302

[14.40-43]

{ رب اجعلني مقيم الصلاة } على وجه الخضوع والخشوع والتبتل والأخلاص { و } اجعل { من ذريتي } أيضا من يقيمها على الوجه المذكور { ربنا } استجب مني { وتقبل دعآء } [إبراهيم: 40] في حقي وحق أولادي.

{ ربنا اغفر لي } بفضلك؛ إلا لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا { ولوالدي وللمؤمنين } جميعا، واعف بمقتضى جودلك من زلتي ولازتهم { يوم يقوم الحساب } [إبراهيم: 41] وبنشر الديوان، ويحاسب كل على ما كسب من العصيانز

{ ولا تحسبن } يا أكمل الرسل { الله } المطلع على سرائر الأمور وخفياته { غافلا } ناسيا ذاهلا { عما يعمل الظالمون } الخارجون عن حدود الله بإمهالهم زمانا، بل { إنما يؤخرهم } ويسوف عذابهم { ليوم تشخص } وتتحير { فيه الأبصار } [إبراهيم: 42] وصاروا من شدة الهول والمهابة لا يقدرون على أن يطرفوا عيونهم، بل تبقى مفتوحة حائرة كيعون الموتى، كأنهم قد انقطعت أرواحهم عن أجسادهم.

وهم مع هذه الحيرة والدهشة { مهطعين } مسرعين نحو المحشر، حيارى سكارى { مقنعي رءوسهم } أي: رافعيها نحو السماء، مترقبين لنزول البلاء، مدهوشين هائمين بحيث { لا يرتد إليهم طرفهم } شدة ولههم وهيمانهم { و } في تلك الحالة { أفئدتهم } وقلوبهم التي هي محل الأمان والخيالات { هوآء } [إبراهيم: 43] أي: خالية، لا يخطر ببالهم شيء ملطقا وإن كانت لا تخلو عن الأخطار أبدا.

[14.44-46]

{ و } متى سمعت يا أكمل الرسل أهوال يوم القيامة وأحوال الأنام فيها { أنذر الناس } الناسين عهود الحق ومواثيقه التي عهدوا معه في بدء فطرتهم أي بشيء يفعلون { يوم يأتيهم العذاب } في اليوم الموعود، وحينئذ انقطعت أسباب النجاة وتدبيرات الخلاص ولا يسع لهم التدارك أصلا { فيقول الذين ظلموا } أنفسهم بتكذيب الله وتكذيب رسله حين رأوا العذاب، مناجين متضرعين متمنين: { ربنآ أخرنآ } أي: أعدنا وأرجعنا إلى الدنيا وأمهلنا فيها { إلى أجل قريب } أي: أيام قلائل { نجب دعوتك } وتقبلها عن ألسنة رسلك { ونتبع الرسل } ونصدقهم بجميع ما جاءوا به من عندك فيقال لهم على سبيل التهكم والتقريع: { أولم تكونوا } أيها الظالمون المسرفون { أقسمتم من قبل } في دار الدنيا بطرين مغرورين { ما لكم من زوال } [إبراهيم: 44] أي: ما لنا وبال ولأموالنا زوال، وما لنا عن أماكننا ارتحال وانتقال.

{ و } مع قولكم هذا ويمينكم عليه { سكنتم } وتمكنتم أيها المسرفون المفرطون { في مسكن الذين ظلموا أنفسهم } قبلكم أمثالكم مثل: عاد وثمود وهم أيضا، مقسمين بما أقسمتم { وتبين لكم } وظهر عندكم الآن { كيف فعلنا بهم } وكيف انتقمنا عنهم وأستأصلناهم { و } صار أمر إهلاكهم من الفضاحة إلى أن { ضربنا لكم الأمثال } [إبراهيم: 45] لتعتبروا عن حالهم وتتركوا أفعالهم؛ لئلا تنتقموا أمثالهم، ومع ذلك لم تعتبروا ولم تتركوا، فالآن تصابون وتؤاخذون بأشد مما أصيبوا وأخذوا.

{ و } لا يفيدكم اليوم المكر والحيلة كما لا يفيد لهم مكرهم حين أخذهم؛ إذ { قد مكروا مكرهم } الذي خيلوه دلائل قاطعة وظنوه براهين ساطعة { وعند الله مكرهم } إي: لم يفهموا أن عند الله سبحانه ما يزيل مكرهم وحيلهم { وإن كان مكرهم } في المتانة والقوة { لتزول منه الجبال } [إبراهيم: 46] إذ لا يعارض فعله ولا ينازع حكمه، بل له الغلبة والاستيلاء والتعزز والكبرياء.

[14.47-52]

Bog aan la aqoon