Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Noocyada
وعلى الرغم من الطابع السردي السطحي لرسائلهم، كان لهم تعاملهم المبدع مع نظرية الفيض؛ إذ مزجوها بالفيثاغورية ليخرجوا بمضمون إسلامي قشيب، يدثرون به هذا الوجود ليدور وإياهم في الدائرة الثيولوجية، ولنقتبس منهم هذا النص الشامل:
قال اليوناني: الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد (هل قال اليوناني هذا؟!) الذي كان قبل الهيولي ذات الصورة والأبعاد، كالواحد قبل الأعداد والأزواج والأفراد، والتعالي عن الأنداد والأضداد، والحمد لله الذي تفضل وتكرم وأفاض من جوده العقل الفعال، ذا العلوم والأسرار، وهو نور الأنوار وعنصر الأرواح، والحمد لله الذي أنتج من نوره العقل والبحث عن جوهر النفس الكلية الفلكية ذات الحركات، وعين الحياة والبركات.
والحمد لله الذي أظهر من قوة النفس عنصر الأكوان ذات الهيولي والكيان، والحمد لله خالق الأجسام ذوات المقادير والأبعاد والأماكن والأزمان، والحمد لله مركب الأفلاك والكواكب والسيارات، الموكل بدورانها النفوس والأرواح ذات الصور والأشباح، ذوي النطق والفكر والحركات الدورية، وجعلها مصابيح الدجى، ومشرق الأنوار في الآفاق والأقطار، والحمد لله مركب الأركان ذوات الكيان، وجعلها مسكنا للنبات والحيوان والإنس والجان. وأخرج النبات، وجعل ذلك مادة للأبدان وغذاء للحيوان وهو المخرج من قعار البحار وصم الجبال، الجواهر المعدنية الكثيفة ذوات المنافع.
20
هكذا ببساطة يكتمل تصور الوجود الطبيعي في إطار أو شكل نظرية الفيض اليونانية التي امتلأت بالمضمون الإسلامي، على أن نظرية الفيض اكتست معهم أيضا بأردية فيثاغورية، فهم يقولون «برأي فيثاغورس الحكيم»: «إن طبيعة الموجودات بحسب طبيعة العدد، فمن عرف العدد وأحكامه، وطبيعته وأجناسه وأنواعه وخواصه، أن يعرف كمية أجناس الموجودات وأنواعها وما الحكمة في كمياتها على ما هي عليه الآن.»
21
فجعلوا العدد أساس فلسفتهم. ونسبة الباري إلى الكون كنسبة العدد واحد إلى الأرقام والعقل 2، والنفس 3، الهيولي 4، الطبيعة 5، الجسم 6، الأفلاك 7، الأركان 8، المولدات 9.
الفيض ليس في ثلاث درجات كما رأى أفلوطين، بل هو في تسع، ليس بسبب تاسوعاته، إنما لأن الرقم 9 آخر مرتبة الأرقام الآحاد، وكذلك المولدات آخر مرتبة وجود الكليات، ثم نجد المعادن في مرتبة العشرات والنبات كالمئين والحيوان كالآلاف فتكتمل دائرة الأرقام المعروفة آنذاك، وتكتمل دائرة الوجود الأنطولوجي المتجه نحو الثيولوجيا.
ويمكن ملاحظة هذا التسلسل لدرجات الفيض التسع في النص المقتبس، ونتوقف عند الرقم 3، النفس الكلية الفلكية، فهي الطريق الذي تسلكه الطبيعيات لتتجه، بل لتنصب توا في الإلهيات، مستعينين بتراثهم الزاخر في التنجيم، وها هنا مناط إبداعهم، وكان توجيه الطبيعيات إلى الإلهيات همهم الأول وشغلهم الشاغل؛ فكيف كان ذلك؟
يجعل التنجيم دوران الأفلاك محددا لكل شيء في عالم البشر وعالم الطبيعة على السواء، حتى إنه العلة الصورية التي تجعل من العلة الهيولانية (الزئبق والكبريت) جواهر المعادن. ودوران الفلك يدوم ما دامت النفس الكلية مربوطة معه، إذا فارقته توقف دوران الأفلاك وقامت القيامة.
Bog aan la aqoon