Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Noocyada
وهذا بفعل المدرسة الحرانية المشرقية من ناحية، والتراث الإغريقي من الناحية الأخرى، فتصور الكندي الأجرام السماوية على أنها حية وفاعلة في الكون، إنها أقرب إلى الألوهية منها إلى الأرض؛ فحركتها في أكمل الأشكال؛ أي الدائرة، حركة دائرية لا مستقيمة كحركة الأرض، بل رأى فيها «قوة التمييز، فهي إذن ناطقة اضطرارا.»
5
ولا أوافق حسين مروة إطلاقا في اعتبار هذا مع الكندي - أو مع إخوان الصفا - بمثابة علية شاملة؛ فهي في الواقع تضخم للإحساس الديني المشخص إلى أقصى درجة، فيكتسح نطاقا من الطبيعة يتصور الخيال أنها تلامسه، ويشخصها هي الأخرى أو يشخص جزءها ذاك. وإذا رمنا تنظيرا فلسفيا أعمق، وجدنا عقيدة التنجيم بصفة عامة امتدادا للنظرة الحيوية للطبيعة، وأنها «عالم حي وعاقل وكل كياناتها - الإنسان والحيوان، النبات والكواكب - تشاركها في العقل والحياة.»
6
وكما أشار كولنجوود (روبن جورج)، هذه النظرة سيطرت على مجمل الفكر القديم شرقا وغربا، وظلت سائدة حتى بدايات حركة العلم الحديث وتصورها الميكانيكي الآلي للطبيعة الذي ساد أيما سيادة حتى انهار مع ثورة الكمومية والنسبية والعلوم الذرية في القرن العشرين.
ليس فقط التصور الحيوي للطبيعة والنجوم، بل التصورات الإغريقية بصفة عامة لم يستغن عنها الكندي الذي عمل بالمفاهيم الأرسطية، لكن بعد أن يملأها بالمضمون الإسلامي. فالقوالب الأرسطية لم تمنع الكندي من التسليم بالمسلمة الإسلامية الصميمة؛ أي خلق العالم من العدم، أو أنه على أقصى الفروض يسبح في البرزخ المعتزلي بين فاعلة العلية وبين الخلق من العدم، وعبر منه إلى أول صياغة فلسفية لتصور إسلامي للكون الطبيعي، تتجاوز النص والكلام، وتتمثل في فئة من المفاهيم والحدود والمقولات والرسوم، انتظمت في هيكل متكامل، هو للبرهنة على الموضوعة الأساسية: خلق الله العالم من العدم، أو بتعبير الكندي: «جرم العالم محدث اضطرارا من ليس.»
7
ومن ثم، فإذا كانت الفلسفة عنده أشرف العلوم، فإن أعلاها شرفا هو الفلسفة الأولى؛ لأنها «علم الحق الأول الذي هو علة كل حق.»
8
هكذا لم يخرج الكندي عن الدائرة الثيولوجية الأنطولوجية، وتصوره للطبيعة لم ينفصل البتة عن الفعل الإلهي، حتى وإن أقر بخضوعها لقانون العلية العتيد، فليست العلل إلا وسائط، و«الطبيعة» هي الشيء الذي يجعل الله منه علة أولية لكل متحرك أو ساكن، والله - الفاعل غير المنفعل البتة كمحرك أرسطو - هو العلة الأولى لجميع المعقولات، والتي هي معلولات لفعله، إما بتوسط الطبيعة أو سواها، وإما بغير توسط؛ فظلت الطبيعة موجهة نحو المتجه الإلهي، ولم يتحدث عنها الكندي إلا من أجل إثبات الله في النهاية. •••
Bog aan la aqoon