Tafsirka Cabdulqaadir Jeylaani
تفسير الجيلاني
Noocyada
{ و } أذكر يا أكمل الرسل { لما جآءت رسلنا لوطا } على أشكال مرد ملاح صباح متناسبة الإعضاء، وهم لا يرون أمثالهم في الصباحة واللطافة وكمال الرشاقة { سيء بهم } أي: ساء مجيئهم على هذه الأشكال لوطا ومن آمن معه { وضاق } جيئتهم على هذه الصورة البديعة { بهم ذرعا } أي: شق على لوط والمؤمنين أمر حفظهم وحضانتهم؛ لأنهم علموا قبح صنيع قومهم لو علموا جيئتهم قصدورا لهم مكروها، واشتد عليهم أيضا مدافعتهم وإخراجهم؛ لأنهم نزلوا ضيافا، فاضطر لوط في أمرهم وشأنهم وتحير { وقال } متأوها متأسفا متضجرا: { هذا يوم عصيب } [هود: 77] شديد مظلم في غاية الشدة والظلمة.
{ و } بعدما أخبر القوم بنزولهم { جآءه قومه } متجسسين { يهرعون إليه } أي: يطوفون حول بيته سريعا، ويطلبون فرصة الدخول عليهم، ويحتالون لدفع لوط والمؤمنين وهم قوم خقبي { ومن قبل كانوا } من نهاية خباثتهم { يعملون السيئات } الخارجة عن مقتضى العقل والنقل والمروءة، وحين اضطر لوط من ترددهم وتبخترهم، ولم ير في نفسه مدافعتهم ومقاوتهم { قال يقوم } لهم من غاية غيرته وحميته في حق أضيافه: { هؤلاء } الإناث { بناتي هن أطهر لكم } إن أردتم الوقاع { فاتقوا الله } المنتقم الغيور عن تفضيحي { ولا تخزون في ضيفي } ولا تخجلوني في ضيفي { أليس منكم } أيها لمجبولون على فطرة الإدراك { رجل رشيد } [هود: 78] ذو مروءة وعقل كامل.
{ قالوا } في جوابه مبالغين مقسمين: والله { لقد علمت } يقينا { ما لنا في بناتك من حق } أي: ميل وحظ، بل إنما عرضت بناتك علينا لتترك أضيافك { وإنك } أيضا { لتعلم ما نريد } [هود: 79].
ولما اضطر لوط مسارعتهم ومماراتم { قال } مشتكيا إلى الله: { لو أن لي بكم قوة } أدفع بها حزني وخزي أضيافي لأدفعكم بتوفيق الله { أو آوي } وأرجع حين ظهور عدم مقاومتي ومدافعتي معكم { إلى ركن شديد } [هود: 80] هو حفظ الله وكنف جواره وحصن حضانته.
ثم لما رأى الرسل اضطرار لوط واضطرابه؛ إذ هو يغل على أضيافه باب بيته فيجاجل مع قومه، يتكلم معهم، وبعدما امتدت مجادلته معهم، قصدوا أن يثقبوا الجدار فاشتغلوا بالثقب والنقب { قالوا } أي: الرسل بعدما بلغ ألم لوط غايته: { يلوط } لا تغتم ولا تضطرب في أمرنا ولا تهلك نفسك غيرة وغيضا { إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } أبدا؛ أي: لن ينالوا بإضرارنا حتى اضطررت من أجلنا، ذرنا معهم، واخرج من بيننا وبينهم، وخرج لوط مفتحا باب بيته، فدخلوا على الرسل بالفور، فضرب جبرائيل عليه السلام بجناحه فأعماهم، فانقبلوا صائحين صارخيه: النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة.
وبعدما خرجوا فاقدين أبصارهم، قال الرسل أمرا للوط: { فأسر } أي: سر ليلا { بأهلك } أي: بمن آمن معك { بقطع } أي: بعد مضي طائفة { من الليل و } بعدما خرجتم { لا يلتفت } ولا ينظر { منكم } أيها الخارجون { أحد } خلفه حين سمع حنينهم وأنينهم وتشدد العذاب عليهم { إلا امرأتك } فإنها تلتفت حين سمعت الصيحة، فخرجوا على الوجه المأمور، فنزل عليهم العذاب بعد خروجهم بالفور، فصاحوا صيحة عظيمة، ولم يلتفت أحد من الخارجين إلا امرأته، فلما سمعت التفتت، وصاحت: واقوماه! فأصيبت بلا تراخ ومهلة { إنه } أي: الشأن والأمر في علمنا أنها { مصيبها مآ أصابهم } فلما سمع لوط ما سمع، استسرع إلى مقتهم من كمال ضجرته منهم، قالوا له: { إن موعدهم الصبح } أي: موعد هلاكهم صبح هذا الليلة { أليس الصبح } أيها المستعجل { بقريب } [هود: 81].
{ فلما جآء أمرنا } على رسلنا بأهلاكهم { جعلنا } أي: جعل الرسل بإقدارنا وتمكيننا إياهم قريتهم { عاليها سافلها } أي: يقلبون عليهم بيوتهم { و } مع ذلك { أمطرنا } من جانب السماء { عليها } أي: على أماكنهم وقراهم { حجارة } تنحجر { من سجيل } وهو معرب من سنك كل { منضود } [هود: 82] ممتزج منضد بعضها على بعض { مسومة } معلمة مقدرة { عند ربك } وفي حضرة علمه ولوح قضائه لأمثال هذه البغاة الغواة الهالكين في تيه الغفلة والغرور.
{ وما هي } أي: أمثال هذه البليات والمعيبات { من الظالمين } الخارجين عن مقتضى حدود الله وأوامره ونواهيه { ببعيد } [هود: 83] غريب حتى يستغرب في حقهم.
[11.84-87]
{ و } اذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين المعتبرين من ذوي الاستبصار والاعتبار وقت؛ إذ أرسلنا { إلى مدين } حين بالغوا التطفيف والتخسير في المكيلات والموزونات { أخاهم } ومن شعيتهم { شعيبا } المتشغب منهم، ليكون أدخل في نصحهم وأجهد في إهدائهم وإرشادهم { قال يقوم } موصيا له، متحننا على وجه الشفقة والنصيحة { اعبدوا الله } الواحد الأحد الصمد الذي ليس له شريك في الوجود والألوهية والربوبية وتيقنوا أنه { ما لكم من إله } مظهر لكم ولجميع ما ظهر وبطن غيبا وشهادة { غيره } بل الألوهية محصورة إليه، مقصورة له؛ إذ لا شيء سواه، ولا يستحق للعبادة إلا هو { و } عليكم أيها المأمورون من عنده بالاعتدال والاقتصاد في جميع الأخلاق والأفعال والأحوال أن { لا تنقصوا المكيال والميزان } لبني نوعكم { إني أراكم بخير } أي: سعة ورفاهية غاية لكم وتفضلا عليكم، فعليكم أن تزويدها وتديموها بالشكر والإنصاف والانتصاف على مقتضى ما أمرتم به من عند ربكم، وإن لم تعلموا مني ونصحي ولم تقبلوا قولي { وإني أخاف عليكم } من غيرة الله وكمنال قهره وسطوته { عذاب يوم محيط } [هود: 84] فيه عذابه على جميع أهل الزيغ والضلال، المنحرفين عن جادة الاعتدال.
Bog aan la aqoon