ومشتهرة حادثة الفيل تلك التي واكبت مولد النبي ﷺ وغير ذلك، ذلك المولد الذي كان ثمرة الالتقاء القصير بين عبد الله بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب ومما يمتاز به هذا الكتاب، جمع آراء الأئمة في مصير أبوي النبي ﷺ وتفصيل أدلة كل فريق بما يربو على أربعين صحيفة.
وكان مولده ﷺ في التاسع أو الثاني عشر شهر ربيع الأول (٢٠ إبريل ٥٧١ م)، وقد أقيمت مكتبة في المكان الذي ولد فيه- ﵇ ويؤمها كثير من الحجاج لعيشوا في رياض المكان الذي شهد مولد المصطفى ﷺ ذلك الصفي يتيم الأبوين الذي مات أبواه فكفله جده، ومن بعد جده عمه.
فيما يتصل برضاعه
وقد ذكروا إن أول من أرضعته من المراضع- بعد أمه ﷺ ثويبة مولاة أبي لهب، وكان ذلك بلبن ابن لها يقال له: مسروح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
وكانت السيدة حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية- أم رسول الله من الرضاعة- تذكر أنها خرجت في طلب مرضع مع زوج، وابن لها صغير ترضعه، مع جملة من نساء ينتسبن لبني سعد بن بكر، لطلب الرضعاء في سنة تذكر أنها كانت سنة جدب وقحط، على أتان لها ومعها ناقة كبيرة السن قد جف ضرعها من شدة القحط وقحط السنة، وكان صوت صبيها يتعالى من بكائه من شدة الجوع وخواء ثديها مما يرويه، وجفاف ضرع ناقتها، وذلك المركب الذي امتطوه يتباطأ بهم عن السير، لما يجده من الجوع. ذلك حال أم النبي ﷺ من الرضاعة، تصفه بنفسها عند ما جاءت لتطلب الرضعاء، وتذكر هذه السيدة أنه ما منهن امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله ﷺ فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، نظرا لما كنّ يؤمّلنه من نوال والد الصبي، فذلك عائد المطلوب لهن، فكن يقلن: يتيم، وما عسى أن تصنع أمه وجده؟ فكرهن الرضى به لذلك، وحظيت نسوة بني سعد برضعاء، خلا السيدة حليمة، فكرهت السيدة حليمة الرجوع من بين صواحبها، فعادت إلى ذلك الصبي اليتيم، بعد ما كانت قد أجمعت على الانطلاق، فقال لها زوجها: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة! فذهبت إليه فأخذته، وما حملها على أخذه سوى عدم وجود غيره، فأخذته ورجعت به إلى رحلها، ووضعته في حجرها، فأقبل على ثديها، فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، ولعلك تذكر أن صوت أخيه كان يتعالى بالبكاء، فيطرد من أجفان والديه النوم. وأعجب من ذلك أنها نهضت لناقتها تلك التي كان ضرعها جافا في مقدمها لطلب الرضعاء، فإذا بهذا الضرع يدر اللبن، فشربت وزوجها حتى انتهيا وقد صدرا عن الضرع ريا وشبعا وباتا بخير ليلة.
المقدمة / 6