Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Noocyada
مقدمة الجزء الثاني
1 - الإنكليز في أفريقيا
2 - الإنكليز كحكام ومستعمرين
3 - استعادة السودان بعد إخلائه
4 - اتفاق 1899 والحكم الثنائي
5 - الرأي المصري في اتفاق سنة 1899
6 - بعد استعادة السودان
7 - السودان بعد اتفاق 1899
8 - حوادث السودان بعد استعادته
9 - نظام الحكم في السودان والإدارة الوطنية
Bog aan la aqoon
10 - ديون مصر على السودان
11 - الطرق الصوفية
12 - حوادث مصر في السودان
13 - عهد الحماية والسلطنة في مصر
14 - حوادث مصر والسودان بعد الهدنة
15 - لجنة ملنر والوفد المصري
16 - السودان في مشروعات الاتفاق
17 - السودان في الدستور المصري
18 - حوادث السودان سنة 1924
19 - جمعية اللواء الأبيض
Bog aan la aqoon
20 - الجيش المصري
21 - النيل يوحد بين مصر والسودان
22 - اتفاق بين مصر وإنكلترا سنة 1929
23 - الخزانات
24 - الزراعة في السودان
25 - جغرافية السودان ومصر
26 - معادن السودان وجوه وحيواناته وصناعاته
27 - الحالة الاقتصادية في السودان
28 - في وظائف السودان والموظفين
29 - التعليم في السودان
Bog aan la aqoon
30 - الأدب في السودان
31 - الإسلام والأديان في السودان
32 - الحياة الاجتماعية والصحافة والعادات
33 - هجرة المصريين إلى السودان
34 - مستقبل السودان
مقدمة الجزء الثاني
1 - الإنكليز في أفريقيا
2 - الإنكليز كحكام ومستعمرين
3 - استعادة السودان بعد إخلائه
4 - اتفاق 1899 والحكم الثنائي
Bog aan la aqoon
5 - الرأي المصري في اتفاق سنة 1899
6 - بعد استعادة السودان
7 - السودان بعد اتفاق 1899
8 - حوادث السودان بعد استعادته
9 - نظام الحكم في السودان والإدارة الوطنية
10 - ديون مصر على السودان
11 - الطرق الصوفية
12 - حوادث مصر في السودان
13 - عهد الحماية والسلطنة في مصر
14 - حوادث مصر والسودان بعد الهدنة
Bog aan la aqoon
15 - لجنة ملنر والوفد المصري
16 - السودان في مشروعات الاتفاق
17 - السودان في الدستور المصري
18 - حوادث السودان سنة 1924
19 - جمعية اللواء الأبيض
20 - الجيش المصري
21 - النيل يوحد بين مصر والسودان
22 - اتفاق بين مصر وإنكلترا سنة 1929
23 - الخزانات
24 - الزراعة في السودان
Bog aan la aqoon
25 - جغرافية السودان ومصر
26 - معادن السودان وجوه وحيواناته وصناعاته
27 - الحالة الاقتصادية في السودان
28 - في وظائف السودان والموظفين
29 - التعليم في السودان
30 - الأدب في السودان
31 - الإسلام والأديان في السودان
32 - الحياة الاجتماعية والصحافة والعادات
33 - هجرة المصريين إلى السودان
34 - مستقبل السودان
Bog aan la aqoon
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
تأليف
عبد الله حسين
مقدمة الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
وفقنا الله تعالى إلى إتمام الجزء الأول من كتاب «السودان - من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية». وها نحن نبدأ الجزء الثاني، وقد جعلناه شاملا لتاريخ إعادة السودان بقيادة اللورد كتشنر باشا واتفاقية السودان سنة 1899 ونظام الحكم وحالة البلاد من وجوهها الإدارية والقضائية والزراعية والصناعية والأدبية والتعليمية والهندسية وتطورها في أثناء ذلك إلى بلوغها الوقت الحاضر، وأضفنا إلى ذلك بعض البيانات التي يحتاج إليها الباحث في شؤون السودان.
لقد وقف قارئ الجزء الأول على كيف اتجهت الحكومة الإنكليزية إلى السودان فاهتمت بفتوح إسماعيل، وندبت غوردون ليكون من حكامه، ثم قررت إخلاءه من الجيش المصري، ولكن أدى هذا الإخلاء إلى تفاقم الخطر على الحدود المصرية وإلى وقوع السودان تحت نير ثورة ومجاعة وفوضى، ورأت إنكلترا أن دولا أخرى - ولا سيما فرنسا - اتجهت إلى استعمار السودان، منافسة إنكلترا في استعمار أفريقيا واحتلال مصر، فقررت إعادة فتح السودان بجيش مصري قائده إنكليزي هو اللورد كتشنر ومعه جنود إنكليزية.
وقد اطلعنا على ما كتبه عشرات المؤرخين والسياسيين الوطنيين المصريين في شأن إخلاء السودان ثم تقرير استعادته، فكانوا يقولون: إن إنكلترا أخلت السودان مقررة في الوقت ذاته أن تستعيده على الصورة التي أعيد بها؛ أي باشتراك الجنود البريطانية مع الجيش المصري وللحكم طبقا لنظام اتفاقية 1899 أو مثله.
والواقع أن إنكلترا لم تختط خطة واحدة في هذا الصدد، وإن كانت وقفت موقف المغتنم للفرص: وأحسب أنها حين قررت إخلاء السودان، قد اتجهت إلى أن تصبح مديريات السودان ممالك مستقلة، يسهل بسط الحماية البريطانية عليها؛ فيكون حكم السودان قليل النفقة. ولكن إخلاء السودان قد ترتب عليه اتحاده تحت لواء المهدي ثم خليفته، ثم نشوب الفوضى فيه، وطمع فرنسا وغيرها في الاستيلاء عليه. فرأت إنكلترا أن السبيل اليسير - ويد احتلالها قوية في مصر وسلطانها نافذ على الحكومة المصرية - أن تكون إعادة السودان باسم مصر مقرونا باشتراك إنكلترا وبقيادة أحد ضباطها، وأن تدع للحوادث أن تكمل الباقي. ويرى القارئ في الفصول الآتية كيف تطورت الحوادث، وأن عوامل كثيرة اشتركت في هذا التطور، منها ضعف الوزارات المصرية، وضعف الروح الوطنية المصرية بعد هزيمة عرابي وأسره والاتفاق الودي بين فرنسا وإنكلترا سنة 1904، حيث أطلق لإنكلترا أن تبسط نفوذها على مصر بغير اعتراض، مقابل بسط فرنسا نفوذها ثم حمايتها على مراكش، هذا إلى توزيع مناطق النفوذ في أفريقيا بين الدول الأوروبية الكبيرة.
Bog aan la aqoon
إن نجاح الحكومة الإنكليزية في سياستها وفي اغتنام الفرص التي أظهرتها الحوادث يجب أن يقدر فيه الكاتب مهارة إنكلترا في الحكم والنجاح في إدارة آلته، وفي روح السيادة التي يشعر بها البريطاني، وخاصة في بلاد أجنبية، ويجب أن يقدر فيه ضعف الوزراء والحكام الوطنيين واستخذاءهم، وأن قوما في مصر لم يحسنوا اغتنام الفرص، ولا توجيه الحكم لزيادة نفوذ مصر في السودان، بدلا من الاستخذاء. وليس يطلب من إنكلترا أو من أي بلد أن تكف عن الاستعمار والاحتلال وإنشاء الإمبراطوريات؛ فهذا شيء لم يعرفه التاريخ والطبائع البشرية، ولم يألفه الإنسان الطامح الطامع. فمن الطبيعي أن يكون للإنكليز سياستهم واستعمارهم واغتنام الفرص، وليس يطلب إليهم الكف عن ذلك، فهو في عرفهم خيانة وطنية. وإنما إذا وجهنا اللوم فإلى أنفسنا أو إلى المسئولين فينا عن تطور الحوادث بسرعة ضد مصلحة مصر، حتى إذا استيقظت، لقيت الأمة المصرية العقبات المتأصلة.
