ثم رق لوجهها الذي تورد في تأثر واضح، فداعب شعرها القصير، وقال بلهجة حانية: لا تفتشي عن أسباب للنكد.
ولم تعد تفصح عن مشاعرها بالكلمات، ولكن بالجهد المبذول في خدمته ورعاية راحته. ولاقى جهدها بامتنان مشوب بسوء الظن، وقال: إنه عما قليل يولي الشتاء فيتحرر من هذه العلاقة التي اقتحمت عليه شقته، حتى سلوى لم يكد يبقى من تجربتها إلا جرح سطحي، لعله من الكبرياء لا من الحب، وأدرك أن الفراغ الذي تركته السياسة في قلبه سيحتاج في سده إلى مغامرات قد تشق على النفس، ثم أدهشته فيما تلا ذلك من أيام أن يرى صحة البنت وهي تسوء بشكل ملحوظ، أجل الشحوب والإعياء والفتور والسحنة المنفرة، كيف يأتي هذا وهي تحظى بما لم تحلم به يوما من الغذاء وراحة البال؟! وظن ما بها بردا ولكنه خلا في الحقيقة من أعراض البرد، ولازمها بإصرار أقلقه وشغله، وسألها: ماذا بك؟ هل سبق أن عانيت هذه الحال من قبل؟
أجابت بالنفي، وتهربت من ملاحقته، وإذا بها ترقد على الفراش في استسلام قهري، ووقف يتفحصها بعينين قلقتين وضيق، ثم قال: إذن يجب أن أدعو طبيبا.
فلوحت بيدها رفضا وقالت: كلا، مجرد ضعف من الرطوبة.
واغرورقت عيناها، فبدت طفلة بلا تجربة ... وساوره خوف لم يدر سببه، فقال: لديك ما تقولينه بلا شك ...
أغمضت عينيها في يأس، ثم أشارت إلى بطنها ولم تنبس، ودق قلبه بعنف لم يجربه إلا عند الابتلاء بخطير الأحداث التي هصرته، وانقلب خوفه ضيقا خالصا، الهرة الماكرة قد وضح هدفها، وصاح بها: حية سامة، هذا جزاء إيوائي لك؟!
فولولت قائلة: لم أعرف إلا بعد فوات الوقت. - تدعين السذاجة يا شيطانة؟! - أبدا، ولكنه وقع رغم الحذر. - كذابة، وحتى لو صدقتك، فلم لم تخبريني؟ - الخوف! .. لم أستطع من الخوف!
فصاح: العفاريت تخاف مثيلاتك، وماذا تنتظرين! .. متى تفعلين شيئا؟
قالت بلهوجة، وهي تشهق: لم أنس صديقة ماتت وهي تفعل ذلك. - وإذن؟
واحتبس صوته من الغضب، ثم صرخ: وإذن؟! أفصحي عن مكرك! اسمعي ...
Bog aan la aqoon