Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Noocyada
نلحظ كذلك أن الفرنسي يتفوق في الفهم. أما الإنكليزي ففي المزاج والطبع. والفرنسي ذو تصور مرح. أما الإنكليزي فخياله أخصب وأثمر. والفرنسي إحساسه رقيق دقيق ليس أسهل من إثارته، وهو عرضة للتأثر والهياج الشديدين وإن كانا غير ثابتين. أما الإنكليزي فهو أكثر هدوءا وبرودة، ليس من اليسير أن تستثيره وإن كان قادرا على أن يصل إلى درجة عظيمة من الحماسة. وعلى هذا فالخطأ في الطبعين هو أن خفة الفرنسي عرضة لأن تكون زبدا وبذلك تذهب جفاء. ورزانة الإنكليزي عرضة لأن تسكن وتهدأ وبذلك تصبح تبلدا. ولو أمكننا - إذا - أن نرقى بالطبعين وننهض بهما إلى حد الاعتدال فإننا نحفظ الفرنسي من أن ينتفخ وينفجر كالفقاعة ونحفظ الإنكليزي من أن يركض وينتن كماء المستنقع.
كذلك مما لا شك فيه أن التباين في الأخلاق يمتد إلى كل ما يستهوي كلا الشعبين ويجذب انتباهه. فالفرنسي الحقيقي لا يمتزج بدمه أكثر من حبه للشهرة الحربية، فهو يقاتل ويعمل على الانتصار حبا في المجد والعظمة غير مبال بما يدفعه ثمنا لهذا المجد. وإنك لتعجب إذ تجد الفقير المعدم قد تهلل وجهه بالبشر وخفق قلبه بالفرح إذا ما قرأ نبأ رسميا حوى نصرا حربيا. وما اللحم والكأس أحب إلى نفسه وأسد إلى رمقه من انتصار عظيم يحرزه جيش وطنه وانخذال كبير يصيب جيش عدوه. وإن رؤية مليكه الباسل وهو يعود إلى أرض الوطن حاملا غنائم الحرب وأسلابها ليهز نفسه هزا حتى ليرمي بقبعته القديمة الرثة في الهواء ويقفز فوق حذائه الخشبي.
أما «جون بول» فهو على العكس شخص يميل إلى التعقل والتفكير، فإذا ما أخطأ كان خطؤه معقولا وإذا أقدم على حرب فللمصلحة العامة. وهو لا يتأخر عن قتل جاره في سبيل المحافظة على السلم والنظام، كما أنه - لحبه كسب المال - يدافع عن تجارته وصناعته ويحميها بقوته.
لهذا كله نجد أن الأمتين شغلتهما الحروب من أزمان طويلة، وبينما كان غرض إحداهما المجد كان غرض الأخرى الخير. وفي سبيل المجد نجد أن فرنسا تفقد عاصمتها مرتين،
2
وفي سبيل الخير نجد أن إنكلترا تغرق في بحر من الدين. (3) أخلاق الإنكليز
ويقول «الأستاذ محمد عطية الإبراشي في كتابه «نظام التعليم في إنكلترا»:
يجب أن يعنى نظام التربية بالنظر في أخلاق الشعب وتقاليده وفي الصفات السائدة بين الأمة، وألا يكون ضد العادات القومية. كل هذه الأمور قد لوحظت في التعليم بإنكلترا فإن الصفات والأخلاق التي تعرف بها بين الأجناس البشرية معروفة منذ أجيال متأصلة فيها كل التأصيل. يقول «بيتر ساند يفرد»:
الرجل الإنكليزي مولع بالمنافسة يحب من صميم فؤاده الرحلات والسياحات. ولا يستطيع أحد الاستقرار في إنكلترا إلا من كان يميل إلى المنافسة. وإن هذا الميل إلى حب التنافس لا يظهر للناظر العادي؛ لأنه مغطى بطبقة كثيفة من الهدوء العقلي، والرجل الإنكليزي يمقت النظريات والتفكير في النظريات، ويحب أن يقبض على الأمور العملية في الحياة ويحلها وهو سائر في عمله.» ويقول «بيتر ساند يفر» أيضا: «إن الرجل الإنكليزي يرى هادئا وهو في حاجة إلى قوة الخيال، ومن صعب أن تؤثر فيه، فهو كالفحم الحجري الصلب يتقد ببطء، ولكن حينما يتقد يحترق إلى النهاية.
ولدى الرجل الإنكليزي قوة كبيرة على كتمان شعوره، ويمكنه أن يمتلك نفسه، وهو شديد المحافظة على القديم يحب الحرية الشخصية فوق كل شيء. ولقد قاتل في سبيل تلك الحرية أكثر من ألف سنة. ويقول «ساند يفرد» في موضع آخر:
Bog aan la aqoon