الفصل الأول
الإنكليز في أفريقيا
اهتمت إنكلترا منذ زمان بعيد باستعمار أفريقيا. وفي شهر سبتمبر سنة 1877 كتب المستر غلادستون في مجلة القرن التاسع عشر يقول: «إذا توطدت أقدامنا في مصر تكون هذه المستعمرة الأولى بوجه التحقيق بمثابة ذريعة لتأسيس إمبراطورية شاسعة في أفريقيا الشمالية، تأخذ في النمو تدريجيا إلى أن تدخل في تخومها منابع النيل الأبيض. بل تنتهي بدون شك بأن تجتاز خط الاستواء لتتصل بمستعمرتي الناتال ورأس العشم، وذلك بغض النظر عن الترنسفال ونهر الأورنج، وكذلك يكون الحال في الحبشة وزنجبار.»
وقد احتلت إنكلترا مصر عام 1883، واستولت على الأوغندا ونواحي خط الاستواء والأونيورو سنة 1890، ووادلاي سنة 1895.
وقد عقدت الاتفاقيات الآتية: (1)
الاتفاقية الإنكليزية الألمانية في أول نوفمبر سنة 1886. (2)
الاتفاقية الإنكليزية الإيطالية في أول يولية سنة 1890. (3)
الاتفاقية الإنكليزية مع الكونغو 12 مايو سنة 1894.
والغرض من هذه الاتفاقيات الثلاث تحديد مناطق نفوذ إنكلترا في نواحي أعالي النيل والسودان الشرقي.
Bog aan la aqoon
هذا إلى أن فرنسا كانت تزاحم إنكلترا في القارة الأفريقية. (1) الأوربيون وأفريقية قبل القرن التاسع عشر
لم يكن الأوربيون يعرفون من أفريقية في قديم الزمان إلا سواحلها الشمالية، ثم بدأوا في القرن الخامس عشر يكشفون سواحلها الغربية، ثم داروا حول الرأس وساروا وسواحلها الشرقية حتى وفق فاسكو دي جاما البرتغالي إلى بلوغ الهند، وقد ألهى الأوربيين كنوز الهند وبيرو والمكسيك عن ارتياد مجاهل أفريقية «أو القارة المظلمة كما كانوا يسمونها». (2) الأوربيون وأفريقية أول القرن التاسع عشر
1
ولما وقفت رحى الحرب بين نابليون وأوربة عام 1815 كان شمالي أفريقية «مصر وطرابلس وتونس والجزائر» تابعا لتركيا تبعية فعلية أو اسمية، وكان للبرتغاليين السيادة على أصقاع على الساحل الشرقي تجاه مدغشقر، وكان للإنكليز والفرنسيين وغيرهم على الساحل الغربي محاط أو مستعمرات، وكان كل ما للإنكليز في أفريقية هو غمبيا وسيراليون وساحل الذهب على الشاطئ الشرقي ومستعمرة الرأس في الجنوب وجزائر سنت هيلانه وأسنشن وموريشس وسيشل.
وقد نبه الدول الأوربية إلى استعمار داخل أفريقية طلاب كشف أبطال مغامرون رموا بأنفسهم في مجاهل القارة؛ ليميطوا اللثام عنها، ومن أمثال هؤلاء سبيك وجرانت وبيكر ولفنجستون وستانلي، فضلا عن مصريين أمثال: الضابط المصري البحري الميرالاي سليم مطر بك قائد معسكر خط الاستواء الذي كشف النيل الأبيض. (3) الإنكليز وأفريقية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين
وقد أضاف الإنكليز خلال القرن التاسع عشر إلى مستعمراتهم السابقة ناتال والأورنج والترنسفال، «وتألف من المستعمرات الثلاث ومستعمرة الرأس اتحاد جنوبي أفريقية» وبتشوانالاند ونيسالاند وبسوتولاند وروديسيا وأفريقية الشرقية البريطانية وأوغندا ونيجيريا والصومال، ولما هزمت ألمانيا في الحرب العظمى «1914-1918» انتدبت إنكلترا لإدارة بلاد تنجانيقا «الألمانية» كما انتدبت حكومة اتحاد جنوبي أفريقية لإدارة أفريقية الجنوبية الغربية «الألمانية».
ولا يتمتع من كل هذه المستعمرات بالحكم الذاتي إلا اتحاد جنوبي أفريقية؛ لهذا نتكلم عنه ببعض التفصيل: (3-1) كيف استولى الإنكليز على مستعمرة الرأس؟
كان الهولنديون قد أنشأوا لهم مستعمرة عند رأس الرجاء الصالح لتكون محطا تتزود منه سفنهم التي تتجر مع الشرق، ويعرف المستعمرون الهولنديون بالبوير، وهي كلمة معناها الفلاحون، ولعلها أطلقت عليهم لاشتغالهم بالزراعة وإيثارهم لها على أية مهنة أخرى. ولما تدخلت فرنسا في شؤون هولندة في عهدي الثورة الفرنسية ونابليون وأخضعتها لحكمها، قامت إنكلترا عدوة نابليون وانتزعت مستعمرة الرأس من هولندة «1806»؛ لأنها قدرت قيمة تلك المستعمرة في حفظ مواصلاتها مع الهند.
وأقر مؤتمر فينا عام 1815 ضم الرأس إلى إنكلترا كفاء تعويض يعطى لهولندة وقدره ستة ملايين من الجنيهات. (3-2) النزاع بين الإنكليز والبوير
غير الإنكليز النظم الحكومية التي اعتادها البوير، كما جعلوا اللغة الإنكليزية اللغة الرسمية؛ فحنق البوير وأحسوا أنهم فقدوا حريتهم، واشتد حنقهم لما ألغت إنكلترا الرق «1834»، وكان البوير يستعينون بالأرقاء على فلح الأرض، ولم تمنح الحكومة الإنكليزية البوير إلا ثلاثة ملايين من الجنيهات تعويضا، وهذا المبلغ لا يكاد يساوي ثلث خسارتهم بهذا الإلغاء، لكل هذا فكر غالب البوير في الارتحال عن مستعمرة الرأس إلى الشمال والشمال الشرقي، حيث يستطيعون أن يعيشوا أحرارا لا يستلب حريتهم أحد، فبدأوا «الانسحاب العظيم
Bog aan la aqoon
The Great Trek » عام 1836، فخرجوا طوائف تهيم في مجاهل البلاد ومعهم قطعانهم وثيرانهم وعجلاتهم الساذجة تجر الواحدة منها سبعة أو ثمانية أزواج من الثيران وتحمل أمتعتهم وأثقالهم، وبلغ عدد المنسحبين نحو 10000 من بينهم غلام نجيب يسمى كروجر «كان له شأن فيما بعد»، ونزل بعض المنسحبين في ناتال، والبعض الآخر استوطن ما بين نهر الأورنج وفرعه المسمى الفال، وقطن آخرون بإقليم شمالي نهر الفال.
