305

الدليل الأول:

قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}.

هذه الآية يستدل بها البعض على عدالة كل الصحابة مع سوء فهم لمصطلح الصحبة.

والآية بين معنيين: إما أن يكون المراد بها جميع الأمة، كما رأى بعض المفسرين، وروى البخاري في صحيحه ما يدل على ذلك.

وإما أن يكون المراد بها الصحابة.

فإن أريد بها الأمر الأول؛ فالآية حجة لنا لا علينا؛ لأننا نعلم أن الآية لا تنزل على جميع أفراد الأمة، وكل الناس متفقون على أن في الأمة من ليس عدلا في الماضي والحاضر، وعلى هذا فالآية لا تفيد عدالة جميع أفراد الأمة، وإنما العدالة والخيرية للعموم، بل للصالحين منهم.

وأما من قال إن المراد بها الصحابة؛ فإما أن تكون نازلة في أصحاب الصحبة الشرعية أو أن تكون نازلة في أصحاب الصحبة العامة والمعاصرين له صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قال القائل أنها نازلة في المهاجرين والأنصار فلا إشكال وهي حجة لنا لا علينا، وإن قائل القائل أنها نازلة في كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا الفهم ترده نصوص أخرى تثبت كذب بعضهم كالوليد بن عقبة، فمثلما أن الثناء على الأمة لا نستطيع إنزاله على كل أفرادها، فكذلك الثناء على جيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نستطيع إنزاله على كل فرد منهم ممن رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لورود أدلة صحيحة لها دلالة صريحة تعارض المظنون من دلالة الآية، وإذا تعارض حديث صحيح صريح مع مظنون آية يؤخذ بصراحة الحديث، فكيف إذا تعارض مظمون آية مع صريح آية أخرى؟! فالحل أن نقدم الصريح على المظنون والذي أعرفه أن هذا محل إجماع عند أهل السنة، ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل.

وقد يقول قائل: إن الصحابة في ذروة الصلاح من الأمة، فإذا كانت الأمة وسطا وشاهدة على الآخرين فمن باب أولى الصحابة.

Bogga 306