Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Noocyada
إن الترتيب الذي بمقتضاه تستمد ترعة الجزيرة المقادير المقررة لها في (ضبط النيل) من تصرف النهر الطبيعي إلى 18 يناير، ولا تستمد مقادير إضافية بعد 31 ديسمبر. هذا الترتيب قد يزداد وضوحا إذا تبين الحد الذي لا يتعداه السودان في سحب الماء من النهر في يناير بكميات الماء من غير اعتبار ليوم 18 يناير بالذات. ولقد قررت (ضبط النيل) للسودان 117 مليون متر مكعب إلى 17 يناير، والذي تراه اللجنة أن لا يأخذ السودان في شهر يناير أكثر من هذا المقدار على أن لا يستأنف أخذ الماء من التصرف الطبيعي للنهر حتى 1 يولية كما بينا في الفقرة 49. وعلى هذا فمن أول يناير إلى 15 يوليو يقتصر السودان على أن يأخذ من التصرف الطبيعي - وهو النهر - 117 مليون متر مكعب خلاف المقادير القليلة التي ترفع بالطلمبات، وفي هذا الوقت من السنة تستأثر مصر بما يكاد يكون جميع الباقي من التصرف الطبيعي، وهو على حسب الذيل «ك» يصل إلى نحو 13000 مليون متر مكعب عدا ما هو مخزون بأسوان وجبل الأولياء، وبتأمل الموضوع بعد هذا البيان تقل بالنسبة لمصر أهمية تحديد يوم من أيام يناير لا يتعداه السودان في سحب المقدار المقرر له في (ضبط النيل)، وهو 4,5 ملايين متر من النهر يوميا، لكن تحديد هذا اليوم كبير الأثر بالنسبة للسودان الذي ليس له من مورد في فصل الانخفاض في خزان سنار سوى نحو 500 مليون متر مكعب، وال 117 مليونا المقررة له من التصرف الطبيعي والمقدار القليل المخصوص للطلمبات.
قد فكرت اللجنة بعناية فيما إذا كانت تقترح ترتيبا خاصا يعمل به في سني التقصير الشديد التي تشبه سنة 1913-1914، وفطنت إلى أن الجزيرة إذا لبثت في مثل تلك السنة تستمد ماء ريها من التصرف الطبيعي إلى 18 يناير، فالسودان على حسب طريقة التقدير المتبعة في هذا التقدير يكون لحد ما قد استمد حاجته من ماء تحتاج إليه مصر. فلكي يحتاط للسنين التي من هذا القبيل لا بد من اتخاذ مقياس أو دليل يهتدى به في أحوالها الخارقة للعادة، فيعطى للسودان حصته بمقتضى جدول مدرج، كما توضع طريقة للتنبؤ بهذه الأحوال قبل وقوعها.
فكرت اللجنة في ترتيبات مختلفة، وبحثت فيها مع مصلحة الطبيعيات، ثم نظرت إلى ضآلة مقادير المادة التي هي موضوع بحثها وإلى ندرة السنين الشحيحة، وإلى أن الحكومة المصرية قد أقدمت نهائيا على خطة معينة لزيادة الانتفاع بمياه النيل، فرأت تلقاء ذلك كله أن مثل هذا إن وضع لا يكون محققا للفائدة، بل هو يجر إلى عناء في التنبؤ بالمستقبل من أحوال الفيضان، ويفتح باب خلاف وتشاد، ثم يحتمل أن لا يرجع إليه قط، واللجنة إذا أخذت بالحقائق الثابتة والاعتبارات العامة المبينة في الفقرة 41 لا تقترح تغييرا ما في الخطة الأولى التي تجيز أن تستمد ترعة الجزيرة من التصرف الطبيعي للنهر إلى 18 يناير مقادير الماء التي تكررت لها من أول الأمر في كتاب (ضبط النيل).
لكن الاعتبارات المبينة في الفقرة 41 لا تسري على المقادير الإضافية، واللجنة لم تجد بدا من أن يكون للسنين الشحيحة دخل في الآراء التي تبديها، ولو جر ذلك إلى جدول التدرج ومتاعب العمل به، وإن هناك فرقا كبيرا بين أخذ الماء عند سنار في الثمانية عشر يوما الأولى من يناير وبين أخذه في ديسمبر؛ لأن المأخوذ في يناير قد يؤثر في كمية مياه الري اللازمة لمصر، على حين أن المأخوذ في ديسمبر لا يشعر بأثره في مصر إلا في وقت سد الترع، وهو وقت انسياب الماء في البحر الأبيض، وليس فيه مصلحة تراعى إلا مصلحة الملاحة. فالمقياس الذي يستأنس به عند التفكير في تحديد التاريخ الذي فيه ينبغي الكف عن سحب الماء الإضافي من التصرف الطبيعي، هو أثر هذا السحب في الملاحة في مصر.