وأنشأ البوير لهم في ناتال جمهورية «1838»، ولكن الإنكليز تعقبوهم هناك أيضا وضايقوهم، وأعلنوا ضم جمهوريتهم عام 1843 بدعوى أن البوير رعاياهم أنى رحلوا، وبحجة أن مستعمرة الرأس يهددها نزاع متواصل بين البوير في الناتال وجيرانهم المتوحشين المعروفين «بالكافير»
2
أو الكفرة.
لم تر كثرة بوير الناتال بدا من أن ينسحبوا مرة أخرى من الناتال وينضموا إلى إخوانهم النازلين بين الأورنج والفال، فكان ذلك مبدأ تأسيس «ولاية الأورنج الحرة»، فأعلنت إنكلترا ضمها أيضا 1848، فخرج كثير من البوير مرة ثالثة لينضموا إلى إخوانهم الذين عبروا الفال في الهجرة الأولى، وكونوا معهم جمهورية الترنسفال أو جمهورية جنوبي أفريقية «1849»، فاعترفت إنكلترا باستقلالها «1852» قانعة بضمان حرية التجارة فيها، والذي حدا بالإنكليز إلى الاعتراف باستقلال الترنسفال أنهم بدأوا يحسون ثقل التبعة الملقاة على عواتقهم لكثرة مستعمراتهم، وفي عام 1854 نزلت إنكلترا عن سيادتها عن ولاية الأورنج؛ لأنها رأت أنها تحمل عبء الدفاع ونفقاته عن هذه الولاية في وجه قبائل البسوتو المتوحشة المجاورة، وظلت ولاية الأورنج حتى سنة 1896 صديقة لمستعمرة الرأس الإنكليزية.
إذن: صارت للبوير جمهوريتان مستقلتان هما الأورنج والترنسفال، وللإنكليز مستعمرتان هما الرأس والناتال. (3-3) النزاع بين بوير الترنسفال والإنكليز
في عام 1877 أعلن لورد بيكنز فيلد رئيس الوزارة الإنكليزية وزعيم المحافظين ضم الترنسفال إلى الأملاك الإنكليزية بحجة أن فتنا متواصلة تقوم بين البوير والوطنيين في الترنسفال فتهدد أملاك إنكلترا.
ثم تولى غلادستون زعيم الأحرار الوزارة بعد بيكنز فيلد «1880»، ولم يكن غلادستون قد اعتنق الآراء الاستعمارية بعد، فأراد أن يرضي البوير، ولكن هؤلاء ثاروا بزعامة ثلاثة من رجالهم أظهرهم كروجر وهزموا الجيش الإنكليزي في موقعة «تل ماجوبا» في فبراير سنة 1881، ولم تكن الواقعة من الوقائع الحربية المجيدة، إلا أن البوير اعتزوا بها واغتروا بأنفسهم غرورا جنى عليهم فيما بعد، واعترف غلادستون باستقلال الترنسفال«1881» تحت سيادة إنكلترا.
ولكن البوير أنفوا أن يكون لأحد سيادة عليهم، فنازعوا الإنكليز حتى عقد الإنكليز معهم معاهدة لندن «1884»، ونزلوا فيها عن هذه السيادة مقابل ترخيص البوير للأوربيين جميعا في استيطان جمهوريتهم والاتجار فيها. (3-4) عودة النزاع بين الترنسفال والإنكليز
في عام 1855 كشف الذهب في الترنسفال، فلم يقبل البوير إقبالا كبيرا على استخراجه؛ لأنه لا يروقهم إلا الاشتغال بالزراعة ورعي الماشية، واجتذب الذهب إلى بلادهم أفواجا عظيمة من الأوربيين، لا سيما الإنكليز، حتى أربى عددهم على عدد البوير، ونشأت مدينة جوهانسبرج في بضع سنوات، ومدت سكك الحديد.
Bog aan la aqoon
كذلك كشف الماس في ولاية الأورنج فنزح إليها الأوربيون أيضا. (3-5) سسل رودس
كان من بين من نزح إلى جنوبي أفريقية سسل رودس الإنكليزي، فإنه بعد أن أتم دراسته في أكسفورد ذهب يبحث عن الماس، وكان مصدورا فشفي، وأثرى إثراء عظيما، وصار رئيس وزراء مستعمرة الرأس، وأخذ ينشر فكرة الجامعة البريطانية التي تنطوي على إنشاء إمبراطورية أفريقية تمتد من الرأس إلى القاهرة، والسعي في تلوين معظم أفريقية باللون الأحمر الإنكليزي». وأنشأ عام 1889 «شركة أفريقية الجنوبية» على مثال شركة الهند، وتمكنت الشركة عام 1890 بمعاضدة الحكومة الإنكليزية من إنشاء مستعمرة في حوض نهر الزمبيزي سميت روديسيا «نسبة إلى رودس منشئها». (3-6) الإنكليز يضايقون بوير الترنسفال
إن استقلال البوير في جمهوريتهم ليتعارض ومشروع رودس، لذلك اعتزم رودس أن يقضى على ذلك الاستقلال، وشاركته الحكومة الإنكليزية في عزمه؛ ولذا نرى الإنكليز يستولون على الساحل الشرقي من الناتال إلى أفريقية الشرقية البرتغالية فيقطعون على الترنسفال الطريق إلى البحر، كذلك نرى «شركة أفريقية الجنوبية» تنشئ إقليم روديسيا فتقطع على الترنسفال طريق التوغل إلى الزمبيزي شمالا وتهددها كذلك.
أحاطت هذه المستعمرات الإنكليزية بالترنسفال والأورنج، وأدرك البوير ما ينتويه الإنكليز لهم، فرأى كروجر رئيس جمهورية الترنسفال ضرورة اتباع سياسة حازمة فعارض في المهاجرة إلى جمهوريته، ولما طلب الأجانب “Outlanders”
أن يسمح لهم بحق الانتخاب لينتخبوا من يرعى لهم مصالحهم أبى البوير عليهم ما أرادوا فاستنجد الأجانب بسسل رودس، وصادف هذا الاستنجاد هوى في نفسه، فبعث إليهم بحملة يقودها الدكتور جيمسن، فأسرها البوير في يناير سنة 1896، وسلموها لإنكلترا تسامحا وكرما كي تعاقبهم كما تشاء، فلم تعاقبهم، فاستيقن البوير أن إنكلترا تشارك رودس آراءه، ثم انتدبت إنكلترا لورد ألفرد ملنر حاكم الرأس ليفاوض البوير في السماح للأجانب بحق الانتخاب، فاجتمع ملنر بكروجر رئيس جمهورية الترنسفال وحضر الاجتماع رئيس جمهورية الأورنج بصفة غير رسمية، وأبى كروجر إباء شديدا أن يسمح للأجانب بحق الانتخاب، مستمسكا بأن «أفريقية للأفريقيين» أي للبوير. فنصح ملنر لحكومته بالحرب. (3-7) حرب البوير 1899-1902
نشبت الحرب بين الإنكليز والترنسفال وانضمت جمهورية الأورنج إلى شقيقتها، وأظهر البوير وهم لا يزيدون على 300000 استبسالا عجيبا في وجه أقوى دولة أوربية، وأغاروا على الناتال والرأس وحاصروا أهم مدنهما. وكان أهم قوادهم بوثا
Botha ، وكانت إنكلترا تستخف بادئ الأمر بالبوير، ولكنها لما رأت ظفرهم، جمعت من بلادها ومستعمراتها جيشا هائلا وأمرت عليه لورد روبرتس أعظم قوادها، ثم أمدته بلورد كتشنر، وبدأ الجيش الإنكليزي يكتسح بلاد البوير مخربا، وقام كتشنر يحتجز النساء والأطفال كرهائن في نقط عسكرية، ولسوء وسائل الصحة والتغذية كان يهلك منهم الألوف، فأكره البوير على الصلح إشفاقا على نسائهم وأطفالهم، وقد كانوا يستطيعون أن يداوموا القتال مدة أخرى.
