Tafsirka Cabdulqaadir Jeylaani
تفسير الجيلاني
Noocyada
ثم قال سبحانه كلاما جمليا شاملا لجميع أصحاب الضلال: { مثل الذين كفروا بربهم } الذي رباهم بأنواع النعم، فيكفرون النعم والمنعم جميعا متى لم يصلوا إلى مرتبة توحيده وعرفانه، ولم يؤمنوا به حتى يصلوا بالسلوك والمجاهدة إليه، شأنهم العجيب وحالهم الغريبة فيما يتلى عليكم أنه { أعمالهم } الحسنة من الصدقة والعتق والصلة وغير ذلك من الأعمال المقربة إلى الحق إن كانت غير مقروننة بالإيمان والمعرفة { كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف } ذو رياح شديدة عاصفة فطار بها الرماد إلى حيثن لم يبق في مكانه أثر منه، أي: مثلهم وشأنهم في كون أعمالهم محبطة يوم القيامة كمثل ذلك الرماد بحيث { لا يقدرون } لدى الحاجة { مما كسبوا } من الأعمال المنجية المخلصة { على شيء } قليل حقير، فكيف بالكثير العظيم منها؟! { ذلك } الإحباط والهباء وعدم النفع { هو الضلال البعيد } [إبراهيم: 18] بمراحل عن الهداية والفوز بالفلاح، وما ذلك إلا لعدم مقارنتها بالإيمان والعرفان، ولتكذيب الرسل المبينين لهم طريق التوحيد والإيقان.
{ ألم تر } أيها الرائي المستبعد لإحباط أعمال أولئك الكفرة المعاندين مع الله ورسله { أن الله } القادر، المقتدر بالقدرة التامة الكاملة بحيث لا ينتهي قدرته أصلآ { خلق السموت والأرض } أي: أظهرهما وأوجدهما من كتم العدم على وجه الإبداع والاختراع { بالحق } الثابت المطابق للحكمة البالغة الكاملة بحيث ما ترى فيها من فطور وفتور، يشاهد أهل البصائر والاعتبار هذا النمط البديع والنظام العجيب فينكشفوا منها إلى مبدئها ومنشئها، ومع ذلك { إن يشأ } سبحانه { يذهبكم } أيها المائلون عن طريق لاحق الناكبون عن مقتضى حكمته بمتابعة أهوية نفوسكم ومقتيضات هوياتكم الباطلة { ويأت } بدلكم { بخلق } آخر { جديد } [إبراهيم: 19] مستبدع مستحدث؛ ليواظبوا على طاعته ويداوموا على مقتضيات حكمته.
{ و } لا تستبعدوا من الله أمثال ذلك؛ إذ { ما ذلك } وأمثاله { على الله } المتعزز بالمجد والبهاء والعظمة والكبرياس والبسطة والاستيلاء { بعزيز } [إبراهيم: 20] متعذر أو متعسر؛ إذ لا يتعسر على قدرته المقدور، ولا يتعذر عليه شيء من الأمور.
{ و } كيف يتعسر أو يتعذر عليه شيء من الأشياء؛ إذ الكل { برزوا } أي: ظهروا ورجعوا في النشأة الآخرة { لله } المظهر المبرز لهم من كتم العدم { جميعا } مجتمعين؛ إذ لا يخرج عن حيطته شيء { فقال الضعفاء } من ذوي الاستعدادات الضعيفة حين أخذوا بجرائمهم { للذين استكبروا } عليهم في النشأة الأولى بالرئاسة والعقل والتام، وإدعاء الفضل والكمال إلى حيث جعلوا نوفسهم مبتدعين لهم حيث قالوا: { إنا كنا لكم تبعا } في دار الدنيا، وأنتم ناصحون لنا، آمرون بتكذيب الرسل وأنواع الفواحش والقبائح الممنوعة بألسنة الرسل { فهل أنتم } اليوم حي أخذنا على ما أمرتمونا { مغنون عنا } أي: دافعون مانعون { من عذاب الله } المنتقم منا { من شيء } أي: بعض من عذابنا ونكالنا؟! { قالوا } أي: المستكبرون بعدما عاتبهم الضعفاء: { لو هدانا الله } الهادي لعباده { لهديناكم } ولكن أضلنا باسمه المضل، فأضللناهم، فالآن نحن وأنتم ضالون ضالمون مؤاخذون { سوآء علينآ } وعليكم { أجزعنآ } عن شدة العذاب والنكال { أم صبرنا } على مقاساته وأحزانه { ما لنا من محيص } [إبراهيم: 21] أي: مخلص ومناص.
