Tafsirka Cabdulqaadir Jeylaani
تفسير الجيلاني
Noocyada
وهم { الذين يستحبون الحياة الدنيا } المستعارة التي لا مداد لها ولا قرار؛ إذ هي أظلال في ظلمة عكوس عاطلة { على الآخرة } أي: على الحياة الأخروية التي هي بقاء سرمدي وحياة أزلية لا انقضاء لها أصلا { و } هم مع اختيارهم وترجيحهم الحياة الفانية على الباقية { يصدون } ويصرفون الناس { عن سبيل الله } الذي هو الإيمان بالله وبرسوله وكتابه { ويبغونها عوجا } أي: يطلبون أن يحدثوا فيها مع استقامتها انحرافا { أولئك } الأشقياء المردودون عن طريق الحق، الساعو في الباطل مكبارة وعنادا { في ضلال بعيد } [إبراهيم: 3] عن الهداية بمراحل بحيث لا يرجى هدياتهم أصلا؛ لأنهم مجبولون على الضلالة الغواية في أصل فطرتهم.
{ ومآ أرسلنا من رسول } من الرسل على أمة من الأمم { إلا بلسان قومه } أي: ما أرسلنا إلا للغة موافقة بلغة قومه؛ ليفقهوا حديثه ويفهموا لسانه { ليبين لهم } طريق التوحيد، وبجنبهم عن خلافه وما عليه، وفي وسعه إلا البلاغ { فيضل الله } المضل المذل لعباده { من يشآء } إضلاله وإذلاله على مقتضى قهره وجلاله { ويهدي من يشآء } هدايته على مقتضى لطفه وجماله { وهو } في ذاته { العزيز } الغالب على ما أراد وشاء إرادة واختيار { الحكيم } [إبراهيم: 4] المتقن في فعله على مقتضى إرادته.
[14.5-7]
ثم ذكر سبحانه قصة إرسال موسى إلى قومه حيث فشا الجدال والمراء بينهم وانحرفوا عن طريق الحق؛ ليتعط به المؤمنون ويعتبروا، فقال: { ولقد أرسلنا } من مقام فضلنا وجودنا { موسى } المؤيد { بآياتنآ } الباهرة مثل: العصا واليد البيضاء وسائر المعجزات الظاهرة على يده، وقلنا له { أن أخرج قومك } الضالين عن سواء السبيل بمتابعة الأهوية الفاسدة { من } أنواع { الظلمات } الطارئة عليهم من الكفر والفسوق والعصيان والتقليدات والتخمينات الناشئة من الأوهام والخيالات، المنبعثة عن الكثرة المستدعية للأنانية التي هي الظلمة الحقيقية { إلى النور } الحقيقي الذي هو صرافة التوحيد والوحدة الذاتية المسقطة لجميع الإضافات والكثرات { وذكرهم } أيضا { بأيام الله } التي مضت على الأمم الهالكة من أمثال هذه الأفعال المورثة لأنواع الظلمات؛ لعلهم يعتبروا عن سماعها وينصرفوا عما هم عليه من القبائح والذمائم { إن في ذلك } أي: في ذكر تلك الوقائع الهائلة والبليات العظيمة { لآيات } أي: دلائل واحضات وعبر { لكل } مؤمن معتبر من أمثاله خائف من بطش الله { صبار } على ما جرى عليه من قضائه { شكور } [إبراهيم: 5] مبالغ في الشكر على ما وصل إليه من آلائه ونعمائه.
{ و } اذكر يا أكمل الرسل { إذ قال موسى لقومه } حين أراد تعديد نعم الله عليهم وإحسانه إليهم؛ ليستحيوا عن مخالفة أمره وترك طاعته وعبادته { اذكروا } أيها المغمورون بنعم الله { نعمة الله عليكم } وقوموا لشكرها؛ أداء لحق شيء منها سيما { إذ أنجاكم من آل فرعون } حين { يسومونكم } ويقصدون لكم { سوء العذاب } أي: أفضحة وأقبحة { و } هو أنه { يذبحون أبنآءكم } قمعا وقلعا لعرقكم { ويستحيون نسآءكم } توبيخا وتقريعا عليكم { وفي ذلكم بلاء } نازل { من ربكم } إذ هو بإقدار الله إياهم { عظيم } [إبراهيم: 6] لا بلاء أعظم منه.