وخسر الإنكليز في هذه الحرب نحو 200 مليون من الجنيهات ونحو ربع جيشهم، ومات سسل رودس «أو نابليون الرأس كما يسميه قومه» قبل أن يعقد الصلح بثلاثة أشهر ودفن في رودسيا، وتم الصلح بمعاهدة فرينيجنج
Vereeniging
في مايو 1902 على يد ملنر وزعماء البوير، وأهم شروطها: (1)
Bog aan la aqoon
ضم الترنسفال والأورنج إلى المستعمرات الإنكليزية. (2)
احترام لغة البوير كلما سمحت بذلك الأحوال. (3)
تكفل إنكلترا بمنح المال اللازم لإصلاح ما خربته الحرب.
وعهد إلى ملنر بإدارة ولايتي الترنسفال والأورنج، وفي عام 1907 منحت إنكلترا كلا من الولايتين الحكم الذاتي «وكانت الكاب والناتال قد منحتا من قبل هذا النوع من الحكم».
وفي 1909 وافق البرلمان الإنكليزي على إنشاء «اتحاد جنوبي أفريقية» المكون من الرأس وناتال والترنسفال والأورنج، ويتولى أمر هذا الاتحاد حاكم عام تعينه إنكلترا، ووزارة مسئولة مقرها بريتوريا، وبرلمان ذو مجلسين أحدهما للشيوخ
3
والآخر للنواب، ومقر البرلمان مدينة الرأس، وجعلت الهولندية والإنكليزية لغتين، وهذا النظام شبيه بنظام ولايات كندا المتحدة.
وبدئ ذلك النظام عام 1910، وكان (بوثا) قائد البوير أول رئيس وزارة للنظام الجديد.
4
هوامش
Bog aan la aqoon
الفصل الثاني
الإنكليز كحكام ومستعمرين
للإنكليز إمبراطورية واسعة منتشرة في جميع القارات، ويسكنها شعوب مختلفو الألوان والأديان والمذاهب والعادات. وهذه الإمبراطورية معبود الإنكليز. والمحافظة عليها أهم ما يشغلهم، وسياستهم في مصر والسودان تتأثر بالسياسة الإمبراطورية قبل الاعتبارات الأخرى. ولو لم يكن للإنكليز من أخلاقهم وطبيعة بلادهم ما يدعوهم إلى الاستعمار وحكم بلاد نائية، ما كان ممكنا أن تقوم هذه الإمبراطورية وأن تعيش حتى الآن، بالرغم من الحوادث الكثيرة.
والإنكليز يحتلون مصر والسودان ولهم أمر ونهي فيهما، وكلمتهم مسموعة أكثر من كلمة الوطنيين أنفسهم؛ ولذا أصبح لزاما على كل مصري وسوداني أن يقرأ تاريخ الإنكليز وأن يعرف سر نجاحهم، سواء بزيارته لإنكلترا أم بملاحظته لأساليب الحكم الإنكليزي وخلق الإنكليز في مجتمعاتهم ومع أصدقائهم أم بالاطلاع على المؤلفات التي كتبت عنهم، وهي مؤلفات تعد بالمئات وبمختلف اللغات. وآخر ما ظهر من المؤلفات في العربية كتاب «الإنكليز في بلادهم» لسعادة الدكتور حافظ عفيفي باشا، جمع فيه معلومات عن الحياة الداخلية الإنكليزية، من وجوهها الاجتماعية والتعليمية والرياضية والسياسية والاقتصادية، ومن الخير أن تكثر الكتب التي تؤلف في تعريف الإنكليز وسياستهم وأحزابهم، وأن يدون المصريون ما يعلمونه عنهم بالاستقراء والمشاهدة، وأن يعنى الكاتبون بعلاقة ذلك كله بمصر والسودان والاستعمار.
أما نجاح الإنكليز في الاستعمار نجاحا لا مثيل له، فيجب أن نرجعه بالضرورة إلى أسبابه ونأخذه من مظانه على النحو التالي: (1)
عزلة إنكلترا عن القارة الأوروبية - قد مكنتها من أن تتخذ لنفسها سياسة خاصة، بينما استهدفت الممالك الأوروبية إلى المنافسات والحروب، التي اغتنمت إنكلترا فرصتها لمصلحة نفسها. (2)
حاجتها إلى المواد الخام لصناعتها الناهضة - أدت بها إلى البحث عن هذه المواد في البلاد الأخرى وحمل المشاق. (3)
بعد الإنكليز عن الفلسفة والنظريات - لا يتعب الإنكليز أنفسهم في المناقشات والنظريات. بل ينظرون إلى المصلحة ويتحرونها ويتخذون مختلف الوسائل المؤدية إلى ذلك. ولذلك لا تعيش إنكلترا على الدستور المكتوب والقوانين المدونة. وينهج قضاتها في أحكامهم منهج وزن الوقائع قبل وزن النظريات القانونية. (4)
ديموقراطية الإنكليز في بلادهم - هيأت لكل منهم أن يبرز كفايته. (5)
ولعهم الطبيعي بالألعاب الرياضية - جعلهم ينظرون إلى السياسة كلعبة من الألعاب. (6)
Bog aan la aqoon
الاعتماد على الزمن وانتهاز الفرص - لا يحدد الإنكليز أمانيهم بوقت بل يعملون لتحقيقها ويعتمدون على الزمن وعلى ظهور الفرص واهتبالها. (7)
روح السيادة التي يشعر الإنكليزي بها وإحساسه بأنه متفوق على غيره، فلكم خلق الشعور بالسيادة والذاتية والاعتزاز بالنفس الزعماء والأبطال. (8)
نظامهم التعليمي ومطابقته للأخلاق الإنكليزية وطبيعة البلاد وحاجتها. (9)
جريهم في حكم المستعمرات ونحوها على الاستتار خلف حكومات وطنية.
هذا شيء من أسباب نجاحهم الاستعماري.
ونورد فيما يلي آراء بعض الكتاب والمؤلفين في الإنكليز. (1) كيف نفهم الرجل الإنكليزي؟
ألقى مستر جيلان بالإسكندرية محاضرة في هذا الموضوع قال فيها:
الطريقة المثلى لنفهم مزاج الإنكليزي وطبائعه إنما هو درس حالته في وطنه «إنكلترا»؛ ذلك لأن ما يبدو من التفاوت بين الإنكليزي في الخارج من صفات الكبرياء والصلف والغرور واحتقار كل ما ليس إنكليزيا وبين ما يظهر به في بلاده من الصفات والأحوال، إنما يرجع إلى أسباب يحسن الوقوف عليها؛ إذ الواقع أنه ليس به كبرياء وإنما هو شعور بالذاتية يرجع إلى ما يقدره في نفسه من اتجاه الأنظار إليه، وهذه حالة تبعثه على التحوط والحذر حتى لا يكون عرضة لقلة الترحيب به من الغير؛ مما يؤدي إلى الخطأ في تقدير أن مظهره هذا ناشئ عن الصلف والغرور. يضاف إلى ذلك أن الإنكليزي في الخارج إنما يتمثل في غالب الأحوال في طبقة السياح الذين هم من أهل الثراء، والذين تعودوا فرض مشيئتهم على الغير في بلادهم والسيادة في المناطق الأجنبية.