[14.22-23]
{ وقال الشيطان } أي: الأهوية الفاسدة المفسدة لهم في شأنهم الأولى مصورة على صورة الشيطان المغوي { لما قضي الأمر } أي: بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار: { إن الله } المصلح المدبر لأحوال عباده { وعدكم وعد الحق } هذا اليوم الذي به تؤاخذون فيه { ووعدتكم } ضلالا وإغراء لكم بخلافه { فأخلفتكم } ما وعد به ربكم مع أن إنجازه مقطوع به لا شك فيه أصلا، وابتعتم قولي مع أنه غرور وإضلال لا يرجى إنجازه مني أصلا وأنتم جازمون به { و } الحال أنه { ما كان لي عليكم من سلطان } حجة مرجحة وأدلة ملجئة { إلا أن دعوتكم } أي: سوى أن دعوتكم على مقتضى أهويتكم وأمنيتكم التي تقتضيها هويتكم وماهيتكم، ومع ذلك { فاستجبتم لي } وصدقتم قولي بلا تردد ومماطلة طوعا ورغبة.
{ فلا تلوموني } اليوم { ولوموا أنفسكم } الباعثة الداعية على متابعتي مع جزمكم بمكري وعداوتي { مآ أنا } اليوم { بمصرخكم } أي: مغيثكم ومعينكم، وإن ادعيت فيمامضى تغريرا وتلبيسا { ومآ أنتم } أيضا { بمصرخي } إذا انكشف الحال وانقطعت علاقة المحبة بيننا، وصارت كل نفس رهينة بما كسبت { إني } اليوم بعد انكشاف السرائر والضمائر { كفرت } أي: تبرأت وأنكرت { بمآ أشركتمون } أي: بإشراككم معي في إشراك الله الواحد الأحد الصمد، الذي لا شريك له أصلا { من قبل } في دار التلبيس والتزوير والإغواء والتغرير { إن الظالمين } الخارجين عن مقتضيات أوامر الله ونواهيه عداونا وزورا { لهم } اليوم { عذاب أليم } [إبراهيم: 22] مؤلم أشد الإيلام.
ثم بين سبحانه على مقتضى سنته المستمرة بعدما بين أحوال الهالكين المنهمكين في تيه العتو والعناد، وفظاعة أمرهم في يوم الجزاء مآل المؤمنين الناجين عن تغريرات الدنيا الدنية وتسويلات الشياطين الغوية فيها.
فقال: { وأدخل الذين آمنوا } بتوحيد الله وتصديق كتبه ورسله { و } مع ذلك { عملوا الصالحات } التي هي نتائج الإيمان { جنات } متنزهات من العلم والعين والحق { تجري من تحتها الأنهار } لتنبت في أراضي استعداداتهم وقابلياتهم ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من المكاشفات والمشاهدات الخارجة عن طريق البشر، ومع ذلك { خالدين فيها بإذن ربهم } أي: برضاه وتوفيقه وتيسيره { تحيتهم } من قبل الحق بلسان الملائكة حتن ملاقاتهم { فيها سلام } [إبراهيم: 23] لأنهم مسلمون منقادون مسلمون أمورهم كلها إلى الله.
[14.24-27]
Bog aan la aqoon