلال التشكلات { لآتية } جزما بلا تردد وشبهة فيجازي فيها كل على مقتضى ماكسبت في عالم التعينات والتطورات، وإذا كان الكل مجازون بأعمالهم، مسئولون عنها { فاصفح } يا أكمل الرسل، وأعرض عن انتقام من يؤذيك ويريدك { الصفح الجميل } [الحجر: 85] أي: الإعراض المستحسن عند الطباع، واحلم معهم، والطف عليهم.

{ إن ربك } الذي رباك بأنواع اللطف والكرم، واصطفاك من بينهم بأصناف الفضائل والكمالات { هو الخلاق } لهم ولأعمالهم { العليم } [الحجر: 86] المميز المبالغ في التمييز بين صالحها وفاسدها، يجازيهم على مقتضى علمه وخبرته.

Bog aan la aqoon