لا وجود لتقدير حاسم في بيان كمية الماء التي يمكن اتخاذها حدا أدنى لما تطلبه الملاحة في وقت ما و(ضبط النيل) يقدر لها في يناير مقدارا من الماء يتراوح بين 1500 و2300 مليون خلف أسوان، وتقرير الأغلبية في لجنة مشروعات النيل يشير بجعل المقدار اللازم للملاحة 1500 مليون. وبمقتضى الترتيب المقترح في تقريرنا هذا يكون هذا المقدار كما جاء في الفقرة 56 هو 75 مليونا في اليوم، أي 2300 في الشهر في الأحوال التي تقل بعض الشيء عن المتوسط، ولا سبيل إلى التمسك بهذا الحد الأدنى حتى في أردأ السنين، فلقد نزل التصرف في يناير سنة 1914 إلى 40 مليونا في اليوم عند قناطر الدلتا بل إلى أقل من ذلك.
ولقد اهتدت اللجنة إلى ترتيب آخر لطريقة بحث غير الطريقة التي تقدم ذكرها؛ ذلك أن التصرف الطبيعي للنهر كما هو ظاهر من الرسم رقم 6 بمعدل مليون متر مكعب في اليوم في آخر يناير عند القناطر يقابله آخر ديسمبر هو على وجه التقريب 14 مليونا في اليوم، وعلى هذا فكل ما وقع في مصر في السنين الماضية يقع مبكرا بأربعة عشر يوما، وإذن يمكن الاتفاق على جدول تدرج بمقتضاه يقدم تبعا لطبيعة الموسم تاريخ الكشف عن سحب المقادير الإضافية حتى يصير هذا التاريخ في السنين التي تشابه سنة 1913-1914 يوم 18 ديسمبر بدل 31 ديسمبر، وهو اليوم المحدد للسنين المعتادة.
يمكن اعتبار مجموع التصرف الطبيعي في أسوان في شهر ديسمبر مقياسا يستدل به على حالة النيل، ولدينا لتحديد الأحوال التي يسري عليها تاريخ 31 ديسمبر تقديران؛ أحدهما الوارد ذكره في الفقرة 63 يدل على أن هذا التاريخ كان ينبغي أن يكون 28 ديسمبر في سنة 1919-1920، والثاني التقدير الوارد ذكره في الفقرة 62، وهو يدل على أن هذا التاريخ 2 يناير، ولقد كانت جملة التصرف في ديسمبر من سنة 1919-1920، 4410 مليونات كما هو ظاهر من الذيل (ي). أما في السنوات الست التي اتخذت أساسا للتقدير الثاني، فقد بلغ معدل التصرف 4860 مليونا، وإنه يناسب أن تجعل بداية جدول التدرج الذي تقترحه نحو 4700 مليون، ونهايته 2800 مليون، وهي جملة التصرف في سنة 1913-1914، فيكون التاريخ الذي يجعل حدا لاستمداد السودان القدر الإضافي، أي 80 مترا مكعبا في الثانية هو 31 ديسمبر في جميع السنين الشحيحة يقدم التاريخ بنسبة 3 أيام عن كل 400 مليون من الفرق 4700 مليون، ومقدار التصرف الفعلي للنهر في ديسمبر.
قد لا تخلو المقادير المترتبة على جدول التدرج هذا من تقريب يسير، لكن هذا الجدول قد استنبط من المعلومات التي بين أيدينا، وبني على الاعتبار الوحيد الذي يمكن مراعاته في هذا الفصل من السنة، وهو مطالب الملاحة غير الممكن تحديدها على وجه الدقة، وهذا الجدول يتفق مع الأرصاد، ويحقق غاية ترمي إليها اللجنة، وهي وضع نظام لماء السودان يمكن أن يتمشى مع طوارئ هذا الفصل التي لا يصح أن يسلم منها أحد الطرفين. وهذا سيضطر السودان إلى الاستمرار في السحب من النهر إلى آخر ديسمبر، على أن يرد ما زاد عن حقه فيما بعد حين يتسنى الحكم على حالة السنة.
لدينا اعتراضان خطيران على جدول التدرج هذا: الأول أنه قد يفتح باب الخلاف في الأرقام التي بني عليها، وقد يكون التقيد بتاريخ ثابت لا يحتمل الخلاف خيرا من الأخذ بطريقة إذا استحسنت من الوجهة النظرية فهي قابلة من الوجهة العملية لأن تجر إلى تشاد بين الفريقين الآخذين بها، والثاني - وهو يعزز الأول - أن جدول التدرج هذا مبني على التصرف الطبيعي في أسوان، ومتى كان على النيل قبل أسوان خزانان آخران يشتغلان، فإن تقدير التصرف الطبيعي في أسوان يكون أمرا عسيرا تدخل فيه عدة عوامل غير يقينية، لكن جدول التدرج مع ذلك كله هو خير وسيلة ترى فيها اللجنة ضمانة لتشغيل ترعة الجزيرة فيما يتعلق بالتوسع الزراعي على النحو الذي يلائم السنين الشحيحة. (9) الري بالطلمبات وري الحياض في السودان
قدمنا في فقرة من الفقرات الأولى من هذا التقرير أن ما يروى بالطلمبات وما يروى بطريقة الحياض من أراضي السودان قليل المساحة لا يعد في موضوع بحثنا عاملا من العوامل الكبيرة. لكنه مع هذا ينطوي على اعتبارات لها قيمة، وقد فكرت اللجنة فيها عاما، ولا سيما في موضوع الري بالطلمبات.
Bog aan la aqoon