175

Tafsir Baghawi

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

Baare

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

Daabacaha

دار طيبة للنشر والتوزيع

Lambarka Daabacaadda

الرابعة

Sanadka Daabacaadda

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

إِلَى الْأَكْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ. فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ لَا تَأْكُلُهُ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ ﴿وَلَا عَادٍ﴾ أَيْ لَا يَعْدُو لِشِبَعِهِ. وَقِيلَ ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ أَيْ غَيْرَ طَالِبِهَا وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهَا ﴿وَلَا عَادٍ﴾ أَيْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ مَا حُدَّ لَهُ فَمَا يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهَا قُوتًا مِقْدَارَ مَا يَمْسِكُ رَمَقَهُ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ أَيْ مُسْتَحِلٍّ لَهَا ﴿وَلَا عَادٍ﴾ أَيْ مُتَزَوِّدٍ مِنْهَا. وَقِيلَ ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ أَيْ غَيْرَ مُجَاوِزٍ لِلْقَدْرِ الَّذِي أُحِلَّ لَهُ ﴿وَلَا عَادٍ﴾ أَيْ لَا يُقَصِّرُ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ فَيَدَعُهُ قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى مَاتَ دَخْلَ النَّارَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ مَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُهُ مِنَ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِقْدَارُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ ﵁ (١) . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ مُفَارِقٍ لِلْجَمَاعَةِ ﴿وَلَا عَادٍ﴾ مُبْتَدِعٍ مُخَالِفٍ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُبْتَدِعِ فِي تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ أَيْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لِمَنْ أَكَلَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ ﴿رَحِيمٌ﴾ حَيْثُ رَخَّصَ لِلْعِبَادِ فِي ذَلِكَ. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٤)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ "نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَعُلَمَائِهِمْ كَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ سَفَلَتِهِمُ الْهَدَايَا وَالْمَآكِلَ وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ الْمَبْعُوثُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ غَيْرِهِمْ خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ، فَعَمَدُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَغَيَّرُوهَا ثُمَّ أَخْرَجُوهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَتِ السَّفَلَةُ إِلَى النَّعْتِ الْمُغَيَّرِ وَجَدُوهُ مُخَالِفًا لِصِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَلَمْ يَتَّبِعُوهُ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ (٢) يَعْنِي صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَنُبُوَّتَهُ ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ﴾ أَيْ بِالْمَكْتُومِ ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ أَيْ عِوَضًا يَسِيرًا يَعْنِي الْمَآكِلَ الَّتِي يُصِيبُونَهَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ يَعْنِي إِلَّا مَا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى النَّارِ وَهُوَ الرِّشْوَةُ وَالْحَرَامُ وَثَمَنُ الدِّينِ، فَلَمَّا كَانَ يُفْضِي ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَكَأَنَّهُمْ أَكَلُوا النَّارَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا فِي بُطُونِهِمْ ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أَيْ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَبِمَا يَسُرُّهُمْ إِنَّمَا يُكَلِّمُهُمْ بِالتَّوْبِيخِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِمْ غَضْبَانَ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ

(١) انظر أحكام القرآن للجصاص: ١ / ١٥٦-١٦٦، أحكام القرآن لابن العربي: ١ / ٥٥-٥٧. (٢) أخرجه الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ١ / ٤٠٩.

1 / 184