Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Noocyada
ستظل الطبيعيات هي الوسط المتعين للإنسان والمستوى الأولي المبدئي ... مهما كان الإباء أو اللهاث لشد الرحال إلى مستويات أعلى للوجود أو للمعرفة، للواقع أو للفكر، يظل التنظير للمستوى الأولي - الطبيعيات - لا فكاك منه البتة.
فكانت الطبيعيات وستظل دائما في كل عصر ومصر، في كل زمان ومكان، محورا من محاور النشاط العقلي، وطبعا اختلفت - وتختلف الآن أكثر وأكثر - حصائل هذا النشاط بدرجات متفاوتة أيما تفاوت. ويظل لزاما على كل مفكرين أو منظرين أو فلاسفة الإلمام بمستوى المعارف الطبيعية كما هي مطروحة في عصرهم والمصادرة على هذا المستوى في تنظيراتهم، ولا ولم يستثن علماء الكلام من هذا، حتى إن أبا عمرو الجاحظ (255ه) - وهو من رواد النزعة الطبيعية في علم الكلام الاعتزالي ومن المعالم البارزة في الثقافة العربية بجملتها - لم يفته التأكيد على أن العالم الحق يجب أن يضم إلى دراسة الكلام دراسة العلم الطبيعي، وكان هو نفسه «يصف في كل شيء أفاعل الطبيعة - وقد غلب النظر في الفلسفة الطبيعية على المعتزلين الأولين.»
1
فعلى خلاف الظن الشائع، أو بالأحرى الخطأ المعتمد، احتلت الطبيعيات في علم الكلام القديم - السائر قدما نحو المتجه الإلهي - مكانا فسيحا في صدر المسرح الفكري، ولئن لم تكن الطبيعة من المشكلات الكبرى أو من أصول المعتزلة الخمسة ولا من العناوين التقليدية للمصنفات الكلامية، فإنها منبثة في كل هذا حتى شهدت مع المتكلمين زخما وثراء.
فالطبيعيات هي العالم، هي «كل موجود سوى الله تعالى»،
2
سوى عالم الغيب، هي عالم الشهادة، بتعبير معاصر هي الكون الفيزيقي. وقد تحول العالم والكون على أيدي المتكلمين إلى جواهر وأعراض، وسرعان ما أصبحت «الجواهر والأعراض» هي الأنطولوجيا الكلامية، وأهم ما في الأمر أنهم لم يختلفوا كثيرا بصددها، اتفقوا على أساسيات الطبيعيات - أو تصور العالم - وعلى وضعها في المنظومة الكلامية، الخلاف في التوجهات النهائية والهدف الذي رامه الفريق منذ البداية، وعلى وجه التحديد في مفترق الطرق بين المعتزلة والأشاعرة.
وثمة أسلوبان لتناول علم الكلام القديم، فإما النظر إليه كفرق، وإما النظر إليه كموضوعات. بهذا الأخير نجد الموضوعات ستة: التوحيد، القدر، الإيمان، الوعيد، الإمامة، ثم اللطائف؛ أي الطبيعيات. الإلهيات (= العقليات) تشمل التوحيد والقدر. والسمعيات (= النقليات) تشمل الإيمان والوعيد والإمامة.
أما اللطائف أو الطبيعيات فموضوعها الجسم والحركة والزمان والمكان؛ أي العالم الفيزيقي كما أشرنا. وهي «دقيق الكلام» الذي هو مجال العقل وحده، مقابل «جليل الكلام»؛ أي العقائد التي نفزع فيها إلى كتاب الله. هكذا تشير الطبيعيات إلى بداية التفكير العلمي في الطبيعة، بل تطور هذا إلى ما يمكن أن نسميه مشروع إنشاء علم طبيعي، «ولكن هذا الفكر العلمي البازغ من ثنايا الفكر الديني، تم إسقاطه من الحساب ثم إجهاضه بسيادة الفكر الديني وحده، فانفصل العلم عن الدين والبدن عن النفس والشيء عن العقيدة والعالم عن الله.»
3
Bog aan la aqoon