وقد تكلم المحاضر بعد ذلك عن الحياة البيتية وحب الإنكليزي للاجتماع العائلي، وضرب لذلك مثلا مما جاء في كتاب المستر «وينر» في وصف المنزل الإنكليزي، وقابل صفات الإنكليز بغيرهم من أهل أوربا من حيث سهولة الاتصال الشخصي أو صعوبته، فإن الرجل الأوربي قد تتوثق الصداقة بينه وبين غيره من دون أن يترتب على ذلك تبادل الزيارة المنزلية، على عكس الرجل الإنكليزي في بلاده فإنه يدعوك إلى الغداء في بيته ولو لم تكن مستعدا لرد هذا الجميل إليه - ثم انتقل المحاضر إلى نظام الطعام في إنكلترا وبساطته وقال: إن الإنكليز يعنون بكيفية أكل الطعام أكثر من اهتمامهم بصنوفه، ثم وصف بيان الوجبات التي يأكلها الإنكليز في الصباح والظهر والمساء والليل، واستطرد إلى أسلوب المحادثة، ووصف الإنكليز بأنهم قوم يميلون إلى الصمت والإقلال من الكلام، وأن الحديث يبدأ عادة بحالة الطقس، وأنهم يستنكرون الإيماء بالأيدي في أثناء المحادثة، ولا يحبون الوقوف للكلام في أثناء السير في الطريق للإشارة بعلامات إلى موضوع الحديث أو مس أحد جوانب صديقه بيده؛ فإن هذه الأفعال جميعها غير لائقة في إنكلترا، والتعبير بعبارة غير لائقة هو القاعدة أو المبدأ الذي يراعى عند الإنكليز في كل ما له علاقة بآداب السلوك. واستشهد المحاضر بقول رئيس شرطة إنكلترا من أن قول الرجل للمرأة بلا موجب في الطريق العام «مساء الخير» قد يكون سببا كافيا للقبض عليه. ويقول المحاضر: إن الإنكليز يستنكرون مخاطبة الرجل للرجل من دون سبق تعارف، وإنه إذا قدم أحدهم للآخر كان على الأخير أن يبدي ابتسامة قائلا: «كيف حالك؟» وأن يكون الرد على ذلك هو أيضا «كيف حالك؟» وعندئذ تنتهي إجراءات التعارف ويسوغ الشروع في المحادثة.
وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى التعليم في المدارس العامة الإنكليزية، وأنها تعد متخرجيها لوظائف الحكومة لما هو مفروض فيهم من الاستعداد الخلقي والمقدرة على السير في معترك الحياة بأمانة واعتدال. وانتقل من ذلك إلى طبقة الأرستقراطية التي كانت مقصورة على الأسر العريقة في الحسب والنسب، ثم اندمج فيها رجال المال من أصحاب الصحف والشركات والأعمال، وذكر المحاضر أن ممثلي إنكلترا في الخارج وكبار رجال موظفي الخارجية والسفارات وحكام المستعمرات يختارون من أفراد الطبقة العليا الحائزين للدرجات العلمية والكفايات الممتازة، ويختار من هؤلاء أيضا رجال القضاء والكنيسة وعظماء الضباط في الجيش والبحرية، وهذه الطبقة هي التي يبني عليها الأجانب حكمهم عن أخلاق الإنكليز وعاداتهم.
Bog aan la aqoon
وقد كان المحاضر يقتبس نبذا من أقوال الأجانب عن الإنكليز قائلا: إن كلامهم أوقع في إيضاح ما ينبغي في الموضوع، واستشهد بما ينسب إلى الإنكليز من أنهم قد يضحكون في الأحوال التي لا تثير الضحك عند غيرهم، وأشار المحاضر إلى عدم وجود المقاهي في إنكلترا، وأن أمكنة الشراب ضيقة النطاق.
وأما الألعاب التي يعد الإنكليز أصحاب القدح المعلى فيها، فقد قال المحاضر: إن نسبة المشتغلين بها من الإنكليز قليلة، فإن كرة القدم التي يلعبها اثنان وعشرون رجلا في الحلبة يكون المتفرجون فيها عشرين ألفا، وإن حب الإنكليز للألعاب ينحصر في دور الدراسة حيث يخصص لها جزء من برنامج التعليم، فإنها تروض الأولاد على النظر إلى الحياة نظرة صالحة وأن يتلقوا الصدمات من دون تذمر.
والإنكليز يتمسكون بمظهر الانسجام: هم - على حريتهم - يحافظون على التقاليد ومصطلحات الحياة، وهم في مدارسهم العامة لا يتخذون رداء معينا، ويعتبرون التقيد بذلك ماسا بحريتهم، ويتركون التلاميذ يرتدون ما يشاؤون، وهذا يؤدي إلى ظهور التلاميذ بشكل واحد وليس عليهم مسيطر إلا الرأي العام، ولا شك في أن الإخلال والخروج عن المألوف يعد جريمة، واللياقة عندهم هي ما يكون خاضعا لما يتطلبه الرأي العام، وكل من يخرج عن هذا المبدأ يعد خارجا.
وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى المرأة الإنكليزية قائلا: إن مكانتها عالية في الهيئة الاجتماعية الإنكليزية؛ فإنها ذات نصيب وافر من الثقافة، وهي تعامل بكل احترام وتنتظر كل تقدير وتبجيل من ناحية الرجل. وإن النساء أصبح لهن حق الاشتراك في الانتخابات وعضوية البرلمان ومزاولة صناعتي المحاماة والطب. وكن السابقات إلى الإصلاحات الاجتماعية، وهن صاحبات الفضل في رفع الشكوى لإصلاح مساكن الطبقات الفقيرة والمحال العمومية، وإن الأم الإنكليزية تحب أطفالها، ولكنها لا تفسد طباعهم ولا تحجم عن إرسالهم إلى المدارس الداخلية، وتخفي دوما شعورها إذا فارقتهم، كما أن الولد من جانبه يرى من اللائق عدم إظهار التألم عند الفراق. وإن أبناء الإنكليز يتاح لهم نصيب وافر من الحرية لتكوين جماعات من الأصدقاء والعناية بما يهوون من الرغبات البريئة.
وقد استطرد المحاضر إلى نظام فرق الكشافة قائلا: إنها ترجع إلى فكرة إنكليزية، ثم انتشرت إلى البلدان الأخرى، ولكنها تحولت إلى غير معناها ومقصدها الأصلي؛ فإنه في البلدان الأوربية انقلبت نظاما عسكريا، وهو ما ينبغي أن يتجنبه منظمو هذه الهيئات؛ إذ إن المقصود من هذا النظام هو تكوين خلق النشء وتشجيع حب الطبيعة والهوايات وحب المطالعة وطرق الانتفاع بالأشياء. وقد وصف المحاضر حي الستي في مدينة لندن التي يرحل إليها كل مسافر إلى إنكلترا بأن منطقة هذا الحي مجمع لكل مظاهر النشاط والحياة والعمران، فهو مركز حركة الأعمال العالمية، وفيها البورصة الملكية وبنك إنكلترا.
