408

Sudan

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Noocyada

ورأينا في الجزيرة التالية التي زرناها - وهي شقلا منزو - خرائب لقصر الإمبراطور أياسوس الذي قتل هناك سنة 1706.

ثم إننا زرنا جزيرة مطرحة التي تبعد نصف ميل عن البر، وأقدم كنيسة فيها أسسها الإمبراطور داود الأول، ولكن أحمد جران أحرقها، وهناك كنيسة أخرى بناها يوحنا الأول، ونهبها الدراويش في أيام الخليفة، وهي الآن خراب، ولم نجد أي تاريخ على الكتب التي رأيناها.

وسرنا عدة أيام حول الجانب الشمالي الشرقي من البحيرة، وعلى طول الساحل الشمالي، وبلغنا شبه جزيرة جرجرة، وهي أرض جبلية يلوح أن يدي الغزاة لم تصل إلى الديورة التي فيها وعلى مقربة منها. ووجدنا كنيسة في دير اسمه دير سيناء على طرف الجانب الشرقي، وفيها بعض الكتب. ويقع دير مندية جنوبي جرجرة، وهو مبني على صخر مشرف على الماء، ولعله أكبر دير في البحيرة لأن فيه 150 راهبا وتحيط المنازل والغرف بالكنيسة التي تسمى كنيسة مضجاني عالم. وقد سمح لي بزيارة الرهبان فوجدتهم يعيشون في صوامع حقيقية ويطالعون الكتب المقدسة، فلم أشأ أن أتعرض لكنيستهم وتأملاتهم.

وفي جزيرة جليلة التي تبعد ميلين في البحر دير من النوع ذاته، واستقبلني الرهبان في الديرين بكل لطف وبشاشة.

وزرت في البر قصر الإمبراطور سوسينيوس الصيفي (1607-1632)، وقد بناه الراهب البرتغالي بيدرو بايز، وهو من رهبان الجزويت الذين أرسلوا إلى الحبشة في القرن السادس عشر. ولا شك أن حكاية تيههم ومتاعبهم وآلامهم وتمسكهم بعقائدهم تحمل كل من يقرأها على الإعجاب بهم والعطف عليهم. أما قصر جرجرة فهو الآن خرب ومهجور، ولكن ما بقي منه يكفي للحكم بأنه كان رائعا، ويبلغ علو جداره الرئيسي 70 قدما، وهو ما زال قائما. وعلى الجدار الداخلي أنواع من النقوش.

وبعد تجول في البحيرة دام 15 يوما تلفت أرماثنا فلم يكن لنا بد من إصلاحها، فانتهزت هذه الفرصة وذهبت شمالا للتثبت من أخبار وصلت إلي عن وجود بركان ثائر في شلجة، ولكنني لم أجد سوى نبع معدني منبثق من صخر يسيل منه ماء كبريتي تملأ رائحته الجو.

وبعدما أصلحت أرماثنا توجهنا إلى الناحية الشمالية الغربية من البحيرة، ثم إلى الساحل الغربي الذي هو أقرب نقطة إلى السودان، وكان الدراويش قد سحقوا تلك الأقطار سحقا، فلم يتركوا فيها حجرا على حجر لكي يعرف المرء أين كانت الكنائس القديمة قائمة، ولكن أسماءها باقية.

ثم إننا ذهبنا إلى الساحل الجنوبي، وبلغنا المكان الذي بدأنا رحلتنا منه، فتركت الأرماث الثلاثة لرجال القبائل الذين استأجرتهم ونقدتهم أجورهم وعدت بقافلتي إلى دنجيلة.

وفي اليوم التالي عدنا إلى البر بالطريق التي قدمنا منها، ثم سرنا في الماء حول الشاطئ، وكنا رتبنا أن نلتقي بقافلتنا في نقطة معينة، وهو ترتيب نجح تماما على طول الطريق حول البحيرة.

وكانت ثاني جزيرة زرناها جزيرة كبران في الزاوية الجنوبية الشرقية لبحيرة تانا، وفيها دير كنيسة بنيت تذكارا للملاك جبريل، وفيها قبر للإمبراطور تقلا هيمانوت سنة (1705-1708م). وهذه الكنيسة محمولة على دائرة مؤلفة من اثني عشر من الأعمدة الحجرية الضخمة، وفيها ناقوسان، وهناك كذلك ناقوس من النحاس الأصفر منقوش عليه كتابة باللغة اللإثيوبية القديمة. ورئيس هذا الدير راهب هرم مضى عليه خمسة وأربعون عاما. وقد أرانا من الكتب ما لو صرف وقت كبير في استيعابه لعرض على الباحث جهده ودقته، وكثير من هذه الكتب جاءت من الكنائس القريبة لتودع في كنائس الجزيرة حتى تكون بمنجاة في زمن الاضطراب.

Bog aan la aqoon