Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Noocyada
1
من هنا تداخلت أو بالأحرى تكاملت الطبيعيات والإلهيات، فأمكننا الآن التقاط بذور واعدة من تراثنا، لنحاول أن نستنبتها يقطينا أو لينة، تنمو وتعلو، لتشق تلك الدائرة المغلقة التي كانت من الثيولوجيا إلى الأنطولوجيا وبالعكس.
فلولا سقوط هذه العناصر الواعدة لما غاب البعد الطبيعي للإنسان من الوجدان المسلم. مطلوب الآن إحياؤها، على أن يتحول البعد الطبيعي إلى فعالية، إلى صيرورة متنامية باستمرار ... إلى نضال معرفي وجهاد إبستمولوجي، يتكرس له ويتفانى فيه ويستشهد من أجله أولو العزائم والشكائم حقا، العلماء في معاملهم ... في معترك كفاحهم الضاري والنبيل. •••
إن الضرورة الملحة الآن إحياء وإنماء ذلك البعد الطبيعي. ويمكن الاستفادة بشيء من التواصل مع المعتزلة وابن رشد وسائر الطبائعيين من أجل تجذير البعد الطبيعي في ثقافتنا، إعادة الإنسان المسلم إلى الطبيعة تمهيدا لاستملاكها؛ هكذا يحقق مستقبل علم الكلام تجاوزا مثمرا لماضيه الذي حمل صورة الطبيعيات المتجهة إلى الثيولوجيا المسخرة لتأكيد وجود الله الغني عن العالمين، لا الإنسان الذي يحيا فيها ويصارعها ويعاني جموحاتها، حتى تمخضت الطبيعة مع الأشاعرة عن جرف هار تحت قدميه، بلا قانونية ولا مشروعية ولا مصداقية للعلم بها.
بهذا الاستيعاب والتجاوز يتم تعديل وضع الطبيعيات، لتغدو من أجل الإنسان الذي يظهر من خلالها مثبتا دوره في الكون، ووجود الطبيعة في عالم الإنسان وله وبه ومن أجله. هكذا يتأسس الموقف السليم لممارسة فهمها وإدراك قوانينها والسيطرة عليها؛ أي إنه الوضع المبدئي لما يمكن تسميته بالموقف العلمي. وبقدر ما يتأسس هذا بقدر ما تتحقق رسالة الوحي الإسلامي كخاتمة الأديان، من حيث هو وحي طبيعي لا كهنوتي. إن التوحيد يصبح كما كان وكما ينبغي أن يكون: رؤية موجهة للذهن نحو الطبيعة، وتتحول الطبيعة من موضوع حسي وجداني إلى موضوع عقلي علمي، ويتحقق مشروع الكلام الذي وضعه لنفسه وهو يبحث في نظريتي العلم والوجود، ليصنع نهضة حضارة ويؤكد سؤدد أمة، وهو المشروع الذي توقف منذ القرن الثامن.
وإذا سار علم الكلام في هذا الاتجاه لن تعود الروح العلمية غربية غريبة، مجلوبة من الخارج منفصلة عن إطارنا الحضاري الذي يعد الوحي مركزه، وعلينا أن نجد فيه بواعث الموقف الطبيعي وموجهات السلوك العلمي، كالتجريب ونبذ التقليد والدعوة إلى إعمال العقل والتأمل في الطبيعة والسير في الأرض واكتشاف مناكبها ... ودعوة القرآن الدائمة إلى النظر في تصريف الرياح وتعاقب الليل والنهار والسحب والسماء ذات النجوم والكواكب السابحة في فضاء لامتناه.
وكما أشار المجدد الديني الأكبر محمد إقبال، «كان أفلاطون وفيا لتعاليم أستاذه سقراط؛ فقدح في الإدراك الحسي؛ لأن الحس في رأيه يفيد الظن ولا يفيد اليقين. وما أبعد هذا عن تعاليم القرآن الذي يعد السمع والبصر أجل نعم لله على عباده.»
2
وإنه لأمر عظيم حقا أن يوقظ القرآن تلك الروح التجريبية في عصر كان يرفض عالم المرئيات بوصفه قليل الغناء. ولا شك أن أول ما يستهدفه القرآن الكريم من هذه الملاحظة التأملية التجريبية للطبيعة هو أنها تبعث في نفس الإنسان الشعور بالله الذي تعد هذه الطبيعة علامة «العالم» عليه، ولكن ما ينبغي الالتفات إليه أيضا، كما يشير محمد إقبال، هو «الاتجاه التجريبي العام للقرآن»؛
3
Bog aan la aqoon