وإن خصائص الستي أن كل شيء فيها يدل على السرعة، فليس فيها مقاه للجلوس والتدخين ولعب الورق، وهناك ترى قاعدة «الوقت من ذهب» ظاهرة أينما سرت؛ فلا يقف الناس في الطريق لتبادل الحديث، ولا يسيرون لمجرد الرياضة؛ فإن هذا النوع إنما يقضى في البساتين، وليس الطريق إلا وسيلة الانتقال من مكان لآخر؛ إذ التسكع في الطريق جريمة، ورجال الشرطة لا يسمحون لرجل بالوقوف طويلا إذا لحظوا ذلك.
ورجال البوليس مشهود لهم بحسن المعاملة وإرشاد الجمهور إلى ما يرغبون، وهم حجة في تقدير الوقت ويراقبون مرور الأشخاص والمركبات بحذق ومهارة. والإنكليز مشهورون بحبهم للحيوانات، ويرجع ذلك إلى تربيتهم وعلمهم بأن للحيوانات إحساسا كما للإنسان. وليس من عادة الإنكليزي إذا التقى بآخر أن يرفع قبعته للتسليم، وإنما يكتفي بإيماءة برأسه، وإذا وقفا فلا يسلمان باليد، ويلاحظ أن الإنكليز إذا وجد اثنان أو ثلاثة منهم أمام باب، فلا يحاول أحدهم دعوة الآخرين للدخول بل المتبع في ذلك لديهم أن «الوقت من ذهب»، وأن أقربهم من الباب يدخل الباب أولا - وأما المتنزهات فإنها مفتوحة لجميع الناس وليس بها إعلانات بمنع السير على العشب.
ويزدحم الناس صباحا أيام الآحاد في هذه المتنزهات فيجلسون على كراسي موزعة في أنحاء كل متنزه، ويدفع الزائر بنسين عن تذكرة لاستعمال كرسي، وهذه التذكرة تخول استعمال كراسي جميع المتنزهات طيلة اليوم، وتمتاز هذه المتنزهات بمن يجتمع فيها من خطباء الجمهور في أماكن مختلفة من دون أن يعترض للخطيب أو السامعين أحد ما داموا محافظين على النظام. أما مواعيد المحال العامة فهي محددة حسب الأصناف التي تباع فيها. وقد قال المحاضر في نهاية شرحه بأن الديموقراطية تتمثل في بلاد الإنكليز وأن الخدمة العسكرية ليست إلزامية.
وقد طلب إلى السامعين أن يحاولوا الوقوف على مزاج وطبيعة الإنكليزي بأن يتصلوا به وأن يعلموا أنه شخص يحب الصراحة في كلامه ويكره المراوغة والدوران في المعاملة، وأشار إلى وجوب إزالة أسباب سوء التفاهم كلها والعمل على إزالة التنافر؛ إذ المعلوم أنه ليس من أمة إلا وفيها أخطاء، وأن أخطاء الإنكليز تعود إلى أنهم أمة تعيش في جزائر بعيدة عن المؤثرات التي تقع على سكان القارات الأخرى، وهم لذلك ليسوا مستعدين لسرعة الارتباط بأسباب الصداقة بالغير.
وقال المحاضر - وهو أستاذ إنكليزي: إننا نخلص لمن تتوثق الصداقة بيننا وبينه، واستشهد بأبيات لشاعر الإنكليز شاكسبير تحض على التعارف واجتناب الغلظة بالأصدقاء، والحذر من كل قادم، واجتناب المشاكل، والإصغاء إلى كل ما يقال، والإقلال من الكلام، والتحفظ في الحكم على الأشياء. وقال المحاضر: إن هذه الأبيات تدل على كثير من نواحي الخلق الإنكليزي، وقد شكر الحاضرين لحسن إصغائهم لكلامه، وطلب منهم اعتبار صراحته في الكلام دليلا على حسن قدره لهم، وأعرب عن أمله في أن يكون اطراد حسن التفاهم مؤديا إلى تقوية عناصر المودة والصداقة.
Bog aan la aqoon
وطلب منهم ألا يحكموا على الإنكليز بما قد يجدونه من كل إنكليزي يصادفونه، بل الواجب أن ينتقلوا إلى الديار الإنكليزية لدرس أحوال الإنكليز؛ لأنهم يجدون كل ترحيب ويكتسبون مودة وإخاء؛ فإن الإنكليزي في بيته يخاطب صديقه كما يخاطب الرجل الرجل من دون أن يكون للجنسية أي أثر كان. (2) رأي أديب في أخلاق الإنكليز
عقد واشنجتون إرفنج
Washington Irving
1
القصصي الشهير وصاحب كتاب حياة محمد مقارنة بين أخلاق الإنكليز والفرنسيين فقال:
مثل الأمتين الإنكليزية والفرنسية كمثل خيطين مختلفين في اللون قد تداخل كل منهما في الآخر دون أن يمتزج اللونان. وفي الحقيقة نجد أن كلتا الأمتين تعتز بتباينها واختلافها عن الأخرى، وذلك الاختلاف الذي لا يمنع قدر كل منهما لمحاسن الأخرى.
فالعقل الفرنسي سريع ونشيط وهو قادر على حل المشكلات بسرعة البرق. وبقفزة واحدة يصل إلى النتائج البعيدة التي غالبا ما تصدق بدون أن يجهد نفسه في التحليل والتفكير المنتظمين. أما العقل الإنكليزي فهو سريع ولكنه أكثر ثباتا ومثابرة، وهو أقل فجأة ولكنه آكد وأضمن في استنباطه. وعلى ذلك فالسرعة والحركة في الفرنسيين تساعدهم على أن يجدوا السرور في ضروب إحساساتهم المتنوعة. حتى لنجد أن قولهم وفعلهم يتبعان المؤثرات المباشرة والدوافع المتنوعة أكثر مما يتبعان التعقل والتفكير. فهم لذلك أكثر حبا للاجتماع والمجتمع والأمكنة العامة ومواطن اللهو والسرور. أما الإنكليزي فهو أكثر تفكيرا في طباعه، فهو يعيش في دنيا قد حددها ورسمها لنفسه، معتمدا أكثر ما يكون على نفسه، وهو يحب الهدوء في منزله، وعندما يتركه نجد أنه حريص أيضا على أن يخلق حول شخصه جوا من العزلة والتحفظ، فنجده يسير خجولا وحيدا محتفظا بسره لنفسه.
أيضا بينما نجد الفرنسيين كثيرا ما يميلون إلى التفاؤل منتهزين الفرص الحسنة وقت سنوحها والمسرات وقت مرورها، نجد الإنكليز يتغاضون عن خير عاجل في سبيل الاستعداد لشر محتمل.
هب أن الشمس قد أشرقت لحظة من الزمن في يوم غائم قاتم فإن الفرنسي ذا الطبع الزئبقي الذي لا يستقر على حال تراه يلبس أحسن ثيابه ليمرح كالفراشة الجميلة كي يمتع نفسه بتلك اللحظة القصيرة من ضوء الشمس غير حاسب أي حساب لما سيعقبها. كذلك هب أن أشعتها قد ظهرت على أبهى ما يكون من الوضوح والجمال، فإن الإنكليزي وهو الحذر الفطن يحمل مظلته في يده غير واثق بتلك الأشعة المغرية لو وجد سحابة صغيرة عند الأفق.
وللفرنسي قدرة عجيبة على الاستفادة من الأشياء مهما صغرت، فيمكنه أن يعيش سعيدا ولو نقص دخله كثيرا عن نظيره الإنكليزي. فالفرنسي مقتصد مدبر يخلق من التراب تبرا. أما الإنكليزي فمن طبعه الإسراف والتبذير. وتقدير كل شيء ضروريا كان أو كماليا تبعا لقيمته ... كذلك ليس له غرام بحب الظهور فمهما حاول أن يتظاهر فمن المؤكد أن غور ظاهره كغور باطنه.
