279

[النور: 40].

ثم لما دعاهما إلى الإيمان والتوحيد، ونبه عليهما طريقه، اشتغل بتعبير رؤياهما، فقال مناديا لهما أيضا: { يصاحبي السجن أمآ أحدكما } وهو الشرابي { فيسقي ربه } أي: سيده وملكه { خمرا } على ما كان عليه بلا احتياج إلى تأويل { وأما الآخر } وهو الخبار { فيصلب فتأكل الطير من رأسه } هذا ما ظهر لي في تأويل رؤياه بتوفيق الله إياي: وبعدما سمعا منه التأويل قالا: كذبنا فيما قلنا لك واستعبرنا منك، قال يوسف عليه السلام: { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } [يوسف: 41] أي: حكم حكما مبرما على الوجه الذي ذكر في حضرة علم الله ولوح قضائه؛ لأن الأمر الذي جرى على لسان الأنبياء لا بد أن يقع؛ إذ لا جريان للكذب وعدم المطابقة في ألسنة الأنبياء والرسل.

[12.42-44]

{ وقال } يوسف { للذي ظن أنه ناج منهما } وهو الشرابي: { اذكرني عند ربك } أي: اذكر حالي لملك عند ملاقاتك، وقل له أن رجلا سجن بلا جرم صدر عنه، وأوصاه به على طمع أن يستخلصه ويستكشف عن أمره، ولم يستثن مع أن المناسب بحاله ورتبته العلية الاتكال على الله، والتبتل نحوه بلا التفات إلى الغير أصلا، والرضا بما جرى عليه من القضاء، والتصبر على هجوم البلاء وتزاحم المكروهات، فضلا عن أن يستعد بلا استثناء، وذلك قبل الوحي { فأنساه الشيطان } للناجي { ذكر ربه } أي: ذكر حال يوسف عند الملك حين جلس في مجلسه وسقى له خمرا { فلبث } وبقيى يوسف بسبب ترك الاستثناء والاستخلاص من المصنوع الأرذل الأنزل والاستعانة منه { في السجن } بعد لبثه خمسا { بضع سنين } [يوسف: 42] أي: سبع بعد الخمس؛ مجاراة عله وانتقاما عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم:

" رحم الله أخي يوسف لو لم يقل: اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس ".

{ و } بعدما لبث في السجن بضعا هيأ سبحانه سببا بأن { قال الملك } وهو ريان بن الوليد لأصحابه يوما: { إني أرى } في المنام { سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و } أرى أيضا { سبع سنبلات خضر و } سبعا { أخر يابسات } قد التففن على السبع الخضر فغلبن عليها، من في ملكه من أهل التنجيم والتكهن وجميع العلماء والصلحاء وعرضها عليهم وقال: { يأيها الملأ أفتوني } في رؤياي؛ أي: عبروها وأولوها { في رؤياي إن كنتم للرءيا تعبرون } [يوسف: 43] إي: إن كنتم من أهل التعبير والصور والعبرة والاعتبار.

فلما سمعوا قوله وتأملوا في رؤياه { قالوا } بأجمعهم متفقين: هذه { أضغاث أحلام } أي: أباطيل صورتها المتخلية وخالطتها تخليطا إلى حيث لا يقبل التعبير والتأويل أصلا { وما نحن بتأويل الأحلام } الباطلة { بعالمين } [يوسف: 44] معبرين.

[12.45-49]

{ و } بعدما عجز الملأ عن تعبير رؤيا الملك، واجتمعوا على أنها أضغاث أحلام { قال الذي نجا منهما } أي: من صاحبي السجن، وهو الشرابي الموصى له بالذكر فنسي { وادكر } بهذا التقريب ما أوصى أنه يوسف { بعد أمة } أي: بعد مديدة { أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون } [يوسف: 45] فأرسله الملك ودخل عليه، فقال: يا { يوسف أيها الصديق } الصدوق في تأويل الرؤيا { أفتنا } وعبر لنا { في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر } ملتفتة إلى سبع أخر { وأخر يابسات } عبر لي هذه الرؤيا { لعلي أرجع } بتأويلها { إلى الناس } الذين عجزوا عن تعبيره وصيروه من الأباطيل والتخليطات الساقطة عن درجة التغيير والتأويل { لعلهم يعلمون } [يوسف: 46] تأويله ويفحمون عما يقولون؛ إذ الرؤيا للملك، وهم جعلوها من قبيل الأضغاث، وأنت إذا عيرتها أرجو أن تتخلص من هذا السجن.

{ قال } يوسف مؤولا للرؤيا مدبرا فيه طريق المعاش؛ لئلا يضطروا في تدبيره: { تزرعون سبع سنين دأبا } على ما هو دأبكم وعادتككم { فما حصدتم فذروه } واتركوه { في سنبله } أي: فعليكم أن تدخروا ما حصدتم في سني الخصب بأن تتركوه في سنبله ولا تفرقوه منه ولا يدوسوه؛ لئلا يقع فيه السوس { إلا قليلا مما تأكلون } [يوسف: 47] في تلك المدة.

Bog aan la aqoon