لإحضار أهله من الشرق، فلما جزت البيرة ألجأنا المطر إلى أن نمنا في مغارة، وكنت في جماعة، فبينما أنا نائم إذا بشيء يوقظني، فانتبهت فإذا بامرأة وسط من النساء لها عين واحدة مشقوقة بالطول، فارتعت، فقالت ما عليك، إنما أتيتك لتتزوج ابنة لي كالقمر، فقلت لخوفي منها: على خيرة الله، ثم نظرت، فإذا برجال قد أقبلوا كهيئة المرأة التي أتتني، عيونهم كلّهم مشقوقة بالطول في هيئة قاض وشهود، فخطب القاضي، وعقد، فقبلت. ثم نهضوا، وعادت المرأة، ومعها جارية حسناء إلا أن عينها مثل عين أمها، وتركتها عندي وانصرفت، فزاد خوفي واستيحاشي، وبقيت أرمي من معي بالحجارة لينتبهوا فما انتبه والله واحد منهم (١)، فأقبلت علي بالدعاء والتضرع، ثم آن الرحيل فرحلنا وتلك الشابة لا تفارقني، فدمت على هذا ثلاثة أيام وأنا مقبل على الدعاء والتضرع، فلما كان في اليوم الرابع أتتني المرأة، وقالت: كأنّ هذه الشّابّة ما أعجبتك؟ وكأنك تختار فراقها، فقلت أي والله، فقالت:
طلقها فطلقتها فانصرفتا ثم [لم] (٢) أرهما، قال: فسألته إن كان أفضى إليها فزعم أن لا.
ولما قدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون من الكرك سنة تسع وسبعمائة (٣) تردد إليه ونفق عليه، فجلس مرة هو والقضاة إلى جانبه وقت صلاة الجمعة بالميدان الصغير، فقرأ القارئ عشرا، فسأل السلطان عن معنى آية منه فلم يحر القضاة جوابا، فقال هو للسلطان بالتركي: هؤلاء حمير، ما فيهم من يعرف التفسير، ثم أخذ يفسرها له بالتركي، فقال له: لم لا تقول بالعربي؟ فقال: لأن هؤلاء ما هم أهل لأن أعلمهم، وإنما الخطيب يعرف،
_________
(١) في مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، والمقفى للمقريزي: «فما انتبه والله ولا واحد منهم».
(٢) تكملة عن المقفى، ومسالك الأبصار.
(٣) في الأصل «سنة تسع وسبعين وسبعمائة» والصواب في المقفى.
1 / 37