Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Noocyada
فضلا عن تمركز دورهم في تشكيل الطبيعيات الإسلامية.
في وقت مبكر، منذ القرن الثاني، وقع رائدهم التجريبي الشهير جابر بن حيان في إسار إيمانه الطاغي بحيوية الطبيعة وكل شيء فيها، بل رآها عاقلة مريدة. والكواكب قوى حية علوية تمارس تأثيرها. الفرق بينها وبين الله هو دخول المادة فيها، ولعل إفراط جابر في حيوية الطبيعة والتنجيم - وهو الذي يتصدر باكورة الاهتمام الإسلامي التواق بالطبيعة - هو الذي أدى إلى ثبوتهما المزعج في الطبيعيات الإسلامية.
أما في القرن الرابع الهجري حين بدأ هؤلاء الطبيعيون في التمييز كفئة أو كدائرة في الدوائر التي ارتسمت حول الوحي، في هذا القرن آمن بحيوية الطبيعة والتنجيم الطبيب العالم أبو بكر الرازي، وكان إيمانه بالغ الحماس؛ لقبه المتكلمون بالملحد الكبير الخارج عن الروح الإسلامية، والحق أنه «تبنى موقف الحرانيين تبنيا كاملا.»
44
وهم مدرسة ظهرت في حران انتهت إلى تجسيم الله ودخلت في إطار الصابئة، وتحمل أقوى تأكيد بحياة الأجرام السماوية وتصرفها في شئون الطبيعة والحياة والبشر، وتغلغلت في التراث الإسلامي. تأثر بها الكندي وإخوان الصفا - كما بدا فيما سبق - وابن سينا، وينسب إليها عابد الجابري ما حملته الفلسفة المشرقية من عناصر هرمسية وغنوصية أدت إلى انتقال البيان إلى العرفان.
ويكاد يكون الرازي أكمل تمثيل تلك الفلسفة الحرانية؛ أنكر مثلهم المعجزات والنبوة؛ لأن الناس سواسية في إمكان الاتصال بالعالم العلوي عن طريق تطهير النفس ومفارقة المحسوسات، وقال بقدمائهم الخمسة: الهيولي والصورة أو النفس، والزمان والمكان والحركة، كلها لامتناهية وكل لامتناه قديم، والخلق من العدم مستحيل. الخلق حدث من اشتياق النفس إلى الهيولي. إن الرازي يسخر نظرية الفيض ذات الأصول المثالية، لكن التطور النسبي لمنجزات العلوم الطبيعية في عصره عموما، وعلى يديه خصوصا، مكنه من توجيه نظرية الفيض توجيها ماديا أكثر.
بصفة عامة ابتعد هؤلاء العلماء عن طريق المتكلمين، وتلمسوا طريق الفلاسفة. تولوا عن فيثاغورث والفيض وساروا مع الأرسطية، وعلى الرغم من أن اهتمامهم كان بالوقائع المادية، وما ينجم عنها من آثار، وعنايتهم فقط بدراسة الطبيعة وظواهرها المادية، فإنهم جميعا «جاوزوا الطبيعة والعقل والنفس في أبحاثهم، وارتقوا إلى ذات الله، فجعلوه العلة الأولى أو الصانع الحكيم الذي تتجلى حكمته ويتمثل إحسانه في مخلوقاته.»
45
نفس التوجه الإلهي ونفس الدائرة الثيولوجية الأنطولوجية.
فيستهل البيروني - مثلا - مبحثا هندسيا خالصا بأنك إذا تحققت من ماهية الهندسة تعرف نسبة الأجناس والكمية، ومقدار المزروع والمكيل والموزون، وما بين مركز العالم وأقصى المحسوس منه ... «ثم ترتقي بواسطة التدرب بها من المعالم الطبيعية إلى المعالم الإلهية.»
Bog aan la aqoon