Bog aan la aqoon
نلحظ كذلك أن الفرنسي يتفوق في الفهم. أما الإنكليزي ففي المزاج والطبع. والفرنسي ذو تصور مرح. أما الإنكليزي فخياله أخصب وأثمر. والفرنسي إحساسه رقيق دقيق ليس أسهل من إثارته، وهو عرضة للتأثر والهياج الشديدين وإن كانا غير ثابتين. أما الإنكليزي فهو أكثر هدوءا وبرودة، ليس من اليسير أن تستثيره وإن كان قادرا على أن يصل إلى درجة عظيمة من الحماسة. وعلى هذا فالخطأ في الطبعين هو أن خفة الفرنسي عرضة لأن تكون زبدا وبذلك تذهب جفاء. ورزانة الإنكليزي عرضة لأن تسكن وتهدأ وبذلك تصبح تبلدا. ولو أمكننا - إذا - أن نرقى بالطبعين وننهض بهما إلى حد الاعتدال فإننا نحفظ الفرنسي من أن ينتفخ وينفجر كالفقاعة ونحفظ الإنكليزي من أن يركض وينتن كماء المستنقع.
كذلك مما لا شك فيه أن التباين في الأخلاق يمتد إلى كل ما يستهوي كلا الشعبين ويجذب انتباهه. فالفرنسي الحقيقي لا يمتزج بدمه أكثر من حبه للشهرة الحربية، فهو يقاتل ويعمل على الانتصار حبا في المجد والعظمة غير مبال بما يدفعه ثمنا لهذا المجد. وإنك لتعجب إذ تجد الفقير المعدم قد تهلل وجهه بالبشر وخفق قلبه بالفرح إذا ما قرأ نبأ رسميا حوى نصرا حربيا. وما اللحم والكأس أحب إلى نفسه وأسد إلى رمقه من انتصار عظيم يحرزه جيش وطنه وانخذال كبير يصيب جيش عدوه. وإن رؤية مليكه الباسل وهو يعود إلى أرض الوطن حاملا غنائم الحرب وأسلابها ليهز نفسه هزا حتى ليرمي بقبعته القديمة الرثة في الهواء ويقفز فوق حذائه الخشبي.
أما «جون بول» فهو على العكس شخص يميل إلى التعقل والتفكير، فإذا ما أخطأ كان خطؤه معقولا وإذا أقدم على حرب فللمصلحة العامة. وهو لا يتأخر عن قتل جاره في سبيل المحافظة على السلم والنظام، كما أنه - لحبه كسب المال - يدافع عن تجارته وصناعته ويحميها بقوته.
لهذا كله نجد أن الأمتين شغلتهما الحروب من أزمان طويلة، وبينما كان غرض إحداهما المجد كان غرض الأخرى الخير. وفي سبيل المجد نجد أن فرنسا تفقد عاصمتها مرتين،
2
وفي سبيل الخير نجد أن إنكلترا تغرق في بحر من الدين. (3) أخلاق الإنكليز
ويقول «الأستاذ محمد عطية الإبراشي في كتابه «نظام التعليم في إنكلترا»:
يجب أن يعنى نظام التربية بالنظر في أخلاق الشعب وتقاليده وفي الصفات السائدة بين الأمة، وألا يكون ضد العادات القومية. كل هذه الأمور قد لوحظت في التعليم بإنكلترا فإن الصفات والأخلاق التي تعرف بها بين الأجناس البشرية معروفة منذ أجيال متأصلة فيها كل التأصيل. يقول «بيتر ساند يفرد»:
الرجل الإنكليزي مولع بالمنافسة يحب من صميم فؤاده الرحلات والسياحات. ولا يستطيع أحد الاستقرار في إنكلترا إلا من كان يميل إلى المنافسة. وإن هذا الميل إلى حب التنافس لا يظهر للناظر العادي؛ لأنه مغطى بطبقة كثيفة من الهدوء العقلي، والرجل الإنكليزي يمقت النظريات والتفكير في النظريات، ويحب أن يقبض على الأمور العملية في الحياة ويحلها وهو سائر في عمله.» ويقول «بيتر ساند يفر» أيضا: «إن الرجل الإنكليزي يرى هادئا وهو في حاجة إلى قوة الخيال، ومن صعب أن تؤثر فيه، فهو كالفحم الحجري الصلب يتقد ببطء، ولكن حينما يتقد يحترق إلى النهاية.
ولدى الرجل الإنكليزي قوة كبيرة على كتمان شعوره، ويمكنه أن يمتلك نفسه، وهو شديد المحافظة على القديم يحب الحرية الشخصية فوق كل شيء. ولقد قاتل في سبيل تلك الحرية أكثر من ألف سنة. ويقول «ساند يفرد» في موضع آخر:
Bog aan la aqoon
الرجل الإنكليزي هادئ من الجهة العقلية، ولديه حب عميق للحرية. ولقد كانت هاتان الصفتان سببا في اتخاذه سياسة البطء لا في السياسة فحسب بل في التعليم كذلك». وهو منعزل بطبيعته يحب العزلة والوحدة، لا يحادثك إلا إذا تعارف بك. وقد يكون هذا الانعزال ناشئا عن الحياء والخجل. وإن حادثك فلا تخرج محادثته في الغالب عن الجو، والجو لحسن الحظ كثير التغير والتقلب بإنكلترا؛ فمن اعتدال في الطقس إلى ضباب أو مطر أو برودة، أو عاصفة أو رعد وبرق. وإذا زالت الكلفة وذهب الخجل تحادث معك في أي موضوع كالخيالة والتمثيل والألعاب الرياضية والموضوعات الأدبية والاجتماعية. يتجنب الأمور الشخصية فلا يسألك عن مقدار ما يمنحك أبوك في الشهر ولا عن مقدار ما تنفقه أو تدفعه للسكنى أسبوعيا - كما يسأل الفضوليون حيثما يرونك أو يعرفونك أول مرة. ويميل الإنكليزي دائما إلى التحفظ في الجواب فلا يجيب إجابة الجازم المتحقق، ولكنه يجعل للشك دخلا في كل ما يقوله، ويجيب دائما بكلمة «أظن، أو ربما» بعكس الرجل الفرنسوي فإنه يميل كثيرا إلى الجزم والتخمين.
والإنكليز معروفون بحبهم للمحافظة على القديم. وفي إنكلترا تندر العجلة في تنفيذ نظرية من النظريات أو مشروع من المشروعات في التربية والتعليم، فبينما تحاول الولايات المتحدة بأمريكا تجربة طائفة كبيرة من طرق التعليم والنظريات الحديثة - وقد لا توافق على شيء منها بعد التجربة وعدم الاستحسان - تجد إنكلترا في هذه الحال مثلا في دور المناقشة والمناظرة في طريقة واحدة من هذه الطرق؛ لأن إنكلترا تخاف الخسارة وضياع الوقت. أما الولايات المتحدة فلا تبالي بما تفقده في سبيل البحث والتجربة، ولذا تجدها اليوم تقود العالم في العلم والاختراع والصناعة، وقد ساعدها غناها على هذا التقدم والإقدام. فالمحافظة على القديم في إنكلترا لها فوائد؛ ولكن يجب ألا ننسى أن لها أيضا كثيرا من المضار، فإنكلترا تميل إلى الوقوف عند حد ما وهي بطيئة في الإصلاح؛ لأنها لا تستفيد في الحال مما يقدمه لها المفكرون وما يظهره المصلحون من أبنائها، ولا تشجع البحاثين والمخترعين تشجيع الولايات المتحدة لهم، وإن ولع إنكلترا بالمحافظة على ما لديها يظهر جليا في القوانين المختلفة للتربية التي وافق عليها مجلس النواب الإنكليزي، فلا تجد مطلقا حذف قانون من القوانين برمته واستبداله بقانون آخر، بل تجد أن كل قانون هو تعديل للقانون السابق للتوفيق بينه وبين الرأي الجديد الذي يراد إدخاله. ولا يشك أحد في أن قوانينها في التربية ثابتة.
