209

{ ذلكم } أي: ابتلاء الله بالبلاء الحسن، مختص بالمؤمنين { و } اعلموا أيها المؤمنون { أن الله } المولي لأموركم { موهن } مضعف ومبطل { كيد الكافرين } [الأنفال: 18] ومكرهم وحيلهم التي يقصدون بها إهلاككم وإذلالكم.

[8.19-23]

ثم قال سبحانه على سبيل التهكم للكافرين الذين كانوا إذا أقبل عليهم المؤمنون للقتال يطوفون حول الكعبة مشبثين بأستارها متضرعين مستفتخحين من الله، قائلين: اللهم انصر أعلت الجندين وأهدى الفئتين، وأكرم الحزبين { إن تستفتحوا } أيها ا لهالكون في تيه الضلال؛ لمقاتلة نبينا ومن تبعه من المؤمنين { فقد جآءكم الفتح } بقتلكم وسبيكم؛ أي: غلبة المؤمنين عليكم { وإن تنتهوا } عن مقاتلتهم ومعاداتهم، وعن الاستفتاح لها، بل آمنوا كما آمن هؤلاء لنبينا عن ظهر القلب { فهو خير لكم } في أولاكم وأخراكم { وإن } صالحوا معهم وآمنوا نفاقا، ثم ارتدوا، بأن { تعودوا } إلى مقاتلتهم ومعاداتهم { نعد } إلى نصرهم وتأييدهم إلى أن يستأصلوكم ويخرجوكم من دياركم.

{ و } لا تغتر بكثرة عددكم وعددكم؛ إذ { لن تغني } وترفع { عنكم فئتكم } التي تستظهرون بها { شيئا } من غلبة المؤمنين وظفهرم { ولو كثرت } فئتكم { و } كيف تغني فئتكم شيئا منهم { أن الله } القادر المقتدر بالقدرة الكاملة { مع المؤمنين } [الأنفال: 19] المجاهدين في سبيله؛ لإعلاء كلمة توحيده، ونصر دينه ونبيه ينصرهم ويعين عليهم.

ثم قال سبحانه مناديا للمؤمنين توصية: وتذكروا { يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم { أطيعوا الله } إطاعة الله { و } إطاعة { رسوله } المبلغ لكم أحكام الحق وشعائر دينه وتوحيده { و } عليكم أن { لا تولوا } أي: لا تتولوا معرضين { عنه } عن رسوله حتى لا تنحطوا عن رتبة الخلافة، وكيف لا تطيعون رسوله { وأنتم تسمعون } [الأنفال: 20] كلمة الحق منه سمعا وطاعة؟!.

{ ولا تكونوا } في عدم الإطاعة والانقياد له { كالذين قالوا } كفرا ونفاقا: { سمعنا } ما تلوت علينا { وهم } من غاية بغضهم ونفاقهم { لا يسمعون } [الأنفال: 21] سمع إطاعة وتسليم، فكأنهم لم يسمعوا أصلا، بل لا يتأتى منهم السماع لانحطاطهم عن رتبة العقلاء، ولحقوا بالبهائم في عدم الفطنة، بل أسوأ حالا منها.

{ إن شر الدواب عند الله الصم } عن استماع كلمة الحق عن ألسنة الرسل والإطاعة بها { البكم } عن التكلم بها بعدما فهموه، ولاحت عندهم حقيقتها، وبالجملة: هؤلاء هم { الذين لا يعقلون } [الأنفال: 22] أي: ليسوا من زمرة العقلاء وإن ظهروا على صورتهم وشكلهم. { ولو علم الله فيهم } أي: من استعداد هؤلاء السفهاء المنحطين عن مرتبة العقلاء { خيرا لأسمعهم } كلمة الحق سمع طاعة { ولو أسمعهم } مع أنهم ليسوا مستعدين له { لتولوا } وانصرفوا؛ من خبث طينتهم عنها { وهم } في أصل فطرتهم { معرضون } [الأنفال: 23] مجبولون على الأعراض، ولا يرجى منهم الإطاعة أصلا.

[8.24-26]

ثم قال سبحانه مناديا للمؤمنين تذكيرا له وتعليما: { يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم: إجابة الله وإجابة رسوله { استجيبوا لله } بامتثال مأموراته وأحكامه واجتناب نواهيه { وللرسول } سنته وآدابه وأخلاقه { إذا دعاكم } وحده، باعتبار أن دعوة الرسول هي بعينها دعوة الحق { لما يحييكم } من العلوم الدينية والمعارف الحقيقية المثمرة للمكاشفات والمشاهدات التي اضمحلت دنها نفوس السوى والأغيار مطلقا، المورثة للحياة الأزلية والبقاء السرمدي التي لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى التي هي الانخلاع عن لوازم البشرية، ومقتضيات القوى البهيمية، ولا بد أن تكون إجابتكم وقولكم على وجه الخلوص والتسليم.

{ واعلموا أن الله } المطلع لضمائر عباده { يحول } ويحجب { بين المرء } المشخص بالهوية الشخصية، المتعين بالتعين العدلي { وقلبه } الذي يسع فيه الحق المنزه عن الإطلاق والتقييد، المبرئ عن الإحاطة والتحديد بالحجب الكثيرة فمادامت الحجب والأستار مسدولة بين المرء وقلبه لم يشم رائحة المحبة والولاء المؤدي إلى الفناء، المثمر للبقاء.

Bog aan la aqoon