295

{ وكذلك } أي: مثل إنزالنا للأمم الماضية كتابا بعد كتاب ناسخا لبعض ما فيها على مقتضى الأزمان والأقوام كذلك { أنزلناه } أي: القرآن، إليك يا أكمل الرسل { حكما } مبينا للقضايا على مقتضى الحكمة المتقنة { عربيا } مناسبا بلسانك ولسان قومك يسهل لهم الاسترشاد والاستهداء به، ناسخا لبعض ما في الكتب السالفة { و } الله { لئن اتبعت } انت بنفسك { أهواءهم } أي: أهواء أهل الكتاب وإن كانت قبيل النسخ هدى سيما { بعد ما جآءك } في كتابك { من العلم } بنسخها وبصيرورتها هوى { ما لك من الله } من غضبه وانتقامه { من ولي } يولي أمرك بالاستخلاص والاستشفاع { ولا واق } [الرعد: 37] يحفظك ويمنعك من مقته.

ثم قال سبحانه: { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك } مثلك { وجعلنا لهم أزواجا وذرية } مثل أزواجك وأولادك، فلا يقدح في نبوتهم أزواجهم وأولادهم، فكيف يقدح في نبوتك مع أنك أفضل منهم { و } أيضا أرسلنا رسلا من قبلك { ما كان } أي: ما صح وجاز { لرسول } منهم { أن يأتي بآية } مقترحة { إلا بإذن الله } ووحيه { لكل أجل } ووقت يسع فيه أمر من الأمور الكائنة والفسادة { كتاب } [الرعد: 38] نازل من عنده ناطق بوقوع ما كان ويكون فيه.

{ يمحوا الله ما يشآء } وبنسخه على مقتضى حكمته وإرادته { ويثبت } ما أراد إثباته { وعنده أم الكتاب } [الرعد: 39] أي: لوح القضاء والقدر المتوالية، المتتالية على مقتضى الأوصاف الذاتية الإلهية والتجليات اللطيفة والقهرية والجلالية والجمالية.

[13.40-43]

{ و } بالجملة: لا تفرح يا أكمل الرسل { إن ما نرينك } أي: إن تحقق إراءتنا لك { بعض الذي نعدهم } من الإهلاك والإجلاء والقهر والغلبة { أو نتوفينك } أي: لا تغتم أيضا أن تحقق توفينا لك قبل رؤيتك بما نعدهم من العذاب والنكال بل { فإنما عليك } أي: ليس في وسعك وطاقتك { البلاغ } بما أمرت بتبليغه { وعلينا الحساب } [الرعد: 40] والجزاء بمقتضاه عاجلا وآجلا.

{ أ } ينكرون حسابنا إياهم وانتقامنا عنهم { ولم يروا أنا نأتي الأرض } التي شاعتب فيها كفرهم { ننقصها من أطرافها } وأرجائها حتى ضاقت عليهم بإظهار دين الإسلام وإكثار أهله { والله } المدبر على مقتضى الحكمة { يحكم } بحكم مبرم { لا معقب لحكمه } أصلا ليبدله ويغيره { وهو سريع الحساب } [الرعد: 41] صعب الانتقام على من أراد تغيير حكمه وتبديله.

{ وقد مكر الذين من قبلهم } مع أنبيائهم المبعوثين إليهم مثل مكر هؤلاء المكارين معك يا أكمل الرسل، فلحقهم ما لحقهم وهم غافلون عن مكر الله { فلله } المطلع لعواقب الأمور { المكر } المعتد به { جميعا } إذ { يعلم } بعلمه الحضوري { ما تكسب كل نفس } من خير وشر ونفع وضر، فينتقم هو عنها على مقتضى علمه { و } هم وإن غفلوا من مكر الله وما يترتب عليه من الوبال { سيعلم الكفار } المصرون على الكفر والضلال { لمن } من الفريقين { عقبى الدار } [الرعد: 42] أي: العاقبة الحميدة في النشأة الأخرى.

{ و } من شدة شكيمتهم وغيظهم معك يا أكمل الرسل { يقول الذين كفروا } بدينك وكتابك؛ أي: رؤساؤهم وصناديدهم: { لست مرسلا } من عند الله مثل سائر الرسل؛ لذلك ما نتبعك ونؤمن بك وبكتابك { قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم } أي: كفى الله بى شاهد لإثبات رسالتي وادعائي النبوة؛ إذ أيدني بالمعجزات القاطعة والبراهين الساطعة { ومن عنده علم الكتاب } [الرعد: 43] من أصحاب اللسن والفصاحة وأرباب الفطنة والذكاء، المتأملين في مرموزات الكتاب، المتنعمين في استكشاف سرائره، لو تأملوا فيه حق تأمل وتدبر، لم يبق لهم شائبة شك وتردد في أنه ما هو من جنس كلام البشر، بل ما هو إ لا وحي يوحى

ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور

[النور: 40].

Bog aan la aqoon