والإنجاء عن أمثال هذا البلاء من أعظم النعماء، فعليكم أن تواظبوا لشكره { و } اذكروا أيضا { إذ تأذن ربكم } أي: أعلمكم إعلاما بليغا، وأوصاكم وصية عظيمة تتميما لتربيتكم { لئن شكرتم } على ما أعطيتم من النعم العظام وقمتم لأداء حقها { لأزيدنكم } وأضاعفنكم بأمثالها وأضعافها { ولئن كفرتم } في مقابلة الإحسان والعطاء، فلا يلحق على أثر كفرانكم، بل { إن عذابي } ونكالي على من صرف عن أمري وخرج عن إطاعتي وانقيادي { لشديد } [إبراهيم: 7] مبرم محكم لا يندفع أصلا، فعليكم أن تلازموا الشكر وتجانبوا عن الكفران.
[14.8-10]
{ و } بعدما فرغ عن التعديد والتذكير { قال } لهم { موسى } قولا ناشئا عن محض الحكمة والرزانة على مقتضى نور النبوة والولاية: { إن تكفروا } أيها الغافلون عن كمال استغناء الله وعلو شأنه وسمو سلطانه { أنتم } بأجمعكم، بل { ومن في الأرض جميعا } لا يزن في جنب استغنائه سبحانه مقدار جناح بعوضة { فإن الله } المتردي برداء العظمة والكبرياء { لغني } في ذاته عما سواه من أظلاله مطلقا { حميد } [إبراهيم: 8] بمقتضيات أوصافه وأسمائه وأسمائه.
{ ألم يأتكم } أيها التائهون في تيه الغفلة والغرور { نبأ الذين } مضو { من قبلكم } لمثل { قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم } من الأمم الهالكة { لا يعلمهم إلا الله } المطلع لجميع ما كان ويكون، لا يعزب عن حيطة حضرة علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء حين { جآءتهم رسلهم } المبعوثون إليهم { بالبينت } الواضحات، والمعجزات الباهرات المثبتة لرسالاتهم، فدعوهم إلى الإيمان والتوحيد وأمروهم بالمعروفات ونهوهم عن المنكرات { فردوا أيديهم في أفوههم } مشيرين إليها من غاية إنكارهم واستهزائهم { وقالوا إنا كفرنا } أي: اعترفنا بالكفر بأفواهنا، كأنهم أخبروا عن كفرهم بالجملة الماضية تحقيقا وتقريرا لما هم عليه من الكفر والطغيان { بمآ أرسلتم به } من عند ربكم وكيف نؤمن لكم { وإنا لفي شك } عظيم { مما تدعوننآ إليه } من الإله الواحد، الأحد الصمد المتصف بجميع صفات الكمال، الموجد المظهر للكائنات { مريب } [إبراهيم: 9] موقع للريب المؤدي إلى الإنكار؛ إذ المتصف بهذه الصفات لا بد أن يكون أظهر من الشمس، مع أنه أخفى من كل شيء، بل لا وجود له أصلا.
{ قالت } لهم { رسلهم } على سبيل التوبيخ والتقريع: { أفي الله } الظاهر المتجلي في الآفاق بالاستقلال والاستحقاق { شك } وتردد مع كونه { فاطر السموت والأرض } أي: موجدهما ومظهرهما من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة، إنما { يدعوكم } إلى توحيده بإرسال الرسل وإنزال الكتب { ليغفر لكم } بعضا { من ذنوبكم } وهو ما بينكم وبينه سبحانه؛ إذ حق الغير لم يسقط ما لم يعف صاحب الحق عنه { و } بعد دعوتكم { يؤخركم إلى أجل مسمى } هو يوم الجزاء؛ ليهيئ كل منكم زاد يومه هذا على الوجه المأمور المبين في الكتب المنزلة على الرسل، وبعدما سمعوا من الرسل ما سمعوا { قالوا } مستنكرين عليه، مستهزئين لهم: { إن أنتم } أي: ما أنتم { إلا بشر مثلنا } تأكلون وتشربون وتفعلون جميع ما نفعل { تريدون } بأمثال هذه الحيل والتزويرات الباطلة { أن تصدونا عما كان يعبد آبآؤنا } وأسلافنا من الآلهة والأصنام، وإن صدقتم في دعواكم { فأتونا بسلطان مبين } [إبراهيم: 10] أي: بحجة واضحة لائحة نقترحها منكم.
Bog aan la aqoon