ومع ذلك فمن الممكن القول إن فكرة الله عند اسپينوزا ليست مجرد واحدة من الأفكار التي تعالجها فلسفته، فكل فلسفة اسپينوزا يمكن أن تعد - بمعنى معين - تفكيرا في الله. ففكرة الله عنده شاملة لكل شيء. ولما كان فهم الأشياء هو، في رأي اسپينوزا، فهم لله أيضا، فإن كل تفكير في أي موضوع فرعي من موضوعات المعرفة يعد في الوقت ذاته تفكيرا في الله، كما أن معالم فكرة الله لا تتضح على حقيقتها إلا بعد فهم جميع الأوجه الأخرى لمعرفة الأشياء فهما فلسفيا، ويعبر «هيلر» عن هذا الرأي تعبيرا واضحا إذ يقول: «إن البحث في الله يستغرق فلسفة اسپينوزا من ألفها إلى يائها.»
1
كذلك تقول «سو
Saw » برأي مماثل؛ إذ تؤكد أن فلسفة اسپينوزا بأسرها إنما هي تبرير للاهوت من حيث هو علم، وترى في هذه الفلسفة، بالتالي، ردا على من ينكرون إمكان قيام الميتافيزيقا وما تتضمنه من أبحاث متعلقة باللاهوت. وهكذا تصبح كل فلسفة اسپينوزا في نظرها مظهرا من مظاهر إمكان علم الإلهيات.
2
ومع ذلك فمن الممكن القول، من وجهة نظر أخرى، إن فكرة الله؛ إذ يتسع نطاقها إلى هذا الحد، «تتلاشى» في هذه العناصر الأخرى لفلسفة اسپينوزا، بحيث يصبح إيضاح هذه العناصر الأخرى لفلسفته هو الهدف الأساسي، ولا تكون فكرة الله إلا تعبيرا عن الماهية الجامعة لهذه العناصر، وهي الماهية التي لا توجد مستقلة عن موضوعها. ويزداد هذا الرأي قوة إذا نظر إلى فلسفة اسپينوزا بأسرها من خلال معادلته الأساسية: الله = الطبيعة. فهذه المعادلة، إذا ما فهمت دلالتها على حقيقتها، تجعل البحث في اللاهوت غير ذي موضوع، ما دام البحث في الطبيعة ذاتها، سواء في مجموعها وفي تفاصيلها، يستنفد بذاته كل أطراف المعرفة. وفي هذه الحالة تغدو فكرة الله عنصرا يمكن حذفه من فلسفة اسپينوزا، على أساس أنها مجرد مصطلح من مصطلحات العصور الوسطى التي اعتاد اسپينوزا أن يعبر بها عن أفكاره المغايرة تمام المغايرة لكل الفلسفات المدرسة .
فإذا صح هذا الفهم الأخير، فكيف نوفق بينه وبين ذلك الاهتمام الذي أبداه اسپينوزا ذاته بالفكرة؟ من الممكن أن يقال إن ذلك الاهتمام، الذي جعله يعطي للفكرة موقع الصدارة في مذهبه، إنما يدل بطريقة غير مباشرة على أن تغيير نظرتنا إلى هذه الفكرة هو، في رأيه، أساس حلنا لجميع المشكلات الفلسفية الأخرى؛ أي إنه يرى أن الفارق بين النظرة الأسطورية والنظرة العلمية إلى الكون هو الذي يتحكم في جميع تفسيراتنا للمشاكل الفلسفية وحلولنا لها. وبعبارة أخرى، فإن الإنكار التام للتفسير اللاهوتي لفلسفة اسپينوزا لا يتعارض، بدوره، مع إعطاء فكرة الله أهمية رئيسية في فلسفته؛ إذ إن الحديث عن هذه الفكرة سيغدو عندئذ وسيلة لعرض آرائه العلمية الجديدة في الكون أو الطبيعة، وهي الآراء التي كانت تمثل بالفعل نظرة انقلابية بالنسبة إلى جميع الفلسفات السابقة عليه. (1-2) دلالة فكرة الله في لغة اسپينوزا
منذ عصر اسپينوزا نفسه، ظهر الخلاف الذي لا يزال قائما إلى اليوم، حول الدلالة الحقيقية لفكرة الله عنده، واتخذ ذلك الخلاف نفس الشكل الذي لا يزال يتخذه إلى اليوم - وهو شكل التضاد الكامل بين رأيين، يؤكد أحدهما أن اسپينوزا كان يعني كل وصف قال به لفكرة الله، وأن الفكرة تحتل لديه، بالتالي، موقعا أساسيا، وأن آراءه، تبعا لذلك، لا تتعارض تعارضا أساسيا مع التراث الديني بمعناه العام، ويؤكد الآخر أن لغة اسپينوزا الظاهرية ينبغي ألا تفهم فهما حرفيا، وأن البحث عن معانيها الخفية كفيل بأن يكشف عن أشد أنواع الإلحاد من وراء تعبيراته البريئة المظهر.
ويظهر هذا التضاد منذ اللحظة الأولى لدى مؤرخي حياته المشهورين: لوكاس
Lucas
Bog aan la aqoon