Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Noocyada
بهذه الفعالية المستقاة من موجهات الحي إلى الطبيعة ومن التنزيه يكون الفكر الديني تأصيلا للفكر العلمي، ويكون الفكر العلمي نماء وتطويرا للفكر الديني، ويكون الكلام بإسقاطه الفكر العلمي والبعد الطبيعي كلية ودورانه في الدائرة الأنطولوجية الثيولوجية المغلقة قد ألغى مراحل من التقدم تم إحرازها. إن المهمة المنشودة من التوجه المستقبلي لعلم الكلام هي إعادة الطبيعة إلى الإنسان وتأسيس موقفه الطبيعي العقلاني. (2) الطبيعيات من الأيديولوجيات إلى الإبستمولوجيا، وبالعكس
إننا بكل هذا في سيرورة الوحي، الذي انبثق عنه علم كلام يمكن أن يشق طريقا مستقبليا ويتحول إلى أيديولوجيا لحضارة محدثة وناهضة. وعلم الكلام الجديد بهذا يساهم من جانبه في تحقيق مهمة العصر التي لخصها أستاذ الجيل زكي نجيب محمود في «أن نبحث عن طريقة يلتحم بها «علم» العصر مع شريعة ديننا، فيكون لنا من الحياة الثقافية ما نريد.»
7
وسيظل هذا البقاء في سيرورة الوحي قائما، ليكون عنصر التواصل أكثر حضورا من عنصر القطع، فيما اتفقنا على أنه تميز حضارتنا أو أيديولوجيتنا.
ولا بد الآن من استئناف الطريق إلى الخطوة الأبعد والأكثر حسما، إلى الموقف الإبستمولوجي العلمي، حيث تسخير استطاعات المنطق الاختباري والمنهج التجريبي.
فهذا العصر الذي نحياه على مشارف القرن الحادي والعشرين لهو عصر السباق المحموم في السيطرة على الطبيعة وترويضها وتطويعها وصيانتها بيئيا، وتساهم النقاط المحرزة في هذا السباق، لا في انقسام الدول إلى مراكز وأطراف فسحب، بل أيضا إلى دائنة ومدينة، تابعة ومتبوعة، قاهرة ومقهورة، تجلب رغيف الخبز بالديون التي هي هم بالليل وذل بالنهار، أو تستجلب الجيوش الأجنبية دفاعا عن حماها المقدس.
الآن الصراع الحقيقي الذي يواجه المسلم ولا يرضى الله أبدا التقاعس عن البلاء فيه، ليس مع العقائد الشعوبية أو سواها من تحديات واجهت القدامى، بل هو الصراع مع جحافل الطبيعة الضنينة قهرا للجهل والفقر والعجز والعي والمرض والوباء والفيضان والجفاف والتصحر ونضوب الثروات وندرة الموارد ...
في مواجهة هذه الجحافل الضارية، وفي ذلك الصراع والسباق، ينتصب مارد المنهج «العلمي» لينتج أينع صور الألفة مع الطبيعة، من حيث يثمر نسق العلم ذا الإشباع الذي لا يضاهى للعقل البشري ونزوعه لفهم الطبيعة وتفسيرها واستكناه أسرارها، ناهيك عن أنه يفتح ضمنا الطريق الوحيد للسيطرة عليها وترويض شراستها بواسطة التقانة (التكنولوجيا) نجيبة العلم الشرعية الأثيرة وربيبته المدللة، ويا لها من واسطة امتلكت فعالية لم يحلم الإنسان بمعشارها يوما ما! وما كان هذا ليكون إلا لأن نسق «العلم» قد تعملق.
في كل هذا يتجلى العلم الطبيعي - كمقابل لكل صنوف الأيديولوجيات، ولأنه ليس بأيديولوجيا البتة - يتجلى بوصفه المشروع الوحيد الذي ينجزه الإنسان بنجاح. مهما قيل إن الإسلام دين التقدم والمدنية ... لكن المسلمين هم المتخلفون، أو أن المسيحية دين المحبة والغفران ... لكن الأوربيين قراصنة استعماريون، أو أن الليبرالية للحرية والفردية والكرامة وحقوق الإنسان ... لكن الأمريكيين رعاة بقر مهجنون إمبرياليون، أو أن الشيوعية هي اليوتوبيا الموعودة للكادحين ... لكن أعضاء الحزب الشيوعي السوفييتي حفنة لصوص، أو أن القومية العربية أشد واقعية من الدم الذي يسري في الشرايين ... لكن الحكام العرب كانوا خونة وعملاء ... ومهما قيل وقيل لا يجرؤ أحد البتة على أن يقول: المنهج «العلمي» فعالية جبارة وآلية رائعة ... لكن العلماء كسالى خائبون! ولا حتى مناقشة إخفاقات العلم والمشاكل التي عجز عن حلها. المنهج العلمي بلا ريب هكذا: فعالية جبارة وآلية رائعة، لكن لأنه جعل العلماء يضطلعون بمشروعهم اضطلاعا لا يدانيه الملام ولا العتاب، لا من بين أيديهم ولا من خلفهم ... وهل يدانيهم سوى الإعجاب والانبهار؟ لذلك التطابق بين الواقع والمثال، بل لذلك الواقع العلمي الذي يحطم المثال تلو المثال، باحثا دوما عن مثال أعلى، عن تقدم أبعد ... لذلك النجاح الذي لم يعرف الإنسان له مثيلا. •••
مصطلح «علم» هنا يختلف من أي ورود سابق للفظة العلم، فالمقصود مصطلح
Bog aan la aqoon