ومع ذلك حدث تغيير في التعليم بإنكلترا فمنذ سنة 1900 ترى المحافظة على القديم أقل منها في الزمن السابق وفي الحق أن التغيرات الحديثة بإنكلترا كثيرة وظاهرة لمن عرفها من قبل ورآها اليوم. ولا يشعر من الإنكليز بالفائدة الكبيرة من هذا التغيير إلا قليل منهم، وكل ما تعرفه الأكثرية هو أن هناك شيئا يجري في عالم التربية، وأن الأمور تتغير بسرعة، وهم يشعرون بالحيرة في الابتداء وهم سكوت لا يتكلمون. ولا ننكر أن النزاع بين المحافظين والمجددين دائم لا ينقطع ولو أنه نزاع صامت.
ويظهر الميل الفطري لحرية الفكر واستقلال الرأي في أحوال كثيرة في التعليم بإنكلترا، وإن قوانين التربية مفتوحة للتغيير البطيء، فحينما تظهر التجارب صواب الفكرة الجديدة ويرى معظم الناس فائدتها، يتغلب الإنكليز على كراهتهم لها. فالحرية الشخصية تخضع دائما للمجتمع حبا في المصلحة العامة، فمثلا كان الذهاب إلى المدرسة اختياريا يذهب إليها من يشاء من التلاميذ. لكن لما تبين أن من المحال تعميم التعليم إذا ظل اختياريا غير هذا النظام وجعل إجباريا، وكان التفتيش الطبي على المدارس والتلاميذ اختياريا ثم غير وجعل إلزاميا. وكان إعداد المدرسين اختياريا أيضا ثم ظهر أن المدرس لا يستطيع أن يقوم بمهنته كما ينبغي إلا إذا نال قسطا من التربية وعرف طرق تدريس المواد؛ فجعل إعداد المدرسين إجباريا وعده من الواجبات لرقي التعليم. وهناك عشرات الأمثلة لأمور كانت اختيارية بإنكلترا وأصبحت إجبارية يطالب بها القانون.
وإن إنكلترا - وإن كانت أمة عملية لا تدين بالنظريات - لا تمتنع من أن تعمل بما يمكن تنفيذه منها. ولا ينكر أحد أن النظرية التي لا يمكن تنفيذها لا فائدة منها ولا خير في العلم إذا لم يصحبه العمل؛ لذا كانت طريقة التعليم في إنكلترا طريقة عملية تتفق هي والأمور العملية التي تحتاج إليها وتتفق مع حاجات الشعب وحياته. ولا يمكن أن نفهم هذه الطريقة منفردة عن التاريخ القومي والحالة الشعبية. والمهم لدى الإنكليز الوصول إلى العمل بأي طريقة كانت من غير عناء كبير وبحث طويل في النظريات. وتاريخ التعليم الإنكليزي مملوء بالأمثلة الدالة على حب العمل وعدم الاكتراث للنظريات. فمدارس إنكلترا إذن مدارس عملية ذات قوة كبيرة وتأثير عظيم في تهذيب الأخلاق وتقويمها وإعداد رجال مخلصين عمليين يثقون بأنفسهم ويشعرون بما وجب عليهم لغيرهم، ولا يفرون من تحمل مسؤولية أي عمل يقومون به، وهي مدارس تربي في كل طفل الثقة بالنفس، فيقول لك دائما: «سأحاول» إذا سألته هل يستطيع أن يقوم بعمل من الأعمال. (4) زيادة أعمار المعلمين الإنكليز بسبب سلوك الطلبة
قالت جريدة إنكليزية تحت هذا العنوان «تقول لك كل أم في إنكلترا»: إن الأولاد في هذا الزمان يفوقون الأولاد في كل جيل سابق في أربعة أشياء: (1)
أنهم أصح أجساما. (2)
أنهم أعظم سرورا بالحياة. (3)
أنهم أجمل طلعة. (4)
أنهم أشد ذكاء بكثير وأحسن سلوكا.
Bog aan la aqoon
وكانت نتيجة حسن سلوكهم أن متوسط أعمار المعلمين الآن زاد خمس سنوات على ما كان منذ 20 سنة.
فقد ظهر من آخر إحصاء أن 300 مدرس يبلغون الآن كل سنة سن 75، و500 مدرس سن 70، وألف مدرس يبلغون سن 60، وهي السن التي يعين فيها معاش لهم.
وقال رجل من وزارة المعارف «الإنكليزية»: إن الجهد العصبي الذي يستهدف له المعلمون الآن أقل مما كان قبل الحرب.
وإن طرق التعليم أصلح مما كانت والطلبة أكثر قبولا للتعليم مما كانوا.
وقد تحسنت المعرفة العمومية كثيرا على يد الصحف والراديو والسينما، وهذه المعرفة العمومية هي من العوامل المهمة في التربية.
وأهم من هذا كله أن المعلمين لا يرهقون الآن بما كان المعلمون يرهقون به منذ 30 سنة بإكراههم على حفظ النظام؛ لأن المدارس تعلم الطلبة الآن تنظيم أنفسهم وتشجعهم عليه مع زيادة إطلاق الحرية لهم، وهذا ينقذ المعلمين من ضرورة إبقاء أنفسهم على مقياس عال من الإشراف والجهد العصبي للمحافظة على النظام في المدارس.» (5) الإمبراطورية الإنكليزية ومميزاتها
ويقول الدكتور محمد عوض في بحث له عن «الإمبراطورية البريطانية»:
إن الإمبراطورية البريطانية تشتمل على نحو 12 مليونا من الأميال المربعة حسب تقدير المراجع البريطانية، التي تدخل في هذه المساحة السودان. وسكان هذه الإمبراطورية يبلغون اليوم زهاء 450 مليونا، «أي نحو خمس سكان الأرض في نحو خمس مساحة اليابس من سطحها.
وهذه الإمبراطورية مترامية الأطراف، ومنها أراض في جميع القارات والبحار. وعلى كثير من خطوط العرض. فمتى دارت الكرة الأرضية دورتها فلا بد أن يكون جزء من تلك الكرة مغمورا بأشعة الشمس، كما أن جزءا منها دائما في ظلام الليل البهيم. ولهذا قيل عنها: إنها لا تغرب عنها الشمس. ويمكن أن يقال هذا أيضا في ممتلكات روسيا وفرنسا وهولنده والولايات المتحدة. ولكن بدرجة أقل.
ويقع أكثر من نصف الإمبراطورية في نصف الكرة الشمالي، وأقل من النصف قليلا في نصفها الجنوبي. والمعنى الجغرافي لهذا أن أحد شقي الإمبراطورية صيف دائما أو شتاء. بحيث تتمثل فيها جميع الفصول في آن واحد تقريبا.
Bog aan la aqoon