فاختار راضيًا أن يسكن في بقعةٍ مهجورةٍ، على أن يكون سببًا في إيذاء مسلم.
بهذه الرُّوح الإِسلامية عمرت الصالحية، ونزعت الأشواك من أرضها، وقلع قصبها، وكان أول ما بني بيت أحمد بن محمد بن قدامة، وبيت ابنه أبي عمر، ثم بني بعد ذلك بيت ابنه الموفق (١).
وبات السكان الجدد يحرُسُون بيوتهم ليلًا، خوفًا من اللصوص، وخوفًا من أهل وادي التيم الذين يأخذون الناس ويبيعونهم في بلاد الفرنج .. وخوفًا من الذئاب والسباع (٢).
ثم بنى الشيح أبو عمر مدرسته المعروفة "بالعمرية"، وكان موضعها آنذاك مقصبة .. وكان ثَمَّ ضفادع تنق ولا تسكت (٣). بنيت المدرسة لَبِنَة لبنة، وكانت همة أبي عمر وعزيمته لا تفتر؛ فبنى مع المدرسة مصنعَ ماءٍ جعله تحتها (٤).
وتوفي الشيح أحمد سنة (٥٥٨ هـ)، أي بعد هجرته بسبع سنوات، وله سبع وستون سنة (٥)، وقد خلَّف عِدَّة أولاد أشهرهم أبو عمر محمد، وعبد الله الموفق.
والذي يقرأ سيرة أبي عمر يأخذه العجب بهذه الشخصية الفذَّة التي تحلت بأخلاق الإِسلام، علمًا وورعًا وحِلْمًا وشجاعة وزُهْدًا، وتفانيًا
_________
(١) "القلائد الجوهرية": ١/ ٣٨.
(٢) "القلائد الجوهرية": ١/ ٣٩.
(٣) "القلائد الجوهرية": ١/ ١٦٩.
(٤) المصدر السابق.
(٥) انظر "العبر": ٤/ ١٦٤، و"القلائد الجوهرية": ١/ ١٦٦.
1 / 16