وهو ينظر إلى الناس من عل، يحصى سيئاتهم ويضخمها ويتنبأ بمقادير العقاب التى ترصد لها فى الآخرة.
وهو يستمع إلى العلماء- إن استمع- ليأخذ ما يحلو له ويترك ما ينبو عنه ذوقه المريض. وهم فى نظره لا يفضلونه بشىء طائل، إن سبقوه بالعلم فقد سبقهم بالعمل، بل إنه ربما لا يفضل نفسه عليهم لأنه هكذا يتواضع الأتقياء...!!! وأنصاف المتدينين مع كل دين كأنصاف المتعلمين فى كل أمة، كثرة غامرة وشر يقابل غالبآ بالصمت، لأننا فى سبيل أن نحارب الجهل الفاضح نقبل نصف المتعلم، وفى سبيل أن نحارب الفجور الوقح نقبل نصف المتدين. ولكننا نطمع أن لا تضيع الحقائق فى ظل هذه الضرورات، وألا يتوارى قبح النقص الخلقى والعقلى خلف سمات زائفة من التدين والمعرفة.
* * *
* متاعب الحياة:
إذا كنت قد أخطأت فى فهم طبيعة هذه الحياة فينبغى أن تبادر إلى تصحيح هذا الخطأ- نظريا- قبل أن تكرهك الأحداث المفاجئة على تغييره- عمليا-.
ليست الحياة شيئا سهل المنال قليل الأعباء. ولكنها شىء صعب الإدراك كثير العقد جم التكاليف. وإذا لم يوطن المرء نفسه على أن يكون شديد المتن أيد الظهر. فهيهات أن يشق طريقه إلى غاية قريبة أو بعيدة. وقد أدرك الكثيرون هذه الحقيقة وإن اختلفت مواقفهم منها بعد إدراكها، فالمتشائمون العابسون يمدون أبصارهم إلى مباهج الحياة وهى مولية فانية، أو إلى مشكلاتها وهى مقبلة هاجمة، ثم يقول قائلهم:
تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب فى ازياد!
والمكافحون الدائبون يرمقون ما فى هذه الدنيا من صراع متعاقب الأدوار متصل الحلقات ويقدرون نصيب كل فرد من حراك هذه المعركة الثائرة، ثم يقول قائلهم:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها تنال إلا على جسر من التعب
Bogga 127