معقولية الشيء هى تجريده عن المادة وعلائقها ، والشيء إذا كان يخالطه شيء غريب لا يكون متجردا فلا يكون عقلا ولا يكون معقولا لذاته.
الهيولى وإن كان وجودها بالصورة فوجودها لذاتها لا للصورة وهى حاملة للصورة وليست هى كالعرض الذي هو محمول.
الشيء الذي وجوده وجود عقلى أى مجرد ، هو عقل؛ والذي هو له ذاته هو عقل ، بذاته. والعرض وجوده للجوهر أى قوامه (26 ا) هو إنما وجد ليكون نعتا له أو حلية كما البياض للجسم لأنه صفة للجسم موجودة له لا لذاته. وكل شيء ذاته لشيء فذلك الشيء يدركه وهو لا يدرك ذاته. فالأجسام والقوى الجسمانية ذواتها لا لها بل لغيرها أى للأنفس ، فهى لا تدرك ذواتها. كالقوة الباصرة مثلا فإنها لا تدرك ذاتها والقوة الحاسة لا تدرك ذاتها ، وكذلك كل ما له ذاته فهو يدرك بذاته ، والمفارقات لها ذواتها فهى مدركة ذواتها. والبارى هو عقل لأنه هوية مجردة ، وهو عاقل لأن ذاته له ، وهو معقول لأن هويته المجردة لذاته. وكون ذات البارى عاقلا ومعقولا لا توجب أن يكون هناك اثنينية فى الذات ولا فى الاعتبار : فالذات واحدة والاعتبار واحد ، لكن فى الاعتبار تقديم وتأخير فى ترتيب المعانى ، ولا يجوز أن تحصل حقيقة الشيء مرتين كما نعلم. فلا يجوز أن تكون الذات اثنين كما إذا عقلت أنا معنى زيد يكون قد حصل ذاته فى ذاتى فتكون هناك اثنينية : ذاتى العاقلة وذاته المعقولة.
البارى يعقل ذاته لأن وجود ذاته له ، وكل ذات تعقل ذاتا فتلك الذات حاصلة لها فى ذاتها. فالحاصل فى ذاته هو ذاته لا غيرها ، وليس هناك اثنينية فإن حقيقة الشيء تكون مرة واحدة لا تحصل مرتين. وليس قولنا : إن ذاته موجودة له وقولنا : إن ذاته معقولة له تجعل الذات اثنين ، فإن حقيقته لا يعرض لها مرة شيء ومرة ليس ذلك الشيء وهو حقيقة واحدة دائما. فليس لكونها معقولة زيادة على شرط كونها موجودة بل زيادة شرط على الوجود مطلقا وهو أن وجود ذاته التي به هى معقولة حاصل له فى ذاته لا بغيره.
إذا قلت إنى أعقل الشيء فالمعنى أن أثرا منه موجود فى ذاتى فيكون لذلك الأثر وجود ولذاتى وجود. فلو كان وجود ذلك الأثر لا فى غيره بل فيه لكان أيضا يدرك ذاته ، كما أنه لما كان وجوده لغيره أدركه الغير. فالأول لما كان وجوده لذاته على الوجه الذي قلنا كان مدركا لذاته. فلا يظن أنه إذا قلنا : إن كل صورة معقولة فوجودها لذات ذلك المعقول فتكرر الوجودان والذاتان ، فتكون اثنينية.
Bogga 78