ولما صافح الأسماع منا ... تقطعت الضمائر والقلوب فخرجنا جميعا فأدركناه مغمى عليه وذلك في الضحوة الصغرى، فحينئذ بادرت لإحضار الأطباء، فأشاروا ببعض وضعيات وبالانتظار أربعا وعشرين ساعة، ولكن ما الحيلة وليس في الإمكان رد ما كان ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبتنا ليلتئذ في حال وأي حال، استعنا عليه بالصبر لأمر المولى المتعال، وضحوة اليوم التالي (السبت) احتفل بمشهده احتفالا حافلا جدا يشهد بما له في قلوب الناس من سمو المكانة والمنزلة العليا، مشى فيه جمع كبير من العلماء، والشرفاء، والأعيان، وعوام لا يحصون عدا، حتى غصت الشوارع والأسواق، وهم آسفون على أفول ذلك البدر، ذاكرين لصفاته الغر ومحاسنه التي أبكت مقلة الدهر، فكان مشهدا مؤثرا ومأتما محزنا. وما كنت ترى إلا عينا تدمع وقلبا يصدع. وسئلت عن موضع الصلاة عليه أفي الجامع الأموي، فقلت: بل في جامع السنانية الذي كان موطنا لعبادته مدة حياته السنية. فلما دخلنا الجامع قدمت للصلاة عليه استاذنا العلامة شيخ الشام ومقدم علمائها الأعلام الشيخ بكري أفندي العطار، زيد فضله المدرار، ثم سرنا بمشهده الكبير إلى مقبرة الباب الصغير، واستودعناه خزانة عفو الله وغفرانه وروضة كنز رحمته وإحسانه، فكان مرقده الأعطر خلف مقام سيدي الجد الهمام، وراء ضريح العلامة الشيخ إسماعيل الحائك مفتي الشام.
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى ... إن الكواكب في التراب تغور
Bogga 53