ويؤكد التضاد بين تأكيد العهد القديم للخطيئة، وبين نفي اسپينوزا للشعور بالذنب أو تبريره له منطقيا، ويتحدث بعد ذلك عن خلو الطبيعة من القيم الأخلاقية عند اسپينوزا، على حين يكون الإنسان، بقيمه البشرية، مركزا للكون في الأخلاق اليهودية.
57
وأخيرا؛ فقد سبق أن رأينا كثيرا من الكتاب يؤكدون وجود طابع مزدوج، لاهوتي وعلمي، في كتاب «الأخلاق»، ومن الطبيعي أن يستغل الشراح اليهود هذا الطابع المزدوج المزعوم، ليؤكدوا أن العنصر اللاهوتي فيه يرجع إلى التأثر بالتراث اليهودي، وهو تأثر بلغ من قوته، في رأيهم، أنه فرض ذاته على تفكير اسپينوزا العلمي على نحو بدت معه فلسفة اسپينوزا آخر الأمر ذات مظهر متناقض.
ويعبر «فرويدنتال» عن هذا الطابع فيقول: «إن الاتجاه اللاهوتي التفاؤلي للأخلاق الاسپينوزية واضح الظهور في هذا الكتاب (الأخلاق)، وهو اتجاه يتعارض مع الحتمية الجامدة في فلسفته النظرية ، بقدر ما يتمشى مع النظرة اليهودية إلى العالم.»
58
وهو يعلل هذا الظاهرة بقوله: «وتفسير ذلك هو أن عادات ذهنية معينة، كانت سائدة لدى أسلافه منذ آلاف السنين، ومألوفة لديه منذ صباه، قد أدت به إلى الانحراف عن الطريق المستقيم لمذهبه؛ إذ ليس في وسع أحد أن يستقل استقلالا تاما عن تصورات وأحكام وعادات قومه، ولا بد أن يظهر هذا الاعتماد بوضوح أيضا لدى من انشق في أهم الأمور - كما فعل اسپينوزا - عن تراث أجداده.»
59
ويتحدث «ولفسون» في مقدمة كتابه «فلسفة اسپينوزا» عن ذلك الطابع المزدوج المميز لكتاب الأخلاق، فيقول إن للكتاب مؤلفا صريحا يضع القضايا والبديهات والتعريفات ويستخدم المنهج الهندسي، ويسميه «بندكتوس». ولكن للكتاب أيضا مؤلفا خفيا يظهر أحيانا في «الملحوظات»، ويحفل ذهنه بالتراث الفلسفي للعصور الوسطى، ويسميه «باروخ»، ثم يقول: «وبندكتوس هو أول المحدثين، وباروخ آخر الوسيطيين.»
60
وهكذا يردد «ولفسون» بدوره الفكرة القائلة أن فلسفة اسپينوزا جمعت بين الطابع العلمي، المميز للفكر الحديث، والطابع اللاهوتي، المميز للعصور الوسطى، ولا جدال في أن اختياره اسم «باروخ» رمزا لهذا الاتجاه الوسيطي الذي يفترض وجوده لدى اسپينوزا، يعني أن مؤثرات العصور الوسطى كانت في نظره مؤثرات يهودية في المحل الأول.
Bog